مقالات

لماذا السويداء؟؟ ؟ بقلم د. رياض العيسمي

بقلم د. رياض العيسمي

لماذا السويداء؟؟ ؟
د. رياض العيسمي
منذ أن سقط النظام السوري في ٨ ديسيمبر ٢٠٢٤، ووصول هيئة تحرير الشام إلى الحكم في سورية بتوافق دولي وإقليمي، لا يكاد يمضي يوما دون ان يكون هناك حدثا في محافظة السويداء أو خبرا عنها او مرتبطا بها. مرة تاتي ضمن الصراع مع الأقليات في سورية. وأخرى عبر الصدام بين السلطة التي تمثلها الطائفة السنية لهيئة تحرير الشام في دمشق والمواطنين من طائفة الموحدين الدروز القاطنين في مناطق ريف دمشق، وتحديدا جرمانا وأشرفية صحنايا. وتارة تنبري الحكومة الاسرائيلية ورئيسها بنيامين نتنياهو ووزير حربه إسرائيل كاتس للتعهد بحماية الدروز في سورية من سطوة الارهابين من هيئة تحرير الشام في دمشق. ويساعدهم ويسوق لهما في هذا الادعاء السيد يعقوب قرة وزير سابق في حكومة الليكود. وهو من طائفة الموحدين الدروز في فلسطين المحتله، او ما يعرفون بعرب ال ٤٨. ومنذ ان سقط النظام والوضع في السويداء يزداد تدهورا وتشرذما. فالانقسام ليس في مشيخة العقل لطائفة الموحدين الدروز في السويداء وحدها، بين من هو مع الحكومة الجديدة، ومن هو ضدها، ومن يقف بين بين، بل وامتد هذا الانقسام ليصل إلى الطبقة السياسية ومؤسسات المجتمع المدني. وهناك فصائل عسكرية مسلحة متعددة. منها مع الحكومة ومنها صدها، ومنها مازال ينتظر. هذا الانقسام بدأ بالتسرب التدريجي إلى بنية المجتمع المتماسك وطبيعته المنفتحة. مهددا بذلك النسيج المتناغم بالتمزق والتلاشي.
والسؤال المهم هو لماذا يحدث كل هذا في السويداء، وبهذه السرعة؟. هذا علما بان المجتمع في السويداء معروف بعدم تشدده الديني وانفتاحه السياسي والثقافي. فهل فعلا المقصود هو طائفة الموحدون الدروز، أم هو شيء آخر. وقضية إضطهاد الدروز والصراع معهم هو مجرد غطاء لعملية منظمة هي جزء من صراع اكبر من الدروز، وحتى أكبر من سورية.
لا شك بان العالم على ابواب مرحلة تاريخية جديدة. والتاريخ يكتبه الأقوياء على مفترق الطرق. والقوة لا يسطيع فرضها شخص واحد مهما كانت قوته وعظمته. ولا مجموعة صغيرة بعينها مهما كان مدى نفوذها وفاعليتها. وانما القوة هي حالة فرض الأمر الواقع الناجمة عن تجمع العوامل المكونة، والتي في نهاية كل مرحلة تفرض الاحداث المتراكمة التي تصنع التاريخ. ولا نبالغ إذا قلنا بأن سورية هي اليوم في قلب هذه الاحداث. وهي بؤرة الصراع على الاستئثار بالتاريخ. فسورية هي قلب الشرق. ومن يمتلك القلب يسيطر على الجسد. ولهذا من يقرأ التاريخ ويعي تراتبية أحداثه، لا يجد غرابة فيما يحدث اليوم في سورية والشرق الأوسط. وكذلك لا نبالغ إن قلنا بان أهم منطقة في الشرق الأوسط ستكون المنطقة الجنوبية من سورية ولبنان. فهي اصبحت تمثل أهم فضاء جيوإستراتيجي في الصراع العالمي، وتحديدا بين الولايات المتحدة والصين. وذلك لأن هذه المنطقة من الناحية الاستراتيجية ستمتد من البحر الأبيض المتوسط إلى الخليج العربي. وهي التي ستكون محور الوصل بين ثلاث قارات، اسيا وأوروبا وأفريقيا. ولها عبور سهل وميسور إلى القارات الأخرى عبر المحيطين الهندي والهادي. وهي تفضي من الشرق إلى الهند والصين حيث يسكن ثلث سكان العالم. ولا نبالغ أيضا،من الناحية الجيواستراتيجية، إذا قلنا بأن محافظة السويداء بموقعها الجغرافي، بشكل اساسي، في جنوب شرق سورية مع امتداد على طول شمال الأردن ووصولا إلى شمال السعودية وجنوب العراق، ووصولا إلى الكويت والخليج العربي.وبهذا ستكون السويداء بجغرافيّتها المتميزة هي استمرار لهذا الفضاء الجيواستراتيجي الاهم في الصراع الصيني الأمريكي. هذا وبالرغم من محاولة إسرائيل اعادة التاريخ إلى الوراء وتغليف هذا الصراع بغلاف ديني حتى يعطيها تفوقا من جديد من الناحيتين الدينية والاقتصادية، لكن الصراع العالمي الجديد بين الولايات المتحدة والصين هو صراع جيوإستراتيجي واقتصادي بحت، ولا موقع للدين فيه. وعليه جاءت تحركات الرئيس الأمريكي ترامب الأخيرة لخلق شراكة استراتيجية مع السعودية ودول الخليج. وتمهيدا للتطبيع مع إسرائيل ودمجها في المنطقة كجزء من استراتيجية أمريكية هي قيد التشكل في الصراع على العالم مع الصين. وخط الحرير الأمريكي الذي يمتد من الهند إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط يمر في شمال الأردن بمحاذاة الحدود الجنوبية لمحافظة السويداء، بل ويدخل بداخلها قليلا في بعض المواقع. ويصل منها إلى ميناء حيفا. ولهذا لا نبالغ إذا قلنا أيضا، ومن الناحية الجيوإستراتيجية، بأنه في محافظة السويداء سترتسم ملامح النظام العالمي الجديد. فهل يعي أهل السويداء أهميتها، واهمية الحفاظ عليها ككتلة جيواستراتيجية واحدة موحدة جغرافيا وديموغرافيا؟ هذا هو السؤال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب