ميديا بارت: الاتحاد الأوروبي في اختبار الشرق الأوسط.. غياب الدور والخوف من ترامب

ميديا بارت: الاتحاد الأوروبي في اختبار الشرق الأوسط.. غياب الدور والخوف من ترامب
باريس- قال موقع “ميديا بارت” الفرنسي إن السلطات الأوروبية، التي تجتمع اليوم الخميس وغدًا الجمعة، ظهرت قادرة على التعبئة بخصوص الملف الأوكراني، لكنها بدت غائبة تمامًا حيال النزاعات التي تشمل إسرائيل. وإذا كان هذا الملف يقسمها منذ وقت طويل، فإن موقفها يعكس أيضًا إستراتيجية حذرة تجاه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
ظهر الأوروبيون ككومبارس في آخر فصل عسكري من عالم آخذ في التحول، أي “حرب الأيام الاثني عشر” بين إسرائيل والولايات المتحدة وإيران، وكأنهم محذوفون من المشهد..
ميديا بارت: وقف إطلاق النار، الذي أعلنه ترامب بفخر، تم بوساطة قطر. حتى دور الوسيط النزيه سُلب من الأوروبيين لصالح طرف آخر
خلال هذه القمة ببروكسل، يومي الخميس 26 والجمعة 27 يونيو، قرر رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي مناقشة الوضع في الشرق الأوسط. والجدير بالذكر أن الاتحاد الأوروبي يطمح، حسب رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا، إلى أن يصبح “فاعلًا عالميًا فعالًا، وموثوقًا”. إلا أن الأيام الأخيرة أظهرت كم أن هذا الهدف ما يزال بعيد المنال، يقول “ميديا بارت”.
الملاحظة الأولى: لم يتمكن القادة الأوروبيون من التأثير بأي شكل على الملف الإيراني أو على الصراع الجاري. فبرغم جهودهم لإحياء إطار متعدد الأطراف للحوار والعمل، أولًا من خلال قرار مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ثم عبر لقاء في جنيف بين دبلوماسيي ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيران، إلا أن إسرائيل والولايات المتحدة شنّتا ضربات ضد إيران، خلال 24 إلى 48 ساعة، في تجاهل تام لهذه المبادرات. أما وقف إطلاق النار، الذي أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفخر، فقد تم بوساطة قطر. بعبارة أخرى، حتى دور الوسيط النزيه سُلب من الأوروبيين لصالح طرف آخر، يوضح “ميديا بارت”.
الملاحظة الثانية، بحسب “ميديا بارت”: قادة الاتحاد الأوروبي أضعفوا بأنفسهم تأثير نشاطهم الدبلوماسي عبر مواقفهم وتصريحاتهم. فبما أنهم لا يملكون أدوات ضغط مباشرة ومادية، كان بإمكانهم، على الأقل، تبنّي موقف متميز يعكس رؤيتهم الخاصة للعالم. لكن المقترحات التي طُرحت في جنيف لإحياء المفاوضات كانت أضعف مما اعتادت العواصم الأوروبية الدعوة إليه.
أما التصريحات التي صدرت عنهم فقد اتسمت بالمجاملة، بل وحتى التبعية لإسرائيل والولايات المتحدة. حتى حين استُخدم القانون الدولي، لم تُذكر صراحةً الضربات الأحادية ضد إيران- بما فيها تلك التي أودت بحياة مدنيين- كخرق لهذا القانون. بل إن بعض الأصوات الأوروبية عبّرت عن رضاها عن الأسلوب المستخدم. فالمستشار الألماني فريدريش ميرتس امتدح “العمل القذر” الذي أنجزته إسرائيل، وقال إنه لا يرى “أي سبب” لانتقاد الضربات الأمريكية.
وتأسفت دلفين ديشو-دوتار، أستاذة العلوم السياسية بجامعة غرونوبل ألب الفرنسية، قائلة: “للأسف، تصريحات ميرتس تُعبّر بصوت عالٍ عمّا يفكر فيه كثير من الدول الأعضاء. الاتحاد الأوروبي قدّم خطابًا تقليديًا بشأن المعايير الجماعية، لكنه كان ضعيفًا ومشتتًا، لدرجة أنه لم يكن له أي تأثير”.
غزة: عقوبات ما تزال قيد الدراسة
اعتبر “ميديا بارت” أن هذا الغياب للأصالة في موقف الاتحاد الأوروبي في الشرق الأوسط يتجلى أيضًا في عدم فرض عقوبات على الجرائم الدولية التي ارتكبتها إسرائيل في غزة. وقد اتخذت قرارات حاسمة من قبل دولة غادرت الاتحاد الأوروبي، هي المملكة المتحدة، التي، بالتنسيق مع أستراليا وكندا ونيوزيلندا والنرويج (غير العضو في الاتحاد)، حظرت دخول الوزيرين المتطرفين في الحكومة الإسرائيلية إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، وجمّدت أصولهما.
أما على صعيد الاتحاد، فقد توصلت الدول الأعضاء، في 20 مايو/أيار، إلى أغلبية لإعادة تقييم اتفاقية الشراكة بين الاتحاد وإسرائيل، لكن من غير المرجّح أن يتم تعليقها بالكامل، إذ يتطلب ذلك إجماعًا.
وفي 23 يونيو/حزيران الجاري، عرضت المفوضة الأوروبية للسياسة الخارجية، كايا كالاس، على وزراء الخارجية نتائج تحقيق أجرته أجهزتها، والتي خلصت- ويا للمفاجأة- إلى أن إسرائيل لا تلتزم بالمادة الثانية من الاتفاق، التي تنص على “احترام حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية”، يُشير “ميديا بارت”.
وستُعرف النتائج في بداية يوليو/تموز. ويدعو رئيسا حكومتي إسبانيا وإيرلندا منذ زمن لتعليق الاتفاق، لكن دولًا أخرى، مثل ألمانيا والنمسا، ترفض بشدة. وقد يتم اللجوء إلى حل وسط عبر تعليق جزئي للاتفاق، يشمل البنود التجارية أو البحثية التي لا تتطلب إجماعًا، بل أغلبية مؤهلة.
وقالت إيف غيدي، مديرة مكتب منظمة العفو الدولية لدى الاتحاد الأوروبي: “من غير المقبول أن يستغرق الاتحاد الأوروبي كل هذا الوقت لإطلاق هذا التقييم، ومن المقلق أنه لم يُعلن عن أي إجراء ضد إسرائيل”. وفي رسالة موجهة إلى المفوضية، انضمت المنظمة إلى مئة منظمة مجتمع مدني أخرى، معتبرة أن “الفشل في تعليق ولو جزء من الاتفاقية سيقضي على ما تبقى من مصداقية الاتحاد الأوروبي وسيشجع إسرائيل على مواصلة جرائمها”.
وتذكّر دلفين ديشو-دوتار أن “تردد المفوضية يجب أن يُربط بجنسية رئيستها، أورسولا فون دير لاين، التي تنتمي إلى ألمانيا، الدولة التي بسبب مسؤوليتها عن الهولوكوست تبنّت في سياستها الخارجية مبدأ عدم توجيه نقد مباشر لإسرائيل”.
وترى أستاذة العلوم السياسية جوستين لاكروا، من جامعة بروكسل الحرة، أن هذا التردد يعكس أكثر من مجرد اعتبارات سياسية. ففي مقال بمجلة “Esprit”، أشارت إلى عدم قدرة العديد من القادة الأوروبيين على “إدراك أن العديد من حلفائنا المفترضين تحولوا إلى أنظمة هجينة تميل نحو الاستبداد”. واعتبرت أن هذا الوضع يعكس أيضًا “تآكل سلطة القانون الدولي”، الذي يشارك فيه بعض القادة الأوروبيين أنفسهم، وليس فقط المجر، عبر انتهاكهم لمبادئ أساسية من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، خاصة في مجال الهجرة.
الحفاظ على ترامب
الفارق واضح، كما أشارت مؤخرًا النائبة الأوروبية مانون أوبري، بين هذا التردد الأوروبي تجاه الشرق الأوسط، وبين الحزم الذي أبدته الحكومات الأوروبية حيال غزو روسيا لأوكرانيا، وكذلك تجاه مخاطر تخلي إدارة ترامب عن النموذج الديمقراطي الليبرالي، يتابع “ميديا بارت”.
فمنذ ذلك الحين، قدم الاتحاد الأوروبي دعمًا ماليًا وإداريًا وعسكريًا لكييف، واعتمد 18 حزمة من العقوبات ضد روسيا، رغم الثغرات المتعلقة بقطاع الطاقة التي ما تزال تموّل الحرب. كما تُبذل جهود- وإن كانت صعبة- لتطوير سياسة دفاع أوروبية مستقلة.
وهذا التمييز المزدوج يمثل ضررًا طويل المدى للاتحاد، خاصة إذا كان يطمح لأن يكون قوة تعمل لصالح المعايير الجماعية، ويكسب بذلك اهتمام الدول الصاعدة. وهذا الكيل بمكيالين يُفسَّر بانقسامات داخلية عميقة كلما تعلق الأمر بالشرق الأوسط، وكذلك بالخوف من إغضاب الرئيس الأمريكي غير المتوقع، يقول “ميديا بارت”.
أصوات أوروبية عبّرت عن رضاها عن الأسلوب المستخدم… المستشار الألماني فريدريش ميرتس امتدح “العمل القذر” الذي أنجزته إسرائيل
ويشير ماكسيم لوفيفر، السفير السابق وأستاذ العلاقات الدولية في ESCP، إلى أن النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني “من الملفات الأساسية التي لم ينجح أعضاء الاتحاد أبدًا في توحيد موقف قوي بشأنها، بسبب اختلاف مشاعرهم وانحيازاتهم”. وتؤكد دلفين ديشو-دوتار أن “هذا هو الملف الذي يشهد التكتل حوله أكبر الانقسامات التاريخية”.
فبينما ولّدت الحرب الروسية في أوكرانيا شعورًا بالتضامن الداخلي، لم يُبدِ العديد من الأعضاء اهتمامًا مماثلًا بما يجري في غزة أو إيران. ويقول ستيفان أودران، مستشار المخاطر الدولية: “لم يكن أحد مستعدًا لإغضاب ترامب قبيل قمة الناتو يومي 24 و25 يونيو. ونلاحظ أن القادة الأوروبيين الذين يبعدهم الخطر الروسي، مثل إسبانيا وإيرلندا، هم الأكثر صراحة بشأن إسرائيل”.
ويضيف ماكسيم لوفيفر: “حيال واشنطن، ما يزال الأوروبيون مترددين بين التبعية والمراوغة. يحاولون الدفاع عن مصالحهم دون استفزاز ترامب أو التشكيك في التحالف الأطلسي. وبما أن معظمهم مرتبط بإسرائيل، ولا توجد تعبئة شعبية، كما حدث ضد غزو العراق عام 2003، فهم لا يغامرون بشيء”.
في الواقع، ما يزال العديد من الدول الأعضاء في حالة ذعر من احتمال التخلي الأمريكي عنهم، خصوصًا من يعتمد منهم على “المظلة النووية” الأمريكية وقوات الردع التقليدية، وليس لديهم بديل فوري. وإذا كان بعضهم قد بدأ التفكير في خيارات أخرى، فهم لا يذهبون إلى حد تبنّي الطموحات الكبرى لبناء قوة أوروبية مستقلة، وفق “ميديا بارت” دائمًا.
ورأى “ميديا بارت” أن الاتحاد الأوروبي وحلفاءه يخاطر بالتأخر أكثر في دمج قواهم الدفاعية، والبقاء تحت رحمة تقلبات القوة العظمى الأولى التي تنزلق نحو الاستبداد، مع الاستمرار في استرضاء دونالد ترامب.
ويلاحظ أودران: “يخشى القادة من أن تؤدي أي تصريحات أو تحركات نحو إستراتيجية تسلح أوروبية مستقلة إلى تسريع انسحاب الولايات المتحدة”.
ويختم قائلًا: “فكرة أوروبا كقوة تُرعب كل الطغاة في العالم، لأنها تمثل نموذجًا لدول تحترم بعضها وتحل نزاعاتها بغير العنف. كان يمكن للاتحاد الأوروبي أن يلعب دورًا استقرارياً حيال الطموحات التوسعية، لكن الأوروبيين أنفسهم لا يبدو أنهم مستعدون للوصول إلى هذا المستوى”.
“القدس العربي”: