قراءتي الجديدة لـ “لبيك، حج الفقراء لمالك بن نبي”

قراءتي الجديدة لـ “لبيك، حج الفقراء لمالك بن نبي”
– معمر حبار
كتاب “لبيك.. حج الفقراء”، لمالك بن نبي، ترجمة زيدان خولف، دار الوعي، الجزائر، الطبعة الأولى 1434 هـ – 2013، من 156 صفحة.
سبق للقارئ المتتبّع أن قرأ، وكتب عن كتاب “لبيك، حج الفقراء لمالك بن نبي”. وعرضه عبر المقال الأوّل، والثّاني لمن أراد الزّيادة. ومن الجديد الذي وقف عليه:
حجّ السّكير:
تحدّث مالك بن نبي عن سكّير سعى ليحج، وبذل المستحيل ليحجّ، وقد وفّقه الله تعالى لذلك. ولا أعرف أحدا -فيما قرأت، وأتذكّر لحدّ الآن- أن كتب عن مثل هذا المثال. وكأنّ حجّ بيت الله تعالى حكر على “الصالحين، والأولياء، والأتقياء” دون غيرهم. وقد تفرّد مالك بن نبي، وتميّز عن الكثير، وتفوّق على الجميع حين ذكر هذا المثال، ومنحه البطولة.
الحاج الفقير:
“حج الفقراء” هو عنوان الكتاب. وفعلا الحج بالنسبة للجزائري أيّام الاستدمار الفرنسي كان حلما للفقر الشّديد الذي فرضه الاستدمار على الجزائريين. وقد أحسن مالك بن نبي حين أشار لهذه النقطة.
حلم مالك بن نبي بالحجّ:
يعبّر الكتاب عن حلم مالك بن نبي لأداء فريضة الحج، ودون أن يفصح عن ذلك. وظلّ هذا الحلم يراوده إلى أن حجّ في أواخر حياته، وكرّر الحج (ولا أحفظ العدد بالضّبط).
تحقيق حلم الحج لمالك بن نبي:
لا أبالغ إذا قلت أن سفر مالك بن نبي للمملكة السّعودية في أواخر حياته، كان الغاية منها حجّ بيت الله تعالى، بالإضافة إلى غايات أخرى، والتي أدت إلى غايات أخرى.
لماذا لم يطبع “لبيك” في حينه؟:
كتب الكتاب في فرنسا، وحين ذهب إلى مصر سنة 1956 لترجمة كتبه لم يترجم كتابه “لبيك”.
أتساءل لماذا لم يترجم الكتاب حينها؟ ولم أقف -لغاية هذه الأسطر- على إجابة من مالك بن نبي؟.
لا أعرف لغاية هذه الأسطر أسباب تأخّر ترجمة الكتاب لغاية سنة 2009، وبعد 78 سنة من صدوره، باعتبار الكتاب ألّفه سنة 1947.
كلّ التّقدير للأستاذ: عمر كامل مسقاوي:
يعترف الأستاذ عمر كامل مسقاوي أنّه قرأ كتاب “لبيك” لأوّل مرّة عن أستاذ جزائري، كما اعترف من قبل أنّه قرأ كتاب “العفن” أوّل مرّة عن أستاذ جزائري. ويقرّ أنّه استفاد من الكتابين، وأنّهما لمالك بن نبي وهو الذي ترجم تراثه، وسهر على نشره، والمحافظة عليه. وهذه أمانة، وتواضع، وخلق رفيع من الأستاذ يشكر عليها، ويستحقّ لأجلها كلّ التّقدير، والاحترام.
والذي يوثق في قوله حين يقول: لم أقرأ هذا الكتاب. وهو المصاحب لصاحب الكتاب. يوثق في قوله حين يقول: قرأت هذا الكتاب. وإليكم قراءتي، وعرضي، وترجمتي.
كتاب وليس رواية:
يلاحظ القرّاء الكرام أنّي لم أستعمل عمدا مصطلح “رواية” وأنا أتحدّث عن الكتاب، واكتفيت بكلمة “كتاب”.
لبيك بين “العفن” و”المسألة اليهودية”:
القارئ لكتاب “العفن”، و”المسألة اليهودية” لمالك بن نبي. يجد بعض الأعذار التي كانت من وراء طلب مالك بن نبي منع هذين الكتابين من الطبع. وقد ذكرنا ذلك في مقالاتنا التي نشرناها عن قراءتنا للكتابين لمن أراد الزّيادة.
لماذا لم يترجم “لبيك” في حينه؟:
هاجر مالك بن نبي لمصر لترجمة كتبه: “شروط النهضة”، و “وجهة العالم الإسلامي-الجزء الأوّل”، و”الظاهرة القرآنية”.
والسّؤال الذي أطرحه لأوّل مرّة: لماذا مالك بن نبي لم يقم بترجمة كتابه “لبيك” وقد كتبه في نفس فترة الكتب أعلاه التي كتبها باللّغة الفرنسية، وبفرنسا؟.
أعترف أنّي لم أجد إجابة لسؤالي المطروح.
أعدت قراءة فهرس مذكراته باللّغة الفرنسية والتي تضمّ Les Carnets عبر حرفي: L-R . ولم أجد إشارة واحدة للكتاب، ولا الرواية. ما يدلّ -حسب قراءاتي- أنّ مالك بن نبي لم يذكر كتابه “لبيك” في مذكراته.
واضح جدّا -وحسب قراءاتي- أنّ مالك بن نبي لم يمنع الكتاب من النشر، ولا يوجد -تصريحا ولا تلميحا- أنّه أوصى بعدم طبع الكتاب، ونشره.
أزعم -وإلى تكذّبني الأيّام- أنّ مالك بن نبي امتنع وبمحض إرادته، ودون ضغط ولا إغراء من ترجمة “لبيك”. لأنّه -في تقديري- يرى أنّ “لبيك” من حيث القيمة العلمية، والإبداع ليست في المستوى العالي جدّا للكتب المذكورة. ولذلك -في تقديري- لم يعد لمثل كتابه “لبيك”.
“لبيك” لمالك بن نبي وليست لغيره:
سألني أستاذ كريم: “هل صحيح هذا الكتاب -لبيك- من كتب مالك بن نبي، كون إننا لم نعلم بهذا الكتاب أثناء دراستنا في ثمانينات وتسعينيات القرن الماضي. وعليه تحوم الشكوك عما إذا فعلا كتبه مالك!”.
وراسلني أستاذ يطلب الرأي فيما نقله عن أستاذ، قوله: “الغريب أني قرأت منذ بضع سنين لأديب من بلدتي مليانة كتابا يحمل عنوان Zohra la femme du mineur أي الفحام وكان سكيرا. وبمليانة يوجد منجم للفحم طبعا. صدر هذا الكتاب حوالي سنة 1925. فهناك تشابه كبير بين القصتين.. فهل أخذ مالك قصة السيد “حمو؟”.
أجبت في حينه، وقلت: الكتاب: “لبيك” للأستاذ مالك بن نبي. ولم يأخذه من أحد.
الكتاب من واقع عاشه مالك بن نبي حقيقة. وهو واقع المجتمع الجزائري أثناء الاستدمار الفرنسي. ويعبّر بصدق عن الفطرة السّليمة للمجتمع الجزائري ومكر، وخبث الاستدمار الفرنسي.
هو أوّل، وآخر كتاب كتبه مالك بن نبي في هذا النّوع. ولم يعد لهذا النوع من الكتابة طوال حياته.
ومالك بن نبي لا يسرق أبدا كتبه. ولم يعرف عنه ذلك أبدا. ويعترف -وقد اعترف- أنّ بعض أفكاره أخذها عن زوجه، وأستاذه الروحي حمودة بن ساعي.
سبق لمحمد ديب أن كتب “الحريق”. وكتب ميلود فرعون “ابن الفقير”. وكتب تامي مجبر: “Le FILS DU FELLH”. وكلّها باللّغة الفرنسية.
الثّلاثاء 15 ذو القعدة 1446هـ، الموافق لـ 13 ماي 2025
الشرفة – الشلف – الجزائر