“البيض يتعرّضون لإبادة في جنوب أفريقيا”.. مهزلة ترامب الانتقامية بعد دعوى لاهاي ضد إسرائيل

“البيض يتعرّضون لإبادة في جنوب أفريقيا”.. مهزلة ترامب الانتقامية بعد دعوى لاهاي ضد إسرائيل
رائد صالحة
واشنطن- “القدس العربي”: استقبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الأربعاء، نظيره الجنوب إفريقي سيريل رامافوزا في البيت الأبيض، في ظل توتر دبلوماسي غير مسبوق سببه قرار تنفيذي أصدره ترامب في فبراير/ شباط الماضي، اتهم فيه حكومة جنوب إفريقيا بممارسة “إبادة جماعية عنصرية” ضد البيض، وسمح بموجبه باستقبال مجموعة من الأفريكانر كلاجئين، وبتعليق المساعدات وطرد السفير الجنوب إفريقي من واشنطن.
اختار الشعب الجنوب إفريقي الردّ بطريقته: مقاطع ساخرة انتشرت تحت عنوان “أشياء فظيعة تحدث”، تُظهر بيضًا يعيشون في فيلات فاخرة، يحتسون المشروبات على أنغام الموسيقى، بينما يخدمهم موظفون سود
وبحسب تحقيق موسّع نشره موقع The Intercept، فإن جذور هذا التصعيد تعود إلى عام 2018، حين أطلقت منظمة يمينية تُدعى “أفريفوروم” حملة دعائية في الولايات المتحدة زعمت فيها أن المزارعين البيض في جنوب إفريقيا يتعرضون للقتل والاضطهاد على أسس عنصرية. وقد لاقت هذه الحملة صدى واسعًا في أوساط اليمين الأمريكي،
وفي أغسطس/ آب من العام نفسه، غرّد ترامب بأنه طلب من وزارة الخارجية التحقيق في “مصادرة الأراضي وقتل المزارعين”، ما منح تلك المزاعم دفعة سياسية قوية. لكن، كما يكشف التقرير، فإن الحملة لم تكن سوى أداة سياسية داخلية في جنوب إفريقيا، تهدف إلى إعادة إنتاج خطاب الضحية لدى البيض الأفريكانر بعد فقدانهم السيطرة السياسية منذ نهاية نظام الفصل العنصري عام 1994.
ورغم أن النخبة الأفريكانر لا تزال تهيمن اقتصاديًا، فإن صعود حزب “مقاتلو الحرية الاقتصادية” اليساري، بزعامة جوليوس ماليما، وتنامي المطالب بإعادة توزيع الأراضي، زادا من حدة التوتر بين مكوّنات المجتمع الجنوب إفريقي. وسرعان ما استثمرت منظمات مثل “أفريفوروم” هذا التوتر لصالح أجندات يمينية، محليًا ودوليًا، مع حملة علاقات عامة واسعة صوّرت البيض كضحايا مضطهدين.
وبحسب ما ورد، فقد تحول قرار ترامب المفاجئ بقبولهم كلاجئين إلى مادة للسخرية في جنوب إفريقيا، حيث أطلق ناشطون على مغادرة الأفريكانر اسم “التيسك العظيم”، في سخرية من “المسيرة الكبرى” التي قام بها المستوطنون الهولنديون في القرن التاسع عشر، مستخدمين مصطلح “تسك” العامي الذي يعني “انصرف عن وجهي”.
وسارعت المنظمة نفسها إلى التراجع عن روايتها بعد صدور القرار التنفيذي، فعقدت مؤتمرًا صحافيًا نفت فيه طلبها اللجوء السياسي للبيض، وأكد رئيسها كالي كرييل أن الأفريكانر جزء من جنوب إفريقيا ولا يسعون لمغادرتها، في محاولة لاحتواء الغضب الشعبي.
لكن الضرر كان قد حدث. ورغم سحب بعض الإجراءات لاحقًا، فإن حكومة جنوب إفريقيا رفضت التراجع عن موقفها، مؤكدة أن ادعاءات “الإبادة” لا أساس لها، بل تتجاهل السياق التاريخي لعدم المساواة الذي تحاول الحكومة معالجته.
الحملة لم تكن فقط مدفوعة باعتبارات محلية، بل استخدمت أيضًا كورقة ضغط على جنوب إفريقيا في ملفات دولية، من بينها الدعوى التي رفعتها حكومة رامافوزا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية
في الأثناء، اختار الشعب الجنوب إفريقي الردّ بطريقته: مقاطع ساخرة انتشرت تحت عنوان “أشياء فظيعة تحدث”، تُظهر بيضًا يعيشون في فيلات فاخرة، يحتسون المشروبات على أنغام الموسيقى، بينما يخدمهم موظفون سود.
ورغم الطابع الكوميدي، إلا أن الأزمة كشفت – كما أورد تقرير The Intercept – أن الحملة لم تكن فقط مدفوعة باعتبارات محلية، بل استخدمت أيضًا كورقة ضغط على جنوب إفريقيا في ملفات دولية، من بينها الدعوى التي رفعتها حكومة رامافوزا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، وصفقة “ستارلينك” التي يروّج لها رجل الأعمال إيلون ماسك، المولود في جنوب إفريقيا، والتي تواجه عقبات تنظيمية تتعلق بعدم امتثالها لسياسات تمكين السود.
ورغم أن جنوب إفريقيا تعاني من تحديات سياسية واقتصادية حقيقية، أبرزها تراجع شعبية حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم، إلا أن “حملة الإبادة” تحوّلت إلى لحظة نادرة من الوحدة، جمعت الغالبية في رفض سردية تُحاول إعادة إنتاج مظلومية استعمارية مقلوبة.