الصحافه

بعد 19 شهراً.. اتحاد الصحافيين الأجانب: لا يسمحون لنا إلا بتصوير الأنفاق.. فمن أين ننقل الحقيقة ومتى؟

بعد 19 شهراً.. اتحاد الصحافيين الأجانب: لا يسمحون لنا إلا بتصوير الأنفاق.. فمن أين ننقل الحقيقة ومتى؟

يسافر مراسلون أجانب إلى مناطق قتال خطيرة في أرجاء العالم لنقل الحدث ميدانياً وبشكل مستقل، ولكنه أمر حظر عليهم في قطاع غزة طوال الـ 19 شهراً الأخيرة. من العراق وأفغانستان وحتى أوكرانيا وسوريا، ظل التقرير غير المنحاز من المصدر الأول هو أفضل طريقة نعرفها لنقل الصورة الكاملة والأكثر دقة عن الحرب وتداعياتها. هذا ما قادنا، تحت نار الصواريخ المتواصلة، إلى بلدات إسرائيلية مدمرة على طول الحدود مع القطاع في الأيام والأسابيع الأولى بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر. في حينه، رحبت إسرائيل بالتغطية.
بعد ذلك، منعت إسرائيل دخول المراسلين الأجانب إلى غزة لغرض الكتابة بشكل مستقل عن الثمن الفظيع الذي جبته الحرب من القطاع ومن أكثر من مليونين من سكانه. هذا التقييد أزعج تغطية النزاع الذي له تداعيات عالمية واسعة، وفرض عبئاً ثقيلاً وقاتلاً أحياناً على زملائنا الفلسطينيين في غزة.
لقد حان الوقت لانتهاء هذا الإجراء.
كأعضاء في اتحاد الصحافيين الأجانب، نجدد الدعوة لإسرائيل برفع الحصار الإعلامي غير المسبوق هذا بشكل فوري. وإذا لم تفعل حكومة إسرائيل ذلك، فإننا نطلب من المحكمة العليا في إسرائيل استجابة طلبنا على الفور، والسماح بوصولنا إلى غزة، عندما تفحص التماسنا هذا الشهر. مهمتنا الرئيسية نحن المراسلين هي الكتابة عما نشاهده ونسمعه، ننقل للجمهور الأحداث التي كنا شهوداً عليها، والتحقيق في ادعاءات متناقضة. مهمتنا أن نكون في الميدان، حتى والعمل خطير. الدول الديمقراطية تعتبر هذا الالتزام حقاً. مع ذلك، إسرائيل التي تعتبر نفسها “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”، تمنعنا منعاً مطلقاً من تحقيق ذلك.
مبررات إسرائيل تغيرت مع مرور الوقت. في البداية، قيل إن وجود المراسلين سيعرض حياة الجنود ورجال الأمن العاملين على طول الحدود للخطر. مؤخراً، تم الادعاء بأن إسرائيل لا تضمن سلامة المراسلين.
هذه الادعاءات يمكن طرحها في أي نزاع في أرجاء العالم، لكن هذا لم يمنعنا في أي يوم بصورة جارفة من نقل الحدث من عشرات مناطق القتال الأخرى، بما في ذلك الحروب الأربع التي جرت في قطاع غزة سابقاً.

ليكن من الواضح: طلب حصولنا على الموافقة على دخول القطاع لا ينتقص شيئاً من عمل بطولي لزملائنا الفلسطينيين الذين يواجهون الأخطار والصعوبات التي لا يمكن تخيلها من أجل نقل الصورة ميدانياً. ولكن لا يجب أن يتحملوا وحدهم عبء تغطية هذه الحرب، وأصبحت قدرتهم على ذلك تتجاوز حدود الممكن رويداً رويداً.
بعد 19 شهراً على الحرب المنهكة، يعيش معظم المراسلين في القطاع ويعملون في خيام بائسة ومبان تم قصفها. يتحدون عملهم بعد غياب طريقة للوصول إلى الكهرباء والوقود والغذاء والاتصال والمعدات، خاصة منذ فرضت إسرائيل الحصار على غزة في بداية آذار. وكلما اشتدت الظروف يتقلص عبء التغطية الملقى على جسم الصحافة، بعد أن نجح عشرات المراسلين أصحاب الخبرة في غزة من مغادرة القطاع النازف.
القادرون على التحرك ميدانياً الآن يواجهون تهديداً دائماً من نار إسرائيلية أو اعتقال عبثي على يد القوات الإسرائيلية. حسب لجنة الدفاع عن الصحافيين، فإن 168 مراسلاً فلسطينياً قتلوا بنار إسرائيل منذ بداية الحرب. وهذه حقيقة حولتها إلى النزاع الأكثر فتكاً بالمراسلين منذ عقدين.
هذا الرقم المحزن يشكك في التزام إسرائيل بالحفاظ على سلامة المراسلين الفلسطينيين. نحن نؤمن بأن وجود مراسلين أجانب، يعملون لصالح منظمات دولية معروفة، وهم مواطنون من دول حليفة لإسرائيل، سيؤدي إلى انتقاد أعمق ومطالبة بتحمل المسؤولية.
يقترح الجيش الإسرائيلي على المراسلين الأجانب بين حين وآخر فرصة لـ “الانضمام” إلى قواته لبضع ساعات، من خلال التركيز على عرض أنفاق حماس ومهمات تنفذها قواته. نظرة قصيرة ومنتقاة كهذه إلى غزة ليست البديل لنهج مستقل من أجل الوصول إلى القطاع. هذه النظرة تجري تحت سيطرة مطلقة ومقلصة في حجمها ولا تسمح بإجراء المقابلات مع السكان الفلسطينيين.
إضافة إلى ذلك، حتى القنوات الإخبارية الغربية الكبيرة في العالم التي تفضلها إسرائيل، لم يسمح لها بدخول غزة إلا 12 مرة، وهو رقم صغير في نزاع استمر 600 يوم. هناك ممثلو وسائل إعلام دولية كثيرة لم يدخلوا قط إلى قطاع غزة.
هذا التقييد يمس بالجمهور الدولي، وربما يخلق سابقة خطيرة عقب إسكات تغطية نزاع، الأمر الذي يتطلب تمويلاً أمريكياً كبيراً ورأسمال دبلوماسياً. وتوفير إمكانية الوصول إلى غزة غير مهم لمنتقدي إسرائيل فقط، بل ينبغي أن يكون أيضاً بمثابة إجابة عن الأسئلة والمخاوف التي يثيرها مؤيدوها.
حكومة إسرائيل ومؤيدوها شككوا بتقارير المراسلين الفلسطينيين، واحتجوا على عدد القتلى المدنيين. ومؤخراً، رفضوا ادعاءات بشأن وجود أزمة إنسانية، واتهموا حماس بتخزين مواد المساعدات الإنسانية. مؤيدو إسرائيل من سيباركون تقارير جهات إعلام دولية مستقلة في غزة لفحص هذه الادعاءات. ورغم ذلك، خلال الحرب، رفضت إسرائيل طلباتنا المتكررة لإجراء حوار أو الوصول إلى غزة. وثمة طلبات ورسائل من شخصيات رفيعة في قنوات الأخبار في أرجاء العالم ووجهت بتجاهل.
اتحاد الصحافيين الأجانب الذي يمثل مئات الصحافيين وعشرات وسائل الإعلام الدولية التي تغطي إسرائيل والمناطق الفلسطينية، توجه للمحكمة العليا في إسرائيل وطالب بتخفيف هذا الحصار غير المسبوق. في كانون الأول 2023 قدمنا الطلب الأول للدخول إلى غزة. وبسبب المعارك في تلك الفترةـ أيدت المحكمة قرار الحكومة، ولكنها شجعتنا على تقديم طلب جديد عندما تتحسن ظروف الحماية. قدمنا طلباً آخر في أيلول الماضي. وردت الحكومة من ناحيتها بما لا يقل عن خمسة طلبات تفيد الرفض. ربما يطرح الملف للنقاش في المحكمة العليا في 21 أيار الحالي.
نحن نعرف التحديات الأمنية للعمل في منطقة قتال، وعملنا بدون هوادة من أجل إبعاد زملائنا الفلسطينيين عن الإصابة. لمنظمتنا تجربة كبيرة من العمل في محيط متحد، ونؤمن، وليس حكومة إسرائيل، أن من شأننا نحن أن نقرر أين نعمل وأي مخاطر نواجهها، نؤمن بأن الحوار قد يحل المشكلات كلها.
19 شهراً من إسكات وسائل الإعلام تعد فترة طويلة جدًا. نطلب من إسرائيل تطبيق مبادئها الديمقراطية المعلنة وتسمح لنا بالدخول.
جيرمي دايموند، وجوزيف فريدمان، وتانيا كرايمن
هآرتس 5/5/2025

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب