تحقيقات وتقارير

كفر مالك لن تكون الأخيرة: المستوطنون يتوحّشون

كفر مالك لن تكون الأخيرة: المستوطنون يتوحّشون

مجزرة كفر مالك تبرز تحوّل المستوطنين إلى قوّة هجومية منسّقة، مدعومة بالجيش، وسط تصعيد ممنهج يوازي تسارع خطط الضمّ وتفكيك الضفة.

أحمد العبد

رام الله | لم تكن مجزرة كفر مالك الدموية التي نفّذها جيش الاحتلال والمستوطنون، مساء الأربعاء الماضي، والتي استشهد فيها ثلاثة شبان وأصيب العشرات، مفاجئة؛ إذ هي ليست الأولى، ولن تكون، على أيّ حال، الأخيرة. وفي ما بدا تحركّاً منسّقاً، فتح جنود العدو، ومعهم عشرات المستوطنين المسلّحين، النار على الأهالي بهدف القتل، وتبعت ذلك محرقة لممتلكات المواطنين.

وشيّعت محافظة رام الله، في بلدة كفر مالك الواقعة إلى الشرق منها، مساء الخميس، ثلاثة شهداء، وسط حزن عام عمّ البلدة، التي لا تزال شوارعها شاهدة على المجزرة.

ويندرج هجوم كفر مالك الدموي، في إطار تصاعُد الهجمات الإرهابية للمستوطنين، الذين باتوا يحظون بغطاء استثنائي، يجعل من كل الأحداث التي جرت سابقاً، بمثابة «رأس سنام الجمل»، نظراً إلى ما هو قادم مستقبلاً. ويطاول الإرهاب هذا، الضفة الغربية، من شمالها إلى أقصى جنوبها، وهو إنْ كان سابقاً يقتصر على إلقاء الحجارة على منازل المواطنين، أو مركباتهم أو سرقة مواشيهم، فإنه بات اليوم أشبه بعمل عسكري تنفّذه عصابات مسلّحة، تشنّ هجمات على القرى والبلدات وتطلق النار وتقتل المواطنين وتحرق المنازل والقرى، في تماهٍ مع العصابات الصهيونية التي احتلّت فلسطين عام 1948.

ويتملّك المستوطنين شعورٌ بأنهم باتوا أقرب من أيّ وقت مضى من إقامة «دولة يهودا» في الضفة، وهو ما يعملون على تكريسه أمراً واقعاً، مستفيدين من التسهيلات التي توفّرها لهم حكومة اليمين المتطرّف، من خلال توظيف طاقاتها وإمكاناتها دعماً للمشروع الاستيطاني هناك.

ويأتي الهجوم على كفر مالك فيما لا تزال ذاكرة الفلسطينيين تحفظ صور الهجمات على قرى جيت وترمسعيا وبيتا وحوارة والمغير وغيرها العشرات، ما يعزّز حقيقة أن المستوطنين باتوا يعملون بشكل منظّم، وفق ما أكّدته شهادات المواطنين في البلدة، والذين أفادوا بأن المهاجمين انقسموا، مع بدء الاعتداء، إلى ثلاث فرق، كل منها كانت موكلة بمهمّة. ووصل عشرات المستوطنين على متن 15 مركبة، بعضهم مسلّح بأسلحة خفيفة، وبعضهم يحمل زجاجات حارقة، وآخرون مهمّتهم رشق الحجارة. أمّا قوات الاحتلال التي وصلت إلى أطراف القرية، فلم توقف الاعتداء، بل وفّرت غطاءً للمستوطنين، وشاركت في إطلاق النار، ما أدّى الى استشهاد ثلاثة شبان.

تأسّست، خلال الفترة الماضية، الأرضية التي تدفع المستوطنين إلى ارتكاب هجمات أكثر عنفاً ودموية

هذه المجزرة، وقبلها مجزرة دوما التي أحرق خلالها مستوطنون عائلة بكاملها داخل منزلها، وعشرات الهجمات الإرهابية، باتت تثقل كاهل الفلسطينيين، وتضعهم أمام واقع لطالما حاولوا الهروب منه أو تجنّبه. وفي المقابل، لم تغادر القيادة الفلسطينية مربّع الإدانة والشجب اللذيْن يتكرّران مع كلّ اعتداء، من دون أن تقدّم إجابة حقيقية أو واضحة حول كيف يحمي الفلسطينيون أنفسهم من عصابات المستوطنين.
وإلى جانب الهجوم على كفر مالك، سُجّل مؤشر جديد في تزايد توحش المستوطنين، وذلك فجر أمس في مدينة نابلس، حيث اقتحم مستوطنون مشياً على الأقدام، قبر يوسف، من دون أيّ حماية، في وقت كان فيه جيش الاحتلال ينشر مئات الجنود في المنطقة، حينما كانت مجموعات المقاومة تعمل في المدينة لتأمين هذا الاقتحام.

ويبدو ممّا جرى في نابلس، أن المستوطنين سينتقلون من الاقتحامات المُعلن عنها تحت حماية الجيش، إلى التسلّل إلى داخل المدن والأحياء في التجمّعات السكانية الكبيرة، بدلاً من أطراف القرى والبلدات، لافتعال مواجهات مع الفلسطينيين، ومن ثم تصدير سردية عنوانها أن ما يجري في الضفة عبارة عن مواجهات وصدامات بين «شعبَين» فلسطيني وإسرائيلي، وأن الجيش إنّما يتدخّل لمنع الصدام، في استجلاب لسياسة الانتداب البريطاني في فلسطين قبل 1948.

وبالفعل، فقد تأسّست، خلال الفترة الماضية، الأرضية التي تدفع المستوطنين إلى ارتكاب هجمات أكثر عنفاً ودموية، ليس بسبب تسليحهم، ومنحهم الضوء الأخضر سياسيّاً وعسكريّاً، واستنادهم إلى خطط استراتيجية للتوسّع والبناء فحسب، ولا إلى البدء بمرحلة التنظيم والتنسيق والتدريب على ارتكاب هذه الهجمات أيضاً، وإنّما كذلك لغياب إستراتيجية فلسطينية وخطة وطنية وقرار سياسي بمواجهة تلك الاعتداءات، وترك المواطنين يواجهون الأخطار بمفردهم.

ويترافق تصعيد المستوطنين مع عمل سياسي وقانوني تضطلع به حكومة بنيامين نتنياهو، ومجالس المستوطنات، لتسريع الجهود لضمّ الضفة الغربية وإعلان السيادة عليها. وفي هذا الإطار، تستمرّ عمليات مصادرة الأراضي وهدم منازل الفلسطينيين، وتهجير البدو وسكان التجمعات البدوية والمناطق المهمّشة، بينما ذكرت مصادر عبرية أن خطّة فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة باتت جاهزة، وقد حملها رئيس مجلس مستوطنات الضفة إلى الإدارة الأميركية.

وبحسب المصادر العبرية، تتضمّن الخطّة ضمّ 65% من أراضي الضفة، وهذه النسبة أكثر بـ3% من مساحة المناطق المصنّفة «ج»، فيما يجري تحويل ما تبقّى من أراضٍ، إلى 20 كنتوناً فلسطينيّاً شرط ألّا تشكل معاً كياناً وطنيّاً فلسطينيّاً موحّداً، وذلك ترجمةً لرؤية وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، الذي يريد تقطيع أوصال الضفة بما يئد أيّ فرصة لـ»حل الدولتين».

أما وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي وعضو «الكابينت»، إيتمار بن غفير، فقد أعدَّ خطّة أمنية شاملة للضفة الغربية في اليوم التالي للحرب على إيران، تهدف إلى تغيير قواعد اللعبة فيها، مطالباً بتنفيذ القواعد العامة للهجوم على إيران، على مراكز المقاومة في الضفة. وطالب بن غفير، في خطّته، بتنفيذ هجمات من الجو على مسلحين في نشاطات عامّة مثل الجنازات والمسيرات، وسنّ قانون إعدام على منفّذي العمليات، وفرض عقوبات اقتصادية ومدنية شاملة على السلطة الفلسطينية إلى درجة الشلل الشامل، ورفع مستوى الحصار والإغلاق على المدن والقرى الفلسطينية ذات العلاقة بعمليات المقاومة، وتصفية ممنهجة للفصائل الفلسطينية.

الاخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب