مقالات
مقاربة ثقافية أنثروبولوجية بقلم الاستاذ الدكتور عزالدين الدياب -استاذ جامعي -دمشق –
بقلم الاستاذ الدكتور عزالدين الدياب -استاذ جامعي -دمشق -

مقاربة ثقافية أنثروبولوجية
بقلم الاستاذ الدكتور عزالدين الدياب -استاذ جامعي -دمشق –
تمر بالإنسان حكايات وقصص وأحداث،وحسب رؤية واضع المقدمات لعلم الإنسان(الأنثروبولوجيا)وعلم الاجتماع أستاذنا ورائدنا ابن خلدون مفهوم ومصطلح الواقعات البنائية،نسبة للبناء الاجتماعي .
ومن هذه الحكايات الواقعات السياسية،التي حدثت غداة توزيع الأراضي،بموجب قانون الإصلاح الزراعي،في عهد الوحدة بين سوريا ومصر،التي خسرتها،الأمة العربية،في معركة مصيرها.
كانت الواقعة الإصلاحية الزراعية في الغاب،إذا جاز هذاالتعبير،حيث أقدم بعض من كان يحسب على أستاذنا
أكرم الحوراني،ممن يسمون من أصحاب الياقات البيضاء،على استئجار الأراض ألموزعة على الفلاحين.
وكانت هذه الواقعة محل نقد من قبل العقول النيرة،التي رأت فيها إساءة لحزب البعث العربي الاشتراكي،وللأستاذ أكرم،وكان في طليعة من نقدها شجعان أبناء الريف ممن يحسبون على
البعث،وعلى خط أكرم في البعث.
وأذكر للتاريخ أصدقاء العمر،خالد الهويس،وابراهيم الخليل،بغض النظر على المسيرة السياسية التي انتهى إليها إبراهيم،حيث مشى مع تبدلات وتقلبات ناسني آنذاك بالبعث،
والبعث بريء من هذا النظام إلى يوم القيامة أقول إنً هؤلاء الأصدقاء من انتقد بشدة تلك الواقعة،وكان الصديق المرحوم خالد الهويس أن أرسل لي رسالة إلى القاهرة عاصمة الجمهورية العربية المتحدة،حيث كنت طالبا في قسم علم الاحتماع كليّة الاداب-جامعة القاهرة،وبادلته الرسائل نقداً.
وعندما قدمت إلى سوريا والتقيت في قرية بسيرين،مكان ولادتي وطفولتي،ومعلمتي في النضال من أبو الدّوش وأقرانه إلى الشيخ الفلسطيني طه الخطيب الذي علمني حب وعشق فلسطين،وبحضور والدي حج حسن الذي شبه أكرم الحوراني بالخليفة عمر،ونحن نتكلم نقدا،وتتعلم الدروس من الأخطاء لظاهرة اسئحار الأراضي الموزعة على الفلاحين بالغاب تدخل والدي،خصماً للنقاش ومحاولة منه تهدئتي،قائلاً:كله من بعض.
كله من بعض،وكلًه من بعض،تعني إن من أستأجر الأراضي من قبل هذا الميسور مالياً وذاك المحامي،هم من هذا المجتمع بمعنى آخر، يريد أن يقول أن من أقدم على استئجار الأرض،هم سواسية مع من ينتقد ظاهرة واقعة الإصلاح الزراعي.
وبعض المكان-بعضاً،و”بعض الشيء:جزأه-المعجم الوجيز-القاهرة-1992-ص59.
وحكاية كله من بعض لم تنته،وإنما إذا أخذناها في عالم اليوم،وفي أعقاب التغيير الذي قامت به هيئة تحرير الشام ،وتابعنا ما يجري من إعادة تكوين الجيش إلى تشكيل الوزارة والمجالس،وتوزيع الوظائف الكبرى والصغر،و…إلخ يتم ويمر في إطار بناء الدولة السورية،دولة السلطة،وليس سلطة الدولة،
وحتى إذا عكسناها،فالأمر لايختلف،لأنّ كل هذا يمر ويتم بعقلية انتقائية،وما للانتقاء من مخاطر تمس الأمن الوطني،وجعل الدولة حكراً لتشكيل قبلي ميليشياوي،له عصبيته الحاملة للأقسام،بفعل قانون صراع العصبيّات بموجب مستويات القربى التي تحكم البناء الاجتماعي لهيئة تحرير الشام.
والعقلية الانتقالية،عقلية لها سندها الثقافي التراثي الذي فيه الكثير من قيم وعادات وعصبيات العائلة والعشيرة والقبيلة، أو لنقل قيم البداوة،وهذه الثقافة،تشمل في نهاية الأمر المحدد لاختيارات العقلية الاختيارية. وإذا عدنا إلى هذه الخيارات وتوابعها وسندها ومحددها الثقافيّ،فسنعود للأسف إلى مقولة “كله من بعض”وهذه الكل من بعض نراها بوضوح في اختيارات صاحب القرار ،ومن في معيته،التي فيها الماضي والحاضر،والتي فيها عهد التغيير ،والعهد الذي غير،والذي تعيده عقلية الانتقاء،التي هي في نهاية
الأمر،فيها من ذهنية المستبد الشيء الكثير.
ونسأل والسؤال يتبع من عقليتنا التقدية التي ثقفتها سنوات العمر من النضال،كنا نحسب فيها،ممن يدفع الغرم ويرفض الغنم،أين من ناضل من المنتمين إلى التيار القومي العربي،للثامن من آذار،وتوابعها المدمرة من حركة شباط وانتهاء بعهد عائلة الأسد،ومن في معيتها.نعم أين هؤلاء من عقلية الانتقاء،علما أن من قاوم عهد الثامن من آذار وتوابعها،كانوا الطليعة من أبناء البعث التاريخي،ومن دخلوا السجون وعرفوا وعاشوا المهجر والتهجير، ودفعوا الثمن من أرواحهم ،شهداء،واسألوا التاريخ فهو وحده من يملك الإجابة الصادقة والتاريخ بصدقه لايرحم.
وتظل الأطروحة الشعبية :”كُلُّه من بعضه”تذكرنا بعهد لاقى الشعب السوري منه الويلات.. العهد الذي مضى
د-عزالدين حسن الدياب.