الكاتب المصري أحمد زغلول الشيطي: الرواية نَص يتشكّل وفق وعي صاحبه

الكاتب المصري أحمد زغلول الشيطي: الرواية نَص يتشكّل وفق وعي صاحبه
محمد عبد الرحيم
القاهرة ـ بداية من نشر أولى رواياته «ورود سامة لصقر» عام 1985، التي جاءت كنغمة مغايرة أضافت للسرد المصري والعربي، لم يكتب الروائي المصري أحمد زغلول الشيطي ـ مواليد 1961 ـ سوى روايتين، «صخرة هليوبوليس» 2019، و»نقش قدم» 2025. إضافة إلى 3 مجموعات قصصية. ورغم هذا الإنتاج الشحيح، الذي يبدو أنه رؤية ووجهة نظر صاحبه في مسألة الكتابة ذاتها، إلا أنها جاءت كأعمال شديدة التأثير، سواء على مستوى التلقي أو النقد. بهذه العبارات قدّم الناقد والأكاديمي خيري دومة الندوة التي أقيمت في مكتبة تنمية، لمناقشة رواية «نقش قدم»، بمشاركة الكاتبة سمر علي، وحضور المؤلف. وقد جاءت الندوة أقرب إلى نقاش الكاتب حول رؤيته للكتابة وجمالياتها.
البناء الدائري
أشارت الكاتبة سمر علي بداية إلى (البناء الدائري) في الروايتين الأخيرتين للشيطي، «صخرة هليوبوليس» و»نقش قدم»، بخلاف البناء السردي في روايته الأولى «ورود سامة لصقر»، وبينما يبدو البناء كالكتل في هوليوبوليس، يبدو كالمنمنمات في «نقش قدم». ويرى الشيطي أنها ملاحظة صحيحة وفي محلها، فالطريقة الدائرية في الرواية تربط أواصر العمل، الذي يحتوي على أكثر من عالم، كما يخلق حالة من التوازي، التي لا يحققها التعاقب الخطي في سرد الأحداث. ويضيف، أن كل نزوع في الكتابة يحاول هندسة النزوع إلى الشكل بطريقة ما، حتى يستطيع تقديم هذه الشحنة دون أن يخون نظرته إلى العالم. فالشكل الدائري يعطي الفرصة لتقديم العوالم والإحاطة بها، وأظن أنها لو نجحت سيصبح لها وقع مؤثر.
كذلك يرى خيري دومة بدوره أن «نقش قدم» أقرب إلى مجموعة قصص، أو لقطات، وهي بهذا الشكل تعبر بطريقة أعمق من الرواية الخطية، فالعالم متكسر غير متماسك، بعيداً عن الحكاية الواحدة أو الملحمة، فالعالم مبعثر بالأساس، بداية من العنوان والفصول المعنونة بـ(دفاتر)، دفتر أول وثان وهكذا، دون (ألـ) التعريف. فالعالم الروائي هنا مكون من طيف واسع من الزمن في مواقف مختلفة.
الأسلوب
وتعلق سمر علي على طبيعة النص المفتوح، الذي لا ينتهي بنهاية الحكاية أو العملية السردية. فهل هذا مقصود؟ إضافة إلى الدقة والاقتصاد في اللغة، دون عدم اكتمالها إلا من خلال القارئ. هنا يرى الشيطي أن الأسلوب لا حيلة للكاتب فيه، فهو اختيار شخصي عميق وغير واع، شعور الكاتب وتفاعله مع العالم، من خلال القراءات والمعايشة، وهو ما يعكس اختيار الشخص كيفية التعامل مع اللغة الفنية.
اعتيادية الموت
وتتساءل علي عن كيفية التعامل مع الموت في الرواية بصيغ بسيطة، وكأنه حادث عادي ومتكرر، وهو ما أكده دومة بدوره، حيث يرى الموت حاضراً في تفاصيل وأجواء الرواية ككل، كخلفية تحيط كل الأحداث، فالموت هنا له حضوره المؤلم، دون أن ينجرف إلى الميلودراما. ويقول زغلول الشيطي، أظن أن الأشياء الحقيقية أو المهمة من الصعب التعبير عنها، وأهمها (الموت)، فالافتعال الجارف يحرق القدرة على الأداء الفني، بما يحترم الشكل، فالمادي غير المسيطر عليه يحكم اللغة. فصنعة اللغة كأداة لتفتيت هذا الشعور الجارف كشكل من أشكال السيطرة على مأساة غير قابلة للسيطرة عليها في الواقع.
الشكل الروائي
وتُلفت سمر علي إلى وجود عدة نصوص قديمة في الكتاب. وبدوره يرى دومة أن الرواية عالم من الشذرات، وهي أشبه بروايات السيرة الذاتية الجديدة، وكما قيل لا توجد كتابة في العالم لا تخلو من سيرة ذاتية. فـ»نقش قدم» إحساس بأن العالم في طريقه للنهاية.
يرى الشيطي أن صيرورة الحياة قد تتقاطع والسيرة الذاتية، أو سيرة الكتابة وتطوري الشخصي. فالرواية نص يتشكل وفق وعي صاحبه. سجل لتطوره الشخصي، وفي تعامله مع اللغة والكتابة كعملية فنية. ويضيف، أعتقد أن الشكل الروائي هو فرصة لدمج عناصر قد تكون متباعدة، وهو الأكثر قدرة على إعطاء صورة للعالم، صورة خاصة من وجهة نظر الكاتب، فالشكل الروائي شكل معطاء، ويعطي فرصة لتعدد مستويات الأداء اللغوي. ويستشهد الشيطي بـ»ورود سامة لصقر»، التي تعتمد أسلوب الأصوات المتعددة (ناهد، تحية، صقر، يحيى) فالشخص الذي ينتمي إلى بيئة اجتماعية توفر له بدهيات الحياة من مأكل ومسكن، يمتلك لغة خطيّة متصالحة مع العالم، لغة جاهزة إلى حدٍ كبير. أما الشخصيات الأخرى التي لا تمتلك تلك البدهيات، والتي لا تأمن على حياتها، فهي ذات مستوى صعب ومعقد، فاللغة لديها جنوح حاد، يكسر شكل اللغة المستقرة، لتصبح لغة متقطعة، وليست متسلسلة خطياً، وكأنها أشبه بالمتفجرات، تماماً كشخصية صقر عبد الواحد، كمثقف ومنفي بشكل ما. فالتجربة الروائية تقدم نظرة جمالية تشير بقوة للأزمنة التي نعيشها الآن.
«القدس العربي»: