عندما تتقاطع المصالح وتفترق المبادئ: قراءة في تمايز المواقف بين العرب وإيران بين غزو العراق وحرب إسرائيل على إيران

عندما تتقاطع المصالح وتفترق المبادئ: قراءة في تمايز المواقف بين العرب وإيران بين غزو العراق وحرب إسرائيل على إيران
بقلم: [ رئيس التحرير ]
في لحظة سياسية مشحونة بالصراع والاصطفافات، يعيد المشهد الحالي فتح دفاتر التاريخ القريب، ليرسم أمامنا لوحة مليئة بالمفارقات. فبينما تعاطفت غالبية الشعوب العربية، بل وحتى قطاعات من أنظمتها، مع إيران في مواجهة الحرب الإسرائيلية الأمريكية عليها، لا يغيب عن الذاكرة أن إيران ذاتها كانت أحد أبرز المستفيدين — بل الداعمين — للغزو الأمريكي للعراق عام 2003، والذي مزق دولة مركزية عربية وأسقط أحد أهم أعمدتها الاستراتيجية.
■ إيران وغزو العراق: شراكة مصالح لا شراكة مبادئ
لم يكن موقف إيران من الغزو الأمريكي للعراق مجرد موقف سلبي أو صامت، بل كان تحالفاً مصلحياً بامتياز. فتحت طهران قنواتها مع واشنطن قبل الغزو وبعده، وقدمت تسهيلات لوجستية وسياسية، واحتضنت قوى معارضة عراقية ساهمت في تفكيك الدولة العراقية، ليس حباً في الديمقراطية، بل سعياً لتحييد خصم استراتيجي، وترسيخ نفوذها على حدودها الغربية.
كانت النتيجة واضحة:
انهيار الدولة العراقية.
نشوء فراغ سيادي ملأته قوى طائفية وميليشيوية مرتبطة بإيران.
تحطيم مقومات العراق كدولة مركزية في ميزان القوة العربي.
■ اليوم… الموقف العربي من الحرب على إيران
رغم هذا الإرث المرير، يجد كثير من العرب أنفسهم متعاطفين — شعبيًا على الأقل — مع إيران في مواجهة العدوان الإسرائيلي الأمريكي عليها. المشهد يعكس التقاءاً ظرفياً للمصالح، تغذيه معادلة مركزية: أن إسرائيل، رغم كل ما فعله الآخرون، تظل العدو الأكبر والأكثر تهديداً للأمة العربية.
هذا التمايز في المواقف يكشف عن معضلة عميقة:
هل تختزل المواقف السياسية فقط في لحظة التهديد المباشر؟
وهل الصراع مع إسرائيل كافٍ لتجاوز حسابات الماضي؟
■ دروس في الحسابات الاستراتيجية
1. المصالح فوق العواطف والشعارات.
إيران تعاملت مع العراق وفق مبدأ المصالح البحتة، لا مبدأ التضامن الإسلامي أو العروبي. واليوم، تتعامل بعض الأطراف العربية مع إيران بنفس المنطق في مواجهة إسرائيل، رغم التناقضات البنيوية العميقة.
2. غياب المشروع العربي.
الفراغ العربي بعد غزو العراق واحتلاله لم تملأه سوى قوى إقليمية: إيران، تركيا، وإسرائيل، بالإضافة إلى الهيمنة الأمريكية. وما زالت النظم العربية عاجزة عن إنتاج مشروع سيادي مشترك يحمي المصالح العليا للأمة.
3. خطورة الارتهان للخارج.
إيران التي راهنت على واشنطن لإسقاط صدام تجد نفسها اليوم هدفًا لتحالف أمريكي إسرائيلي. والدول العربية التي راهنت على واشنطن سابقًا تجد نفسها أمام إدارة أمريكية تُعيد رسم تحالفاتها حسب المصلحة الإسرائيلية.
4. إعادة تعريف الأولويات.
التجربة أثبتت أن غياب تعريف واضح للعدو والصديق وفق المصالح القومية يقود إلى الفوضى:
فلسطين كانت ويجب أن تبقى بوصلة الصراع.
التهديد الإسرائيلي لا يسقط لمجرد خلاف مع إيران أو تركيا.
ولا يجب أن يغيب عن البال أن التدخل الإيراني في العراق وسوريا واليمن خلق أزمات لا تقل خطورة.
■ من خسر ومن كسب؟
إيران: ربحت العراق ونفوذًا إقليميًا، لكنها تخسر اليوم في مواجهة مباشرة مع إسرائيل والغرب تدفع فيها ثمناً باهظاً لاستراتيجيتها التوسعية.
العرب: خسروا العراق مرتين؛ مرة بالغزو الأمريكي، ومرة بسيطرة النفوذ الإيراني عليه.
إسرائيل: استفادت من انشغال العرب وإيران في صراعاتهم الجانبية، لكنها تواجه اليوم حرب استنزاف إقليمية تهدد أمنها القومي بشكل غير مسبوق.
■ وفي الختام لا بد من دعوة … نحو عقلانية استراتيجية عربية
ربما تكمن الدروس الكبرى في أن المنطقة لن تعرف الاستقرار إلا إذا خرجت من معادلة الارتهان لمحاور الخارج، سواء كانت أمريكية أو إيرانية أو غيرها.
الحل يكمن في:
بناء مشروع عربي مستقل يقوم على المصالح المشتركة لا الأوهام الطائفية أو الانفعالات اللحظية.
إعادة تعريف الأولويات بحيث تبقى القضية الفلسطينية هي بوصلة الصراع.
تطوير قدرات الأمة على إنتاج أمنها القومي بيدها، دون انتظار مظلة من أحد.
■ ويبقى السؤال مفتوح للمستقبل:
هل تستوعب الأنظمة العربية، ومعها شعوبها، أن لا أحد سيحمي مصالحنا سوى نحن، وأن الرهان على الخارج — أيًا كان — لم يكن يومًا سوى وصفة للهزيمة المؤجلة؟