مقالات

العَرَب والمَوْجَة الثَالِثة من الإسْترَاتِيجِيَّات الأميركِيَّة فِي مَرْحَلَةِ التَّحَوُّلَاتِ الرَّاهِنَة بقلم حسن خليل غريب -طليعة لبنان –

بقلم حسن خليل غريب -طليعة لبنان -

العَرَب والمَوْجَة الثَالِثة من الإسْترَاتِيجِيَّات الأميركِيَّة فِي مَرْحَلَةِ التَّحَوُّلَاتِ الرَّاهِنَة
بقلم حسن خليل غريب -طليعة لبنان –
تمهيد:
لا شكَّ بأن هناك تحولات كبيرة في المواقف الأميركية المُعلَنة في المرحلة الراهنة تجاه الوطن العربي، وعنوانها الإستراتيجي إنهاء الحروب وبؤر التوتر لضمان وجود بيئة آمنة لحركة الرساميل التي يمكن الاستثمار فيها وخلوها من أية تهديدات أمنية. ولا شكَّ أيضاً بأن مواقف الرئيس دونالد ترامب كانت من أبرز ملامح تلك الاستراتيجية، والتي بدأ الإعلان عنها منذ ولايته الأولى، وراح يستكملها في ولايته الثانية. ان ذلك يتطلب من العرب تحركاً فاعلاً على كافة الاصعدة الشعبية والرسمية والقوى السياسية لمواكبة التغيرات الحاصلة وضمان مصالح الامة العربية وان لا تكون تلك المتغيرات على حساب الثوابت الوطنية والقومية.
فمنذ ولايته الأولى واجهت الرئيس ترامب حملة من التحريض وصل سقفها إلى حد اتهامه بشتى التهم، كما صورته وسائل الإعلام العالمية وفي مقدمتها الإعلام الأميركي. وعلى الاغلب فان هذا التحريض لم يكن بعيداً عن أغراض وأوتار المشروع الأميركي – الصهيوني الذي أوصل جورج بوش الإبن إلى سدة رئاسة الولايات المتحدة الأميركية تحت شعارات توراتية تلمودية، اختصرتها العبارة المشهورة، (إن الله كلَّفه بقيادة معركة هرمجدون لخلاص العالم).
وعلى الرغم من أن جورج بوش الإبن وترامب يمثلان الحزب الجمهوري، ظهر لاحقاً وكأن قيادة الحزب الجمهوري انقسمت على نفسها بسبب عوامل داخلية
وخارجية متشابكة. وبرزت حالة نقدية من داخل الحزب الجمهوري رأت أن سياسة بوش الإبن أوقعت خسائر فادحة في الاقتصاد الأميركي.
وإذا عرفنا أن بوش الإبن كان يمثِّل تيار الصقور في الإدارة الجمهورية وهو التيار الأميركي المتصَهين الذي كان يعمل لمصلحة الرأسمالية الصهيونية في العالم، فان ذلك يفترض وجود تيار آخر يرفض ان تتقدم مصالح اخرى على المصلحة الامريكية أو تكون على حسابها، ويعتبر أن مصلحة الوطن الأم وهو اميركا، يجب ان تسبق اية مصلحة اخرى وان تعلو على كل شيء آخر. وقد عبّر عنها بشعار (أميركا أولاً)، وهو السبب الذي دفعنا الى تسميته بتيار الرأسمالية الأمريكية ذات الأولوية “الوطنية”. ولأن الحزب الجمهوري قد رشَّح ترامب لرئاسة أميركا، ولأنه اول وأكثر من رفع هذا الشعار، لذا فان هذا يدعو الى تسمية المشروع الجديد باسمه.
لذلك فان التمييز بين المشروعين ضروري لتفسير بعض مما يحصل الآن في الداخل الأميركي من جهة، وانعكاساته على الوطن العربي وجواره الإقليمي من جهة أخرى. ولكن بين هذا التيار وذاك، تبقى هناك حقيقة استراتيجية ثابتة يلتزم بها التياران، وهي اعتبار وجود الكيان الصهيوني في الوطن العربي حاجة ضرورية للمصالح الرأسمالية الأميركية خاصة، ولمصالح الرأسمالية الغربية بشكل عام. ولكنهما يختلفان حول تعريف وظيفة هذا الكيان.
تعتبر الرأسمالية الأمريكية الجديدة ذات الأولوية “الوطنية” أن تلك الوظيفة لا يجوز أن ترتقي فوق سقف المصالح التي يعبّر عنها هدف (أميركا أولاً). وأما التيار الثاني فيتجاوز ذلك السقف ليصب في مصلحة إعادة إحياء الحلم الصهيوني في بناء دولة تلمودية يهودية تعمل من أجل ما يسمونه إعادة بناء هيكل سليمان الأسطوري، وتحت هدف (أرضك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل).
الأهداف الإستراتيجية لمشروع الرئيس دونالد ترامب:
ثلاثية هي المشاريع الإستراتيجية الرأسمالية الكبرى التي عانى منها الوطن العربي قبل سنوات معدودة من سقوط الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى حتى نهاية الربع الأول من القرن الواحد والعشرين، وهي التالية:
الأول: مشروع مؤتمر كامبل بانرمان (1905-1907) الذي كانت اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور من أهم مظاهره، وهي الاتفاقية التي تضمَّنت وعداً للصهيونية العالمية بتأسيس دولة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين من جهة، وقامت بتقسيم الوطن العربي إلى دول رسمتها حسب خرائط جغرافية لمنع قيام وحدة سياسية عربية من جهة أخرى.
الثاني: مشروع برنارد لويس، المفكر الصهيوني، الذي وافق عليه الكونغرس الأميركي في العام 1983، والذي يقضي بمزيد من التقسيم للوطن العربي وذلك باستبدال الخطوط الجغرافية لاتفاقية سايكس – بيكو، بخطوط طائفية وعرقية تفضي الى دويلات تتقاتل باستمرار.
الثالث: المشروع الذي أطلقنا عليه تيّار الرأسمالية الأمريكية الجديدة ذات الأولوية “الوطنية”، وهو الذي نبني تحليلنا على فرضية وجوده، والذي يمثله الرئيس ترامب، والقاضي بتحويل الوطن العربي إلى منطقة محاصصات اقتصادية، وإن شاركت فيها دول أخرى، ولكن تبقى الإدارة الأميركية هي التي تتحكم بمقادير الحصص لكل منها.
بعد أن تربَّع دونالد ترامب على كرسي رئاسة الولايات المتحدة الأميركية في العشرين من كانون الثاني من العام 2025، وبعد أن أسَّس في ولايته الأولى لتنفيذ أول محاولة نقدية للمراحل السابقة، خاصة مرحلة بوش الإبن، والتي كانت من أهم أسبابها النتائج الكارثية التي تسببتها إدارته باحتلال العراق، بدأ فيها تيار الرأسمالية الأمريكية ذات الأولوية “الوطنية” بنقد ولاية جورج بوش الإبن ومغامرته باحتلال العراق، وانتهى بنقد ولاية أوباما الذي سلَّم العراق للنظام الإيراني على طبق من ذهب.
وكانت من أهم معالم النقد هي مهاجمة إدارة بوش، التي بدلاً من تخطيطها لتمويل الحرب من بترول العراق، أنفقت تريليونات الدولارات من جيب دافع الضرائب الأميركي، اضافة الى فقدان عشرات الآلاف من حياة جنوده ودمائهم. وليس هذا فحسب، بل قام الرئيس أوباما بعدها بتسليم العراق إلى إيران مجاناً، وهي التي لم تدفع باحتلاله سنتاً واحداً، ولا نقطة دم إيرانية. ورغم ذلك قام اوباما بتسليمه مقابل مساعدة إيرانية مشبوهة في تنفيذ مشروع برنارد لويس في تقسيم الوطن العربي إلى دويلات طائفية وعرقية.
تعثُّر مشروع “الشرق الأوسط الجديد”، يؤسِّس للمرحلة الثالثة من الاستراتيجية الأميركية:
بينما مثلت سياسات جورج بوش الابن ودونالد ترامب صفحات متباينة من التعامل الأميركي مع الشرق الأوسط، فإن الاتجاه العام الجديد يركز على ترسيخ واستثمار الاستقرار لضمان استدامة المصالح الاقتصادية بعيدًا عن الصراعات التي أثقلت كاهل الاقتصاد الأميركي في العقود الماضية. فكما ذكرنا لقد كلَّف تنفيذ مشروع بوش الابن من خلال احتلال العراق أثماناً باهضة في الارواح والاموال الامريكية وذلك بفعل المقاومة الباسلة في العراق. ثم جاء تنفيذ مشروع “الشرق الأوسط الجديد” الذي قام أوباما بالمباشرة بتنفيذه، ليسجِّل خسائر كبرى في صداقات أميركا التاريخية مع بعض الدول العربية وفي المنطقة، وكانت من أهم خسائره هي التالية:
• خسر صداقة مصر من خلال دعم حركات الإسلام السياسي، مما دفع الجماهير في مصر الى إسقاط نظام الإخواني محمد مرسي، تلاه العمل على إحباط استكمال مشروعهم في ليبيا بدعم حركة اللواء خليفة حفتر، ولاحقاً بإسقاط نظام راشد الغنوشي في تونس والحكم عليه بالسجن.
• خسر مصداقيته عند تركيا عندما راح يؤسس لكيان كردي مستقل ليتحول إلى شوكة في خاصرتها.
• وكانت خسارته الكبرى في المنطقة العربية عندما تحالف مع النظام الإيراني ومساعدته على السيطرة والهيمنة المطلقة على العراق والاندفاع منه الى الاقطار العربية الاخرى للتمدد واحكام السيطرة عليها في سوريا ولبنان
واليمن مما ادى الى تقسيم الاخير بعد ان كان قطراً موحداً. الأمر الذي زرع الخوف والهلع في نفوس ابناء الامة في اقطار الوطن العربي كما عزز في نفس الوقت الوعي بخطورة ذلك المشروع واية مشاريع تنشر التفرقة بين ابناء الامة الواحدة على اسس طائفية او عرقية. وهو ما وضع عدداً من الدول العربية في مواجهة مع أوباما بداية، ومع بايدن لاحقاً.
لقد وضعت كل تلك العوامل والمؤثرات الجديدة المنطقة كلها على صفيح ساخن كاد أن يؤدي ليس الى حرب مدمرة في الوطن العربي فحسب، بل راح أيضاً يهدد السلم والأمن في منطقة الشرق الأوسط كلها وفي العالم أجمع.
نتيجة لكل ذلك، كان لا بدَّ من تحديدات أكثر علمية وموضوعية لوضع الوطن العربي والشرق الأوسط والعالم الذي كان يقف على حافة الهاوية، مما دفع أركان الرأسمالية الأمريكية ذات الأولوية “الوطنية” لصياغة مشروع ترامب الاستراتيجي لإعادة رسم خرائط المنطقة حسب خطوط المصالح الاقتصادية وبشكل خاص للرأسمال الأميركي.
كانت مصادر عوامل التفجير تلك، كما تؤكد الاحداث والتقارير، تعود إلى أسباب رئيسية تكاد تنحصر بما يلي:
1- راحت الصهيونية العالمية توظِّف طاقات العالم في سبيل شق الطريق لبناء الحلم التوراتي، وهذا قد ينطوي على اختلاف عن الوظيفة الاساسية التي حددتها منظومة الدول الرأسمالية لـ(الكيان الصهيوني في فلسطين)، وهي أن يبقى القاعدة العسكرية الرئيسية لها في الوطن العربي. وعندما شعرت تلك المنظومة أن هذا الكيان تجاوز حدود وظيفته، فكان لابد لها من اتخاذ بعض المواقف التحذيرية المُحتَمَلة للحد من التمادي في أحلامه. وقد برزت تلك الضغوط بأشكال متعددة، ولكنها كانت دائماً حريصة على عدم تجاوز الخطوط الحمر كي تمنع التهديد الوجودي لذلك الكيان. إن الضغوط التي يمارسها تيار الرأسمالية الامريكية ذات التوجهات “الوطنية” الافتراضي، تدفع بنا إلى السؤال التالي: هل يمكن للصهيونية العالمية أن تصمد في مواجهة تلك الضغوط، وتعمل على إفشالها؟
ولأن أهداف الرأسمالية الصهيونية الاساسية تنحصر في المحافظة على مصالحها وتبقى القوة الرأسمالية البارزة من جهة، وتحت الضغط العالمي من جهة اخرى، لذا فان هناك احتمالاً متزايداً بأن تنأى بنفسها عن الحلم التوراتي، وتساعد على إعادة اليمين الصهيوني إلى بيت الطاعة، وترغم كيانه إلى العودة إلى وظيفته الأولى والتي رسمها له مؤتمر كامبل – بنرمان. وللعالم امثلة بارزة سابقة في التاريخ نأى فيها اليهود بنفسهم من اجل المحافظة على رساميلهم التي تحتل أولوية مطلقة بالمقارنة مع تنفيذ حلمهم التلمودي.
2- استغلَّ النظام الإيراني كل الفرص التي منحتها له الإدارات الأميركية المتعاقبة لتنفيذ حلمه الموهوم ببناء دولة (الوليّ الفقيه). وبمثل تلك الأهداف الغيبية راح يضيف أثقالاً على مصالح الرأسمالية التي ساعدته على البروز. وهذه إيران اليوم شعرت بأن مصالح الطبقات الاقتصادية العليا المهيمنة على الاقتصاد الإيراني سوف تعود إلى بيت الطاعة الدولي، وتنأى بنفسها عن عوامل التوتر التي زرعتها في الوطن العربي، خاصة أن الخناق اقترب من رقبتها بفعل العزل والحصار اللذين تعرضت لهما في لبنان وسورية، والعمل جار على معالجة وتطويع وضعها في بقية اقطار الوطن العربي.
وهكذا نرى ان التطورات افرزت تثقيلان خطيران على التشكيلات الاقتصادية العالمية هما، المشروع اليهودي التلمودي ومشروع ولاية الفقيه الايراني، وكل منهما يلعب أدواراً خطيرة تؤثر بطريقة واخرى على الأمن الدولي، لذا كان لابد عالمياً من ايجاد حلول على طريق وضع حدّ لهما. وهذا يحتم من وجهة نظرهم ان تكون المنطقة آمنة لحركة الرساميل الدولية والعربية.
أن المشهد الجديد يفرض تحديات وفرصاً أمام الدول العربية وكافة ابناء الأمة العربية وقواها الوطنية والقومية، حيث يستدعي ذلك بناء استراتيجيات عربية ذاتية تتعامل مع سرعة المتغيرات الحاصلة وتضمن مصالحها وثوابتها الوطنية والقومية ضمن نظام عالمي متغير. ومن أهم متغيراته:
أولاً: السياسات الأميركية المستقبلية في الوطن العربي والشرق الأوسط ستعتمد على عدة عوامل رئيسية، منها التحولات الجيوسياسية، والمصالح الاقتصادية، والتحديات الأمنية. ووفقًا لبعض التحليلات، هناك توجه نحو تقليل التدخل العسكري المباشر والتركيز على الاستقرار الإقليمي المفترَض من خلال التحالفات والشراكات الاقتصادية.
ثانياً: إعادة تشكيل المشهد الإقليمي
وقد يتضمن ذلك:
• التوجه الأميركي نحو إعادة تنظيم المنطقة بما يخدم المصالح الاقتصادية.
• محاولات ” مُعلنة” لضبط دور إيران والكيان الصهيوني ضمن معادلة المصالح الرأسمالية.
• تعزيز دور الدول العربية في مواجهة التأثيرات الخارجية.
ثالثاً: على العرب أن يواكبوا المتغيرات الدولية ويستفيدوا من المفيد منها، وأن يستعدوا لمواجهة غير ذلك، وحماية ثوابتهم الوطنية والقومية في ظل متغيرات إقليمية قادمة يتم تمهيد مسالكها على نار حامية. وأن يعلنوا معادلة تتوافق مع تلك المتغيرات تحت عنوان:
(أمن الاقتصاد الدولي.. مقابل الأمن القومي العربي).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب