سوريا: إدارة الشرع مثقلة بالمقاتلين الأجانب… وخطر عودة تنظيم «الدولة»

سوريا: إدارة الشرع مثقلة بالمقاتلين الأجانب… وخطر عودة تنظيم «الدولة»
منهل باريش
تتجنب وزارة الدفاع السورية إضافة المقاتلين الأجانب إلى ذاتية الفرقة والألوية وخصوصا العرب، في إشارة إلى أن الإدارة الجديدة بدأت تنظر لهم كمشكلة يجب التعاطي معها بجدية.
عادت قضية المقاتلين الأجانب في سوريا إلى الواجهة بعد اللقاء الذي جمع الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والسوري أحمد الشرع برعاية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في الرياض، حيث طرح ترامب على الرئيس السوري الانتقالي، خمسة شروط (لا ثمانية كما في السابق) أبرزها مطالبته بترحيل المقاتلين الأجانب وإبعاد من وصفهم بـ«الإرهابيين الفلسطينيين» من سوريا، والمقصود بهم حركة الجهاد الإسلامي وحركة حماس وباقي التنظيمات الفلسطينية المسلحة. بالإضافة إلى ذلك يأتي شرط مساعدة أمريكا على منع عودة تنظيم «الدولة الإسلامية» وتسليم غدارة مراكز احتجاز عناصر التنظيم في شمال شرق سوريا إلى السطات في دمشق.
واكتسب الأمر أهمية أكبر بعد تهديد إعلام التنظيم الرئيس الشرع، فقالت افتتاحية صحيفة «النبأ» الناطقة باسم التنظيم إنه نقض «ملة ابراهيم» واستبدلها بـ«اتفاقيات إبراهام»، في إشارة إلى عرض ترامب ضم سوريا إلى الاتفاقيات الإبراهيمية.
واتهمت الصحيفة في عددها الصادر يوم الخميس الماضي، بعد يوم واحد على لقاء الرئيسين، الشرع بأنه يسعى إلى «التخلص من المقاتلين الأجانب بحسب الاملاءات الأمريكية»، مشيرة إلى انه «استطاع في النهاية أن يفكك جماعاتهم -مستقلين وغير مستقلين – وينهي مشروعهم الذي طوعه لخدمة مصالحه دهرا». وذكرت الصحيفة المقاتلين الأجانب بأنهم لم يسمعوا نصائح قادة «الدولة الإسلامية»، وهم يدفعون الثمن.
ومن غير المرجح أن تلاقي دعوة التنظيم صدى في أوساط المقاتلين الأجانب، فبعضهم شارك في القتال ضد التنظيم إلى جانب «جبهة النصرة» وآخرون تجنبوا ذاك القتال وامتنعوا عن الالتحاق به في عز انتصاراته وتوسعه في سوريا والعراق. كما أن غالبية المقاتلين الأجانب الذين بقوا في سوريا خبروا طعم الحياة في الحواضر الريفية وأسسوا شبكات كبيرة من المصالح في الشمال السوري وهؤلاء غير مستعدين للتخلي عن حياتهم واللجوء إلى الكهوف والصحاري مرة أخرى.
ولكن في المقابل، ليس من المبالغة القول إن ملف المقاتلين الأجانب يعتبر اليوم بين الأكثر تعقيدا بالنسبة للسلطة السورية الجديدة وعبئاً حقيقياً عليها. فعلى رغم التحولات الكثيرة التي شهدتها «هيئة تحرير الشام» لغاية وصولها إلى السلطة وانتقالها من تنظيم جهادي يوالي القاعدة إلى تحالف عسكري يضم غالبية الطيف المسلح المعارض، إلا أنها اعتمدت فعلياً وبشكل كبير على المقاتلين الأجانب (المهاجرين) في تثبيت سلطتها على مناطق الشمال السوري في مراحل الاقتتال مع بقية الفصائل، ثم للوصول إلى ما وصلت إليه بدخولها دمشق بعد سقوط نظام بشار الأسد.
إنذارات وتوقيفات
في الأيام القليلة الماضية سارعت الإدارة السورية إلى إنذار عدد من المقاتلين الأجانب النشطين على وسائط التواصل الاجتماعي بضرورة الامتناع عن الظهور بصفة عسكرية. وعلمت «القدس العربي» من مصدر عسكري مطلع أن القيادة السورية الجديدة «طلبت من بعض المقاتلين الامتناع عن الظهور باللباس العسكري والتحدث بصفتهم مقاتلين في الجيش السوري». وأضاف المصدر أن القيادة «خيرتهم بين الالتزام بتعاليم المؤسسة العسكرية وضوابطها أو مغادرتها والظهور بصفة مدنية دعوية» وعزت القيادة أسباب ذلك التحذير بالتسبب في «إثارة النعرات الطائفية» بين مكونات الشعب السوري، حسب المصدر العسكري. وزاد أن القيادة أبلغت عددا من المقاتلين الأجانب ومنهم أبو دجانة التركستاني ضرورة الامتناع عن نشر صور أو مقاطع مصورة له بالزي العسكري، علماً أن التركستاني هو أحد عناصر الحزب الإسلامي التركستاني الذين نشروا صورا على وسائط التواصل الاجتماعي يهددون فيها الأقليات السورية.
بالتوازي، أكد مصدر أمني سوري اعتقال القيادي في «هيئة تحرير الشام» شامل الغزي أبو خطاب قبل عدة أيام على خلفية «التحريض على الأقليات السورية على وسائط التواصل الاجتماعي». ونفى المصدر أن يكون لاعتقاله أي علاقة بملف «المقاتلين الأجانب» لافتاً إلى أنه جرى «تنبيه الغزي في وقت سابق بوقف نشاطه والالتزام بالتعليمات العسكرية، لكنه استمر».
في المقابل نفى المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية السورية نور الدين البابا الأخبار المتداولة عن بدء اعتقال السلطات السورية أي من المقاتلين الأجانب في سوريا، واصفاً تلك الأخبار بأنها «مضللة». وأكد في تصريح رسمي أن وزارة الداخلية أو مؤسساتها الأمنية لم تنفذ مثل هذه الحملة في إشارة إلى انتشار معلومات حول تضييق واعتقال لمقاتلين أجانب في إدلب وحماه. كذلك نفى أن يكون ما يجري على علاقة بأحداث الساحل.
وفي حين ليس واضحاً بعد كيف ستتعامل حكومة الشرع مع هذا الملف الشائك، إلا أن الأكيد إن السنوات الخمس الماضية كانت محطة اختبار كبيرة له ولجماعته في التعاطي الدولي لا سيما بالشأن الأمني. فقد تعلم سريعاً من تجربته وقضى على كثير من التنظيمات الجهادية التي حاولت بناء تحالف يهدد كيانه وسلطته في إدلب، وقام بتفكيك تلك الجماعات ترغيبا وترهيبا وحربا حتى أعلنت استسلامها وقبلت بسلطته.
لذا، من المرجح أن ينتهي ملف المقاتلين الأجانب عبر «حل سلمي» ومن المستبعد خوض صراع كبير معهم، وذلك لعدة أسباب، أولها أن أغلب الجماعات الأجنبية المقاتلة هي جماعات صغيرة جداَ، باستثناء مقاتلي الحزب الإسلامي التركستاني «الايغور» الذين يشكلون القوة الأبرز في الجماعات الجهادية الموالية للشرع والباقية في سوريا. وفي حين تتضارب المعلومات عن أعداد مقاتلي الحزب، الذين قدرتهم مجلة «فورين بوليسي» بنحو خمسة آلاف مقاتل، وأن عددهم الإجمالي مع عوائلهم نحو 15 ألفا، تقاطعت معلومات لـ«القدس العربي» حول أن عددهم لا يتجاوز 1500 مقاتل في أحسن الأحوال.
وكان أبو محمد التركستاني ظهر خلال أحداث الساحل السوري في أذار (مارس) الماضي على طريق اللاذقية ـ طرطوس إلى جانب عشرات المقاتلين الإيغور والسوريين. وخلال شهر نيسان (ابريل) أبعدت وزارة الدفاع السورية الفرقة التركستانية عن الساحل السوري لمنع مقاتليها من ارتكاب أية انتهاكات هناك ضد العلويين وأعادت نشرها على الطريق الواصل بين حمص وطرطوس لضبط الحدود ومنع عمليات تهريب السلاح والكبتاغون من لبنان وإليه.
والجدير بالذكر أن الشرع منح التركستاني، واسمه عبد العزيز داوود خدابردي التركستاني، رتبة عميد في كانون الأول (ديسمبر) 2024، وهو يقود الفرقة 133 في الجيش السوري الجديد، ضمن عدد من الترفيعات العسكرية التي أجراها الشرع.
وحالياً تتجنب وزارة الدفاع السورية إضافة المقاتلين الأجانب إلى ذاتية الفرقة والألوية وخصوصا المقاتلين العرب، في إشارة واضحة إلى أن الإدارة الجديدة بدأت تنظر لهم كمشكلة يجب التعاطي معها بجدية وعدم تجاهل ضمانة الأمير محمد بن سلمان والرئيس اردوغان لتنفيذ مطالب ترامب. ومن المرجح أن تلعب تركيا دورا كبيرا في هذا الملف، من خلال تسهيل عودة المقاتلين الأجانب والمشاركة في تقديم ضمانات أمنية لهم في بعض الدول.
المغادرة خارج سوريا خيار قد ينطبق على مقاتلي الحزب الإسلامي التركستاني القادمين من تركيا والذين أقاموا فيها سابقاً. أما القادمون من جنسيات أجنبية فقد يكون أحد الحلول العملية إبعادهم عن مراكز القوة العسكرية ومحاولة توفير خيارات أخرى لهم للعيش كمدنيين وتسهيل إقامتهم، سواء من خلال تجنيسهم كمواطنين سوريين، وهذا الخيار قد يلاقي معارضة شديدة من جمهور كبير من السوريين، وقد يشجع قوات سوريا الديمقراطية «قسد» على المطالبة بتجنيس بعض قادتها وعناصرها من غير السوريين أو من خلال منحهم إقامات وتقديم ضمانات لهم للبقاء ومنحهم حقوقهم في الحياة والعمل وإبعادهم عن الموسسة العسكرية والأمنية.
إضافة إلى ذلك فإن الفلسطينيين السوريين يرغبون بالحصول على الجنسية أيضا ومعهم عشرات آلاف السوريات المتزوجات من مقاتلين أجانب وبمنح جنسيتهن لأزواجهن وأولادهن ويطالبن بها منذ سنوات طويلة.
قسد و«سجون داعش»
أما في شرق سوريا، فقد أدت شروط ترامب الأخيرة بنقل سجون «داعش» من إدارة «قسد» إلى إدارة الشرع، إلى إضعاف نفوذ المقاتلين الأكراد الذين يشكلون الشركاء المحليين الفعليين في «التحالف الدولي للقضاء على داعش». ولطالما شكلت سجون عناصر التنظيم أقوى أوراق القوة بيدهم، وجعلت واشنطن تمانع رغبات تركيا الدائمة في القضاء على وحدات «حماية الشعب» باعتبارهم الذراع السوري من حزب العمال الكردستاني التركي. ولا شك إن الخطوة هذه ستخفف من الإنفاق الأمريكي المباشر على تلك السجون، ويرجح أن تحل السعودية محلها في تحمل تكلفة الرعاية في تلك السجون.
كذلك، تسعى واشنطن إلى الاعتماد على الإدارة السورية في القضاء على خلايا التنظيم النشطة على تخوم البادية السورية وفي عمقها، وهذا يعني تعاونا أمنيا ورقابة أمريكية إلى حد كبير على الأجهزة الأمنية السورية. وتعزز هذه الشراكة المحتملة أدوار أكبر للتعاون بين الدولتين وتفتح أبواب التعاون الأمني في ملفات أخرى بما يمنع عودة إيران والحد من نشاط حزب الله.