تحقيقات وتقارير

بعد نقل رئيسة الحزب الدستوري عبير موسي لسجن آخر… تواصل الجدل في تونس حول المحاكمات السياسية في ظل أزمة مستفحلة

بعد نقل رئيسة الحزب الدستوري عبير موسي لسجن آخر… تواصل الجدل في تونس حول المحاكمات السياسية في ظل أزمة مستفحلة

روعة قاسم

تونس أثار نقل زعيمة الحزب الدستوري الحر في تونس عبير موسي مؤخرا إلى سجن بُلاريجيا بولاية جندوبة شمال غربي البلاد، الكثير من الجدل في ورأى فيه البعض تنكيلا بالمحامية والناشطة السياسية المعارضة لمنظومة الحكم. حيث أن عائلة عبير موسي تقطن في العاصمة تونس وكانت رئيسة الدستوري الحر قريبة منهم في سجن منوبة، فتم نقلها لاحقا إلى سجن بلي بولاية نابل شمال شرقي البلاد، ثم إلى سجن بولاريجيا غير بعيد عن الحدود التونسية الجزائرية.
وبلاريجيا المدينة الأثرية الملكية النوميدية التاريخية التابعة اليوم لولاية جندوبة بحسب التقسيم الإداري التونسي، يبدو أنها باتت عنوانا للإيقافات ولانتقادات فريق دفاع عبير موسي الذين يرون في إيداع موكلتهم بسجن هذه المدينة ظلما وتنكيلا بها.
لقد عبّرت هيئة الدفاع عن موسي عن قلها إزاء تداعيات هذا النقل على سلامة موكلتها ووضعها القانوني، ولم تقم بكشف الأسباب التي دفعت إلى اتخاذ هذا الإجراء الذي وصفته الهيئة بـ”الخطير”. كما لم توضح السلطات القضائية ولا إدارة السجون بدورها أسباب هذا القرار الذي قد يجعل زيارة موسي من قبل فريق دفاعها أو أفراد عائلتها أمرا شاقا بالنظر إلى بعد المسافة عن العاصمة.
وللإشارة فإن عبير موسي كانت قد اشتكت في وقت سابق في رسالة من منعها من النفاذ إلى بعض الخدمات ورفض تسلم إدارة السجن لمطالبها والرد على استفساراتها، ووصفت ظروف احتجازها بأنها غير إنسانية. كما أكدت رئيسة الحزب الدستوري الحر أنها قضت 24 ساعة بدون طعام أو دواء أو نوم بانتظار النظر في تظلّم تقدمت به معتبرة أن عقوبتها مخالفة للفصل 15 من القانون الجزائي التونسي.
واعتبرت عبير موسي أن ما يحصل معها هو تصفية حسابات سياسية وأن الحكم الأخير الصادر ضدها بسجنها لسنتين هو”انحراف خطير في مفهوم المواطنة وتوظيف الدولة لأدوات القوة”، على حد تعبيرها. وأكدت في رسالتها أيضا على أن إدارة السجن لم تمكنها من عدد من الحقوق على غرار لقاء المحامين وتسلم المراسلات وغيرها خاصة بعد أن حكم عليها يوم 12 حزيران/يونيو الماضي بالسجن لمدة عامين، إثر شكاية تقدمت بها ضدها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.
وبدورها نددت هيئة الدفاع في وقت سابق بعدم تمكين إدارة السجن لعبير موسي من حقها في تقديم مطلب استئناف للحكم المشار إليه، كما تم تحديد حق الزيارة لكل محام بزيارتين فقط في الأسبوع. فقد تم، حسب الهيئة، رفض تمكين المحامين الذين زاروا عبير موسي في وقت سابق من بطاقات زيارة بتعلة استيفاء حقهم في الزيارة، وهو ما اعتبره محامو موسي بدعة لم تعرفها المحاماة من قبل.
وسعت هيئة الدفاع عن موسي إلى الاستنجاد بهياكل مهنة المحاماة التونسية لوقف هذه الممارسات بحق المحامين على حد تعبيرها. كما أنها هددت في بيان قامت بإصداره بمقاضاة من قاموا بالتجاوزات بحق موكلتهم.

جدل واسع

ويعتبر أنصار موسي أنها لم ترتكب جرما يذكر حتى تتم محاكمتها وإيداعها بالسجون من الأساس، وكل ما في الأمر أنها ذهبت إلى القصر الرئاسي بقرطاج لنيل ما يفيد من مكتب الضبط أنها قدمت طلبا في إلغاء أحد المراسيم لتذهب لاحقا إلى المحكمة الإدارية لتقديم قضية في إلغاء المقرر الإداري مثلما ينص عليه القانون. بينما يرى أنصار الموالاة أنها انتهكت حرمة رمز من رموز السيادة التونسية وهو القصر الرئاسي بقرطاج الذي لا يجب أن يعامل معاملة إدارة عادية حتى وإن لم يمنع القانون إمكانية الحصول على ما يفيد إيداع تظلم لدى مكتب الضبط، ناهيك عن أنها برأيهم قد أثارت الشغب أمام القصر الرئاسي الذي يجب أن يحظى بالهيبة.
ويطرح ما يحصل مع عبير موسي تساؤلات بشأن مستقبل البلاد في ظل وجود قادة الأحزاب الهامة فيها في السجن وعدم تحمس السلطة الحالية إلى تشريك الأجسام الوسيطة على غرار الأحزاب والنقابات والمنظمات في الحكم. كما يطرح السؤال بشأن هذه المحاكمات الحاصلة لأقطاب المعارضة والتي تم الاختلاف بشأنها بين أنصار المعارضة والموالاة حول مدى عدالتها واستجاباتها للمعايير المتعارف عليها في المحاكمات العادلة.
فمحاكمات عبير موسي فيما يتعلق بقضية القصر الرئاسي أو القضية التي أثيرت بعد الشكاية التي تقدمت بها ضدها الهيئة المستقلة للانتخابات ليست الأولى لمعارضي الحكم في البلاد بعد 25 تموز/يوليو 2021 ولن تكون الأخيرة على ما يبدو. وهناك خلاف كبير بين التونسيين بشأنها بين من يرى استهدافا للحياة السياسية وللديمقراطية في البلاد وبين من يرى فيها ضرورة لحفظ الأمن والاستقرار بعد سنوات من الفوضى تسببت في كوارث اقتصادية واجتماعية جمة.
حسام الحامي الناطق باسم “ائتلاف صمود” المعارض قال لـ”القدس العربي”: “إن ما يحصل اليوم في تونس لم نره سابقا، فكل ما مررنا به من تجارب زمن بورقيبة وبن علي أيضا من محاكمات سياسية وقمع للمعارضة في العديد من المراحل، ولكن عندما يتم سجن معارض يحصل ذلك في إطار احترام الحد الأدنى للكرامة الإنسانية وحق السجين في ظروف معقولة. ولكن ما يحصل اليوم من تنكيل للمساجين وتفريقهم وإبعادهم عن العاصمة هي عقوبة جماعية ليس فقط للسجين -الذي هو معتقل رأي ومعتقل لأفكاره -بل العقوبة هذه هي ظلم آخر لعائلات السجناء وأطفالهم وأبنائهم وأيضا تنكيل بمحامي الدفاع الدين يتعاملون مع سجناء الرأي وباتوا يتحملن مشقة الانتقال لمسافات بعيدة للالتقاء بهم”. وأضاف: “وبالتالي هذه ممارسات لم نعهدها سابقا أبدا. فالمحامية عبير موسي معتقلة سياسية بناء على تصريحات أدلت بها ومواقف معارضة، نجدها تُنقل في مرحلة أولى إلى سجن بنابل ثم في مرحلة ثانية إلى سجن بيلاريجيا في جندوبة أي تبعد لمسافة أكثر من مئتي كيلومتر عن العاصمة وهذا يصعب الوضع على بناتها وعائلتها.” وأضاف: “أن هذه المظلمة لا تتعلق فقط بعبير موسي بل هناك أيضا سجناء للرأي مثل الإعلامي مراد الزغيدي الذي تجاوز الـ 400 يوم في السجن، وغيره من سجناء الموقف”.
وكانت مريم الزغيدي شقيقة مراد الزغيدي قد صرحت لوسائل إعلام محلية بانه تمّ التمديد بمدة الاحتفاظ بمراد الزغيدي لأربعة أشهر أخرى في الوقت الذي كانت عائلته تنتظر الإفراج عنه بعد انتهاء مدة الاحتفاظ به لمدة ستة أشهر خلال حزيران/يونيو الجاري. وأضافت: “أن العطلة القضائية على وشك البدء في تونس وسيتم خلالها تجميد المسار القضائي وسيبقى مراد الزغيدي في السجن بدون أي اعتبار للمسائل الإنسانية. وما يحصل هو تشف لمن عبّر عن فكرة خاصة. ان مراد هو صحافي قام بعمله لا أكثر ولا أقل”.
من جهته، يرى الخبير والباحث التونسي في العلوم السياسية وليد بن يوسف في حديثه لـ”القدس العربي” أن ما يحصل في تونس اليوم ما كان أحد يتوقع حصوله فيما مضى. حيث أن فرقاء الأمس القريب، أي الدساترة الذين حكموا البلاد قبل الثورة والإسلاميين الذين حكموا بعدها، والذين عرفا بالعداء التاريخي، رئيسا حزبيهما الكبيرين في السجن وحكم عليهما في قضايا بعد 25 تموز/يوليو.
ويضيف: “كما أن ما كانت تسمى سابقا بالقوى الديمقراطية كثير من قياداتها في السجن أيضا على غرار عصام الشابي عن الحزب الجمهوري وغازي الشواشي عن الديمقراطي وخيام التركي عن حزب التكتل من أجل العمل والحريات. وإذا نظرنا إلى الأزمة السياسية التي يعيشها الاتحاد العام التونسي للشغل وساهمت في إبعاده عن دائرة الضوء سياسيا، وسواء أكانت الأزمة حصلت أو لم تحصل فقد أريد له الابتعاد، لسائل أن يتساءل من سيعارض ويصوب قرارات السلطة التنفيذية؟”.
وتابع بالقول: “إن النظام التونسي الحالي لا يؤمن بالأجسام الوسيطة في إدارة شؤون الحكم، والدليل أن الرئيس قيس سعيد لم يؤسس حزبا سياسيا ليمارس السلطة من خلاله، وأي حاكم يبقى بحاجة إلى معارضة لتتصدى للأخطاء الحاصلة وتنتقدها وتقدم البديل عنها”. وأضاف: “صحيح أن الأحزاب السياسية التونسية ومن خلال حكمها التشاركي فشلت في إدارة شؤون الدولة خلال السنوات الماضية وأوصلت البلاد إلى الحضيض اقتصاديا واجتماعيا، ولكن ذلك ليس مبررا للتخلص من الأجسام الوسيطة، حيث كان على هذه الأحزاب والمنظمات التي اشتركت في الحكم أن تقرّ بأخطائها وتقوم بمراجعات، وكان أيضا على السلطة أن لا تقصيها حفاظا على المسار الديمقراطي وصونا للحقوق والحريات”.

-«القدس العربي»:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب