ثقافة وفنون

على وقع خطى كولومبوس: كشف الغِطاء عن التاريخ المُغتصَب

على وقع خطى كولومبوس: كشف الغِطاء عن التاريخ المُغتصَب

الرباط- على هامش الفعاليات الثقافية للمعرض الدولي للكتاب في الرباط في الفترة بين 17 و27 أبريل/نيسان الفارط 2025 أقيم حفل لتوزيع الجوائز وتكريم الفائزين بجائزة ابن بطوطة، ومنهم المغربي محمد محمد خطابي مؤلف كتاب «على وقع خُطىَ كريستوفر كولومبوس.. رحلة إلى أمريكا الجنوبية كأنك تعيش فيها وترحل عبر تاريخها» (فرع اليوميات)، الصادر حديثاً عن «دار المتوسط للنشر» في ميلانو.
مُغامرو استكناه المَجهُولْ
خلّف لنا التاريخ سجلا هائلاً وحافلاً بأسماء الذين نذرُوا أنفسَهم لاستكناه الغوامض، والغوْص وراء كل مجهول، والذين يُعتبرون بحق رُسلاً للإنسانية جمعاء، لِمَا قدموه لنا من خدماتٍ، وما بذلوه من جهود بحثاً عن حقائق الحياة وألغازها التي ليس لها حدود، وللتعرف على أسرار الكائنات على اختلافها، ولا ريبَ أن رحلة البحث الطويلة المُضنية، التي بدأتها البشرية في غياهب المجهولات، سواء ما يتعلق بالأماكن النائية، واكتشاف قارات جديدة، وسبر عوالم مجهولة، وتقديم معلومات حول سكان وشعوب تلك المناطق، وعاداتهم، وتقاليدهم، وتراثهم، وآثارهم، وكل ما يصاحب ذلك من فضول علمي رائع، كل ذلك يتوازىَ مع رحلة البحث عن أغوار المعرفة، وأسرار الحكمة، وحقائق العِلم المذهلة. ويدخل في هذا المجال الاكتشافات التي توصل إليها علماء أفذاذ على امتداد التاريخ، بما قدموه بواسطتها من خدماتٍ لصالح البشرية، وما كشفوا عنه النقاب من غوامض ومجهولات. ورغم الأشواط التي قطعتها البشرية في هذا الميدان، فإنها لا تزال في أول الطريق، تتابع رحلة البحث، والاختراع، ولما تزلْ أمامها أشواط بعيدة المدى لبلوغ الغايات التي نتوق إليها جميعاً.
ولا شك أن رحلة المغامر «كولومبُوس» للقارة الأمريكية تُعتبر درةً على جبين الرحلات الاستكشافية على امتداد التاريخ. إن العصر الذي أصبحنا نعيش فيه، وما يوفره لنا من وسائل الراحة وسرعة الحركة والتنقل والاتصال، يقدم لنا الدليل على مدى الشجاعة التي كان يتحلى بها هؤلاء الرحالة، ومدى قدرتهم على التحمل، والصبر، ومجابهة الصعاب، وسبر المغامرات، والتعرض للمخاطر، بل وللموت المُحقق في كثير من الأحيان في وقتٍ لم يكن يتوفر فيه أي تطعيم ضد أي وباء من الأوبئة الفتاكة التي كانت تأتي على الأخضر واليابس في تلك العصور السحيقة، إذا قيست بإمكانياتنا المعاصرة الهائلة، وفي وقت كانت وسائل السفر لا تزال بدائية.


شروط الرحالة

ونظراً لما يتعرض له الرحالة من مخاطر وأهوال فإنه ينبغي أن تتوفر فيه عدة شروط يوجزها مَثلٌ إنكليزي طريف، تحفل به معظمُ كتب الرحلات، وهو يقول: «ينبغي أن تكون للرحالة عينا صقرٍ ليرى كل شيء، أن تكون له أذنا حمارٍ ليسمعَ كل شيء، أن يكون له فمَ خنزير ليأكلَ كل شيء، أن يكون له ظهرَ جملٍ ليتحملَ كل شيء، أن تكون له ساقا معزةٍ لا تتعبان من المشي، أن تكون له، وهذا هو الأهم، حقيبتان امتلأت إحداهما بالمال، والثانية بالصبر». وفن الرحلات من الفنون التي تتوق إليها النفس لما تتضمنه من عناصر التشويق والمفاجأة والأخبار المثيرة، يقول الرحالة الشريف الإدريسي، المولود عام 1100 في مدينة سبتة المغربية المحتلة، في كتابه الشهير «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق:
ليت شعري أين قبري / ضاع في الغربة عمرِي
لم أدعْ للعيشِ ما / يشتاقُ في بر أو بحرِ
بالإضافة إلى ابن بطوطة الطنجي والإدريسي السبتي الشهيرين، سجل لنا التاريخ أسماءَ رحالين عالميين آخرين مثل ماركو بولو، وكوك، وماجلان، وكولومبُوس، ونونييس دي بالبوا، وإيرنان كورتيس، وفرانسيسكو بيثارو، وفاسكو دي غاما، وأبو الريحان البيروني، والقزويني، وابن سعيد المغربي، والزياني، وابن جبير، وابن عثمان، والموصلي الكلداني، والورداني، والشدياق، وسواهم. ويذكر لنا ابن بطوطة في رحلته «تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار» قصة تدل على شغف المغاربة بالرحلات والأسفار، فهو يحكي لنا أنه عندما كان في بلاد الصين التقى بمغربي آخر وهو السيد قوام الدين السبتي البِشْري الذي كان قد سبقه إلى هذه الديار، وأقام مدة طويلة في الهند، وفي بلدان آسيوية أخرى نائية.
«على وَقْع خُطىَ كولومبُوس»
في هذا الكتاب اقتفيت خطوات الرحلة الأولى للمغامر الإيطالي كولومبُوس إلى القارة الأمريكية في 12 أكتوبر/تشرين الأول عام 1492، ورحلاته الثلاث التي تلتها فيما بعد. ويلقي الكتاب الأضواء على وقائع هذا الحدث التاريخي الكبير، ويُدرج العديد من الأفكار، والآراء، والدراسات، والتحاليل لصفوةٍ من الكتاب من أمريكا اللاتينية وإسبانيا، فضلاً عن نخبة من الباحثين العالميين من جنسياتٍ مختلفة، عن هذه الرحلات التي غيرت مسار التاريخ، وقلبت موازين الجغرافية التي كانت معروفةً حتى ذلك التاريخ، كما يتعرض الكتاب لما حدث فيها وبعدها من مآسٍ، ومظالم وتقتيل، وتعذيب، وسلب ونهب.

أبواب الكتاب

(أ) من المواضيع التي يعالجها هذا الكتاب في الباب الأول بعنوان (قصص وحكايات من وحي الاكتشاف): الوجه الآخر لهذا الاكتشاف – الأدب ومتعة الاكتشاف (يوميات كولومبوس) – لقاء الثقافات الثلاث (الإسبانية والعربية والهندية الأصلية) – الفينيقيون: هل وصلوا الى القارة الأمريكية قبل كولومبوس؟ إشكالية الهوية والجذور لدى هنود القارة الأمريكية – الهنود الحُمر: شعب له تاريخ بُترت جغرافيته – الأقنعة وسائل تعبيرية ورمزية لدى السكان الأصليين الهنود. وسواها من المواضيع الأخرى.
(ب) وفي الباب الثاني (المكسيك أرض المَايَا والأزْتِيك) يُلقي الكتاب الضوء على أشهر الحضارات التي ظهرت في هذا البلد الأسطوري في القارة الأمريكية، ثم سادت وبادت وعلى معالمها ومآثرها.
(ج) وفي الباب الثالث: (البِيرُو أرض الإنْكَا والمُوشِيك) يعالج الكتاب كيف عُرفت (البيرُو) بأنها أرض الذهب ذات التضاريس الوعرة والجبال الشاهقة، والصحارى الواسعة، والأدغال الكثيفة، التي تزخر بمآثرٍ ومعالم عمرانية كبرى ما فتئت تُبهر زائريها، والتي ظلت في طي الكتمان لمدة قرون طويلة، ولم تُكتشف بعض معالمها ذات الصيت الواسع اليوم، سوى في تاريخ قريب حيث فاجأت العالمَ بعظمتها وشمُوخها، لدرجة أنها تكاد تُضاف إلى أعاجيب الدنيا السبع المعروفة.
انطلاق الرحلة
بتاريخ 10 أبريل عام 2024 انطلقنا من مدينة «أجدير» (الحسيمة) شمالي المغرب إلى مدينة Torre Molinos « بُرج الطواحين» ثم إلى Madrid في إسبانيا وركبنا الطائرة العملاقة في اتجاه مدينة (ليما) عاصمة البيرُو، وبعد رحلة استغرقت حوالي 13 ساعة وصلنا إلى هذه المدينة المترامية الأطراف التي أصبح عدد سكانها اليوم ينيف على 12 مليون نسمة.
أول ما يواجه الزائر في هذا البلد الإنديني التأثيرات الإسلامية، التي وصلت إليه، وإلى بلدان أخرى مع المستكشفين الإسبان الأوائل بعد وصول كولومبوس إليها وصحبُه عام 1492، هذا البلد عشت فيه ثلاث سنواتٍ في التسعينيات من القرن الفارط، وشاءت الأقدار أن أعود إليه وأستحضر العديد من الذكريات التي ما زالت عالقة في الذاكرة. عدتُ إلى (المكسيك والبيرُو) بعد أن سبق لي أن عشتُ وعملتُ فيهما أوائل التسعينيات من القرن الفارط لسنواتٍ طويلةً، وأقمتُ في كل منهما مدة شهريْن بهدف مراجعة غير قليل من المصادر والمراجع، لإعداد مواد هذا الكتاب وتتبع واكتشاف مظاهر الإشعاع الحضاري فيهما عن قرب، والوقوف في عين المكان على العديد من الآثار العُمرانية، والمآثر المعمارية، والحصُون المنيعة، والبنايات الشاهقة المُحيرة المتخفية في عمق الأدغال المترامية الأطراف، والتماثيل العملاقة ، والمُجسمات المذهلة التي تنتشر في مختلف مدنهما وقراهما، والتعرف على طقوسهما الغرائبية، وعاداتهما وتقاليدهما الأسطورية الضاربة في القدم، والاستمتاع بفنونهما وفولكلورهما، والاستماع لموسيقاهما، عملاً بنصيحة الإغريقي «هوميروس» الذي كان يقول: «إذا أردتَ أن تتعرفَ على عظمةِ شعبٍ فاستمعْ إلى موسيقاه».

رحلة مثيرة

يُعتبر هذا الكتاب رحلة مثيرة سنتعرف من خلالها على العديد من مظاهر الإشعاع الحضاري والثقافي في بلدان أمريكا اللاتينية بواسطة مشاهدات عينية يومية، ومعايشات ميدانية مباشرة على امتداد السنوات الطويلة التي عشتها في هذه الأصقاع النائية، حيث تسنى لي خلال هذه المدة أن أتعرف على العديد من أخبار هذه البلدان وعلى مناطق، ومدن أخرى من القارة الأمريكية في شقها الجنوبي، وقد أعجبتُ بتاريخ هذه القارة البكر الحافل بالمآثر والمفاخر والمآسي، واستأثرت باهتمامي طقوسُها العديدة، وراقني شِعرُها، وأدبها، قديماً وحديثاً، وبهرتني فلسفة سكانها ونظرتهم إلى الحياة والطبيعة الهائلة المحيطة بها وللحيوانات النادرة التي تعيش فيها، كما أثارني مدى مظاهر الظلم والاستغلال والاستعباد، التي ما فتئ يشعر بها سكان هذه القارة الذين عانوا الكثير من طرف الغزاة (المُكتشفين) الإسبان، على امتداد ما يربو على الخمسة قرون ونيف خلت. خلال هذه الرحلة الاستطلاعية والاستقرائية الجديدة تعرفنا على العديد من مظاهر الحياة التي تجمعنا بهما من أواصر عريقة، وعلاقات صداقة وتعاون في مختلف الميادين، كما تجمعنا وإياهما غير قليلٍ من أوجه التشابه والتقارب في مختلف مجالات الحياة من فلسفة وأدب وشعر، وفكر وتاريخ وكفاح، وموسيقى وفنون، وحِكَم وأمثال، وإبداع وعطاء .وسنقف على حقائق مثيرة، كما سنتعرف على المآسي التي عاشها وعاناها السكان الأصليون فيهما على امتداد تاريخهما الحزين، ودراسة إشكالية هويتهما، وجذورهما، وإبداعتهما الفطرية، وفنونهما العفوية الأصيلة من رسوم بدائية ساذجة، ورقصات إيحائية وتعبيرية، وأردية، وفولكلور، وأنسجة، وطرْز وغزْل، وحياكة وصياغة المعادن النفيسة من ذهب وفضة، فضلاً عن أسرار أقنعتهما ولغاتهما وموسيقاهما ورموزهما.
غزوٌ أم اكتشافٌ أم لقاء؟
كما يتعرض الكتاب للخلاف الدائر بين العديد من الباحثين حول حقيقة وإشكالية مصطلحات «الغزو» أو «الاكتشاف» أو «اللقاء»، الذي عرفته القارة الأمريكية بالثقافات الوافدة عليها، وفي مقدمتها الثقافتان الإسبانية والعربية بشكلٍ خاص والذي نشب بعد احتفال الإسبان منذ بضع سنوات بالذكرى الخمسمئة لاكتشاف هذه القارة البِكر. ونلتقى خلال هذه الرحلة بالمعتمد بن عباد المكسيكي، الذي كان يُسمى» نيزاوالكويُوتل» الذي جمع بينه وبين شاعرنا الأندلسي العربي الشهير المُلكُ والشعْرُ، والمصيرُ المأسوف عليه وفرق بينهما الزمان والمكان .كما سنتعرف على تظاهرات غريبة وطقوس فريدة تستمد أصولها من جذور تاريخ القارة الأمريكية مثل، احتفال المكسيكيين بيوم الموت، أو كشف النقاب عن سكان شمال المكسيك الذين يُنعتون بالمتوجهين (أي لابسي الوجه أو القناع) Mutachines الذين يُقال إنهم ينحدرون من أصول عربية.
وسنتعرض خلال هذه الرحلة كذلك على تعدد فوائد نبات الصبار ومزاياه الطبية ومنافعه الغذائية، وثماره اللذيذة المعروفة بالتين الشوكي، الذي انتقل من هذه القارة إلى العديد من بلدان العالم منها شمال افريقيا، وبالخصوص المغرب، حيث ما زال يحتفظ بالاسم نفسه الذي يدل على أصله وهو «الهندي» أو «الهندية». وفي المكسيك سنقوم بزيارة لمتحف فريد من نوعه في العالم يضم ما ينيف على 15 ألف نموذج من الأحذية من الذهب، والفضة، والزجاج، وسوف نتعرف في هذا البلد كذلك على حبة الكاكاو التي تُستخرج منها الشوكولاته التي يعود موطنها إلى أدغال الأمازُون، والتي كان زير النساء «كازانوفا» يسميها طعام العشاق.
كنوز الفضة والذهب والأحجار الكريمة
وخلال هذه الرحلة سنتأمل أسرابَ الحمام وهي تحلق في الفضاء الفسيح في هذه البلدان والتي كانت تقوم قديماً بدور ساعي البريد بين الأفراد والأمم. ونتعرف على منطقة «تكساس» الشاسعة، وكيف ضاعت أو بيعت أو اقتطعت من المكسيك نتيجة خطأ تاريخي ارتكبه المكسيكيون أنفسُهم. وفي البيرو سنتعرف في هذا البلد الأنديني على أهم المعادن النفيسة من ذهب وفضة، ولُجيْن وأحجار كريمة، وزمرد ويَشم، ولؤلؤ، ودانات وصدفات وسواها من كنوز الحضارات الهندية القديمة، ما جعل الإسبان يطلقون على هذا البلد «أرض الذهب»، حيث قُدمت أكبر فدية في تاريخ أمريكا من هذا المعدن النفيس للإسبان لإطلاق سراح بعض ملوك الهنود.
وفي البيرُو كذلك يلقي الكتاب الضوء على أكبر الاكتشافات الأثرية التي عرفتها القارة الأمريكية أواخر القرن الفارط، خاصة كنوز الملك البيروفي «دي سيبان»، الذي أُطلق عليه اسم «توت عنخ آمون القارة الأمريكية»، وسوف نتسلق مرتفعات قلعة «ماتشُو بيتشُو» الشاهقة، التي تعتبر من أهم المعالم الأثرية في أمريكا الجنوبية اليوم، والتي أطلق عليها المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي، اسم «كاتدرائية العمالقة التي بُنيت للأبدية»، والتي أصبحت المعلم الأثري الأكثر جلباً لملايين السياح في القارة الأمريكية، ومن علً ، أي من عنان السماء سوف تبدو لنا خطوط «ناسكا» المُحيرة التي تعتبر أغرب تقويم فلكي على وجه الأرض، بل اعتبرها بعض الباحثين قواعد ومحطات أرضية لسكان الفضاء، حيث كانت تحط فيها صحونُهم الطائرة. وهذه الخطوط لا يمكن مشاهدتها إلا من الفضاء، وما زالت أسرارها وألغازها تُحير العلماء إلى اليوم. وفي البيرو أيضاً سنتعرف على الحصان البيروفي، الذي يتميز بمشيته، وخيلائه، حيث يؤكد الباحثون أنه ينحدر من أصولٍ مغربية – بربرية، وقد صدر كتاب كبير للباحث الجامعي ألبيروفي خوسيه أنطونيو دابيلو، حول هذا الموضوع، والذي كتبنا تقديماً وافياً له بطلبٍ منه، أدرجه في صدر كتابه القيم. كما سنتعرف على أهم الحضارات القديمة التي ترعرعت في خليج «باراكاس»، الذي يبعد حوالي ثلاثمئة كيلومتر جنوب ليما، ويعتبر اليوم ملاذاً آمناً للطيور المهاجرة، كما أنه مرتع لعملاق المحيطات من الحوت الأزرق، وللعديد من الحيوانات البحرية الأخرى التي تعيش فيه، والتي تواجه خطر الانقراض من سباع، وعجول البحر، وفقمات وطيور البيليكان والبطاريق وسواها من أصناف الحيوانات النادرة .
كما سنتعرف خلال هذه الرحلة على هدية أمريكا للعالم وهي «البطاطس» التي توجد منها أصناف عديدة جداً تعد بالمئات في القارة الأمريكية والتي تعتبر من أهم الكنوز النباتية الأندينية، التي أصبحت في ما بعد غذاءً أساسياً لمختلف شعوب العالم. وسنقوم في ختام رحلتنا بجولة مثيرة عبر المحيطات الهادرة التي تحيط بهذه القارة بحثاً عن كنوز ونفائس المعادن الثمينة الضائعة، التي استقرت في أعماقها داخل بطون سفن صادفها سوء الطالع كانت تمخر عُبابَ هذه المحيطات المحفوفة بالمخاطر والأهوال من وإلى العالم الجديد .أصقاع وأدغال وتضاريس وعرة يقف الناظر إليها، أو المتأمل في تاريخها وحضارتها ومعالمها مشدوهاً، عندما يدرك ما بلغته تلك الحضارات من شأوٍ بعيد من التطور، في مختلف فروع العلوم الطبية، والفلكية والرياضية والفلاحية والمعمارية، بل وفي مجالي الإبداع الأدبي والشعري لدى تلك الشعوب، التي تنم عن إحساس مرهف نحو الطبيعة وكائناتها من أنهار وأشجار وأزهار وبحار وجداول وبحيرات وشلالات وطيور وحيوانات، في الوقت الذي وصف لنا الغزاة الإسبان تلك الشعوب بالجهلة المتوحشين العراة، الحفاة.
بطلان ما أُطلق عليه جُزافاً بـ»الاكتشاف»
وبين دفتيْ هذا الكتاب سنتعرف على مدى بطلان الادعاء لما أُطلق عليه الاكتشاف، بواسطة آراء ومداخلات باحثين ثقات من مختلف البلدان من المُتخصصين في هذا الموضوع، الذي ظل يثقل كاهلَ تلك القارة النائية منذ خمسة قرون ونيف خلت، والتي عنها يقول الشاعر النيكاراغوي المُجدد رُوبين دارييو مُتحسراً مُخاطباً (أمير البحر) كولومبوس:
أميرَ البحر الشقي / أمريكا المسكينة
هنديتك العذراء / الحسناء ذات الدم الحار
جوهرة أحلامك / أصابها الهوَس
إنها ترتعش في عصبية / جبينُها شاحب
روحٌ وخيمةٌ تقطن ثراهَا / حيث القبيلة المُوَحدة
أشهرت هرواتها / اليوم تُثار الفتنة بين الإخوة
والحربُ فيها أزلية / إنهم يُكْلمُون ويُشتتون
الوثنُ الحَجَري حل محله اليوم / صنمٌ من لحمٍ متوج
ومع ذلك ما زال فجرُها الأبيض / ينبلج كل يوم
وفي الحقول يتآخىَ الدم ُبالرماد

«القدس العربي»:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب