مقالات

في انتظار ترامب…

في انتظار ترامب…

أنطوان شلحت

لا بُد من ملاحظة أنه ما زال ثمة إجماع سائد في إسرائيل بشأن مستقبل الحرب المستمرّة على غزّة، مؤدّاه أن الوحيد القادر على تغيير المعادلة بشكل جوهري هو الرئيس الأميركي دونالد ترامب…

تأخذ الصراعات الداخلية في إسرائيل على خلفية الوجهة التي تسير نحوها الحكومة الإسرائيلية في ما يخصّ الحرب على قطاع غزة عدة مناحٍ، لعلّ أبرزها أن هناك فقداناً لثقة الرأي العام في الدوافع الحقيقية للحكومة والواقف على رأسها بنيامين نتنياهو من وراء استمرار الحرب واتخاذ القرار الأخير من “الكابينت” (5/5/2025) القاضي بتوسيعها والإعلان جهارا أن الهدف احتلال مزيد من أراضي القطاع، وتثبيت السيطرة الأمنية الإسرائيلية عليها، لغاية تهجير مزيد من السكان الفلسطينيين.

وبموجب وقائع متطابقة آخذة بالتراكم يوماً بعد يوم، يشمل فقدان الثقة هذا عائلات الأسرى المحتجزين في القطاع، وعديداً من منظمات المجتمع المدني، وأعداداً غفيرة من ضباط تشكيلات الاحتياط وجنودها. وفي ما يخصّ هؤلاء الأخيرين، يُشار مراراً وتكراراً إلى أنهم اقتُلعوا من حياتهم وعائلاتهم وأشغالهم، ما تسبّب بإنهاكهم جسديّاً ونفسيّاً واقتصاديّاً، ولكن لا أحد يستمع إلى شكاواهم، بل وتعمل الحكومة الحالية على ضمان ألّا يتحمل الكلّ عبء الخدمة العسكريّة معهم من خلال الاستمرار في إعفاء شبّان اليهود الحريديم، المتشدّدين دينيّاً، من هذه الخدمة.

ومن المُلاحظ أنه في بعض التعقيبات على مسلك الحكومة هذا، يجري توصيفه بأنه ينمّ عن عمىً مطبق، تعزّزه سكرة قوة ناجمة عما تم تحقيقه من نتائج عسكريّة ميدانية، وربما الأصح رؤية أنه تعامٍ يحيل إلى حالة إنكار لديها سوابق كثيرة على مدار أعوام التجربة الإسرائيلية.

كما أنه لا بُد من ملاحظة أنه ما زال ثمة إجماع سائد في إسرائيل بشأن مستقبل الحرب المستمرّة على غزّة، مؤدّاه أن الوحيد القادر على تغيير المعادلة بشكل جوهري هو الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بالرغم من أنه لا يبدي اهتماماً كبيراً بغزّة ولديه اهتمامات بارزة أُخرى، وفي مقدمها حرب التعرفات الجمركية، والحرب بين روسيا وأوكرانيا، والاتفاق النووي الآخذ في التبلور بين الولايات المتحدة وإيران.

ويمكن استشعار هذا الأمر حتى لدى أبواق نتنياهو، حيث إن بعضهم يبني عليه توقعاتهم المقبلة، ومنها أن هناك نافذة فرصة أُتيحت لإسرائيل للعمل بحرّية شبه مطلقة في غزة (وهي تقرّ بأنها حريّة غير مسبوقة في تاريخ حروب إسرائيل كلها)، غير أنها توشك على أن تُغلق، وهناك تلميحاتٌ لذلك في تصريحات الرئيس ترامب في الآونة الأخيرة، والتي قال فيها إنه يتوقع من نتنياهو تخفيف الضغط على قطاع غزّة والسماح بإدخال المساعدات والغذاء، كما أعرب عن أمله في إنهاء الحرب، ربما استعداداً لزياراته المرتقبة الأسبوع المقبل إلى السعودية وقطر والإمارات، والتي اختارها أول وجهات رحلاته العالمية وفي الشرق الأوسط.

وبحسب القراءات الإسرائيلية، يتركز الاهتمام الإقليمي لترامب في الشرق الأوسط في الوقت الحالي على جهديْن أساسييْن، هما: أولاً، إتمام صفقة مع السعودية تشمل بيع أسلحة وتكنولوجيا بمئات مليارات من الدولارات. ثانياً، التوصل إلى اتفاق نووي جديد مع إيران. وفي الوقت عينه، تلفت إلى أن ترامب قد يولي اهتماماً أكبر للحرب على غزّة “إذا ما أصرّت السعودية على ربط الصفقة (مع ترامب) بإنهاء الحرب في قطاع غزّة”. وفي ضوء ذلك، يبدو إسرائيليّاً، كما لو أن زيارة ترامب باتت بمثابة موعد حاسم جديد في كل ما هو متعلقٌ بمستقبل الحرب.

وفي انتظار هذه الزيارة المرتقبة لرئيس الولايات المتحدة، يمكن أن نجمل الخلاصات المتراكمة في إسرائيل بصددها في ما يلي: أولاً، يدرك الجميع أن ترامب هو الحَكَم النهائي الذي لديه القول الفصل في كل ما يخص ممارسات إسرائيل. ثانياً، إذا ما غيّر ترامب موقفه ففي مقدوره أن يُجبر نتنياهو على تغيير مساره الراهن المتمسّك بالحرب المستمرة. ثالثاً، في حال تغيّر موقف ترامب سوف تتغيّر خطط نتنياهو كلها، ولن يتجرّأ على تحدّي الرئيس الأميركي، وعليه أن يذهب بعكس إرادته صوب خطوة إنهاء الحرب، حتى لو تسبّب ذلك بانهيار ائتلافه الحكومي.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب