نتنياهو يُخفي مآزقه في عبّ أبراهام

نتنياهو يُخفي مآزقه في عبّ أبراهام
انتشرت أخيراً على مواقع التواصل الاجتماعي صورة لحملة إعلامية أطلقها «الائتلاف الإسرائيلي للأمن الإقليمي»، تهدف إلى إعادة إحياء مسار «اتفاقات أبراهام»، التي شكّلت منذ 2020 الإطار الرسمي لتطبيع العلاقات بين عدد من الدول العربية وكيان الاحتلال.
ظهر في اللافتة، التي رُفعت في تل أبيب يوم الأربعاء الفائت، صور الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ورئيس الإمارات محمد بن زايد، وسلطان عمان هيثم بن طارق، وملك البحرين حمد بن عيسى، وملك المغرب محمد السادس، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، والرئيس السوري أحمد الشرع، وحتى الرئيس اللبناني جوزيف عون في تعبير فجّ عن رغبة إسرائيل في فرض خريطة إقليمية جديدة.
في بيانها الترويجي، أكدت الحملة أنّ على إسرائيل «تحويل الإنجاز العسكري في الحرب ضد إيران إلى مكسب سياسي»، مضيفة: «هناك وقت للحرب، وهناك وقت للتسوية. لقد حان وقت ميثاق إبراهيم».
تزامن إطلاق الحملة مع تصريحات المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، الذي أشار إلى أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لا يزال يسعى إلى توسيع رقعة اتفاقات التطبيع، تحديداً مع «دول قد لا يتوقعها كثيرون أن تنضم إلى اتفاقات إبراهام».
تحالف للتطبيع بدعم أميركي
تأسّس «الائتلاف الإسرائيلي للأمن الإقليمي» عام 2024، بهدف خلق واقع سياسي وأمني جديد في المنطقة، بعد سلسلة الحروب والمجازر التي شنتها إسرائيل على عدد من الدول العربية.
يضم الائتلاف أكثر من 100 شخصية من كبار الضباط والمستشارين الأمنيين والديبلوماسيين الإسرائيليين السابقين، ويعمل تحت عنوان «ترسيخ التعاون الأمني مع الدول العربية المعتدلة»، خصوصاً تلك التي وقّعت اتفاقات تطبيع مع إسرائيل مع التركيز على «دفع مسار التطبيع مع السعودية».
كما يسعى إلى تشكيل «كتلة أمنية – استخباراتية – اقتصادية» بدعم مباشر من الولايات المتحدة والدول الغربية.
على الصعيد الأمني، يطرح الائتلاف خطة لتثبيت الهدوء على الجبهتين اللبنانية والسورية، عبر تنفيذ القرار 1701 في جنوب لبنان، ومنع إعادة تسليح «حزب الله»، وخلق منطقة منزوعة السلاح في الجولان، لمنع ما يسميه بـ«تموضع إيران وميليشياتها».
أما على الصعيد الفلسطيني، فيدعو إلى فصل تدريجي عن الفلسطينيين، مع استبعاد أي دور لحركة «حماس» في مستقبل الحكم الفلسطيني.
تطبيع بالقوة
تحاول إسرائيل في هذه الحملة إعادة تقديم نفسها كقوة «مخلّصة» لشعوب المنطقة من «الإرهاب» وأخيراً من النووي، مدّعيةً أنها الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط.
ولكن هذه ليست المحاولة الأولى، فقد سبق لإسرائيل أن سوّقت نفسها كملاذ آمن لمجتمع الميم، وكدولة تحترم حقوق النساء، في وقت لا تتردد فيه باستخدام أقصى درجات العنف والقتل ضد سكان غزة ولبنان وسوريا اليمن وإيران. اليوم، يتخذ «الخلاص الإسرائيلي» بُعداً اقتصادياً أوضح من ذي قبل، في ظل الأزمات العميقة التي تعانيها دول مثل لبنان وسوريا، إذ يُروّج للتطبيع باعتباره مدخلاً للرخاء والازدهار.
وقد رُفعت لافتات الحملة تحت شعار: «فرصة جديدة لشرق أوسط جديد»، في استعادة واضحة لخطاب التسعينيات الذي أطلقه شمعون بيريز بعد توقيع اتفاق أوسلو، والذي يقوم على فكرة أن السلام الإقليمي لا يمكن أن يتحقق إلا عبر الاعتراف بإسرائيل وتطبيع العلاقات معها.
وترى إسرائيل، في حروبها المتكررة على دول الجوار، فرصة لفرض رؤيتها لمستقبل المنطقة. ومع استمرار الاعتداءات الإسرائيلية شبه اليومية على لبنان وسوريا، تتجرأ الدعاية الإسرائيلية على الترويج للتطبيع مع هاتين الدولتين باعتباره «الخيار الحتمي».
«اتفاقات إبراهام»: موجة تطبيع بثمن سياسي
تُعد «اتفاقات إبراهام»، التي أُعلن عنها في عام 2020، النموذج الأوضح لاتفاقات التطبيع العلني بين بعض الدول العربية وإسرائيل، وُصفت بأنها «موجة جديدة من السلام» في الشرق الأوسط.
وقد حمل اسم الاتفاق إشارة رمزية إلى النبي إبراهيم، الجامع بين الديانات التوحيدية الثلاث، في محاولة لإضفاء شرعية دينية وثقافية على المشروع. نصّت الاتفاقيات على مبادئ عامة كـ«تعزيز السلام»، و«التسامح الديني»، و«مكافحة التطرف»، إلى جانب التعاون في مجالات متعددة كالتكنولوجيا والطاقة والتعليم والطب والتجارة.
وفتحت الباب أمام علاقات ديبلوماسية كاملة، من تبادل السفراء إلى افتتاح السفارات وتوقيع اتفاقيات أمنية وتجارية. لكن هذه المبادئ لم تكن إلا غطاءً لسلسلة من التفاهمات السياسية والأمنية.
فقد حصلت بعض الدول على حوافز مقابل انضمامها إلى الاتفاقات، مثل اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، وتعهّدها بتزويد الإمارات بمقاتلات F-35.
ما يعكس أن الاتفاقات لم تكن اتفاقات سلام بقدر ما كانت صفقات مبنية على تبادل مصالح. وبعدما أعاقت عملية «طوفان الأقصى»، في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، مسار التطبيع، يحاول الاحتلال إظهار أن الهدف بات يتجاوز إحياء مسار سياسي متعثر، ليصل إلى محاولة فرض واقع إقليمي جديد، يُدمج فيه الاحتلال الإسرائيلي قسراً في نسيج المنطقة، فوق إبادة مستمرة في غزة منذ حوالى عامين.





