أبومعاذ مناضل من طين!

أبومعاذ مناضل من طين!
في حياة المناضلين إيمان وإلهام. فحيث وجد الإيمان انطلق الإلهام، وحين يستقر الإيمان تبرز القوة الدافعة من عمق هذا الإيمان سواء الإيمان الديني، او الفكري العام، أو الإيمان بالأرض والوطن والدار والجمال والفَنَن.
في الشجرة التي تجاور بيتك منغرسة بالأرض طاقة كامنة تنقلها لجميع المظلومين أوالمستضعفين المرابطين في كل صباح يستقبلونها مع كل حفيفٍ (صوت الأشجار) مقرونٍ بأجمل تحية غير عابرة.
في مسيرة الثوار مجاميع من الناس تلتصق بإيمانها الفطري بالله سبحانه وتعالى وإيمانها الفطري بقدرة هذه الأرض، وتراب هذه الأرض، على أن تعكس نفسها في ذات المؤمن، فيتحول هو والطين كيانًا واحدًا ينطلق مُشِعًا ليجعل من المحيط الملتصق بالنبتة والزهرة والشجرة سعادة الكائنات، فيسعدُ الانسان. وكيف لا وهو والأرض الطيبة قد تشكلا معًا وما انفصل عنهما الا الشارد أو الشاذ أو النبت الشيطاني الغريب عن هذه الأرض.
في رحلة الفدائي مواقف عديدة ومساحات يتجلى فيها الإيمان والإلهام والعطاء والابداع، فإن كان لنا في الثورة الفلسطينية إلهام قد أنطق الحجر فشكل ثورة وانتفاضة ومقاومة، فإن لياسر عرفات جوهر إلهام لا يعرفه الا من عاشوا معه، فأخذ منهم عهد الثوار وسار بهم يقطع المفازات والبحر في درب آلام المسيح حتى تحقيق النصر وإشراق الشمس الأكيد.
ما بين إيمان مُعجز وإلهام حاضّ على العطاء اللامحدود كان الروّاد في الثورة أو المقاومة الفلسطينية يسيرون تحفّ بهم الأرياح، والأشجار وأغنيات الحصاد وأناشيد الثوار، وأهازيج النسوة في أعراس الفلاحين، وصوت العصافير، ونسمات الفجر الأنيق، ورائحة مخبوز الفرن المنطلق من تراب الأرض.
إنك تجد الفدائي وهو يجاهد من أجل فلسطين وأهله، يستلهم وجه أمه ونساء فلسطين والأطفال، وينبطح مع بندقيته في مواجهة الشراسة والهمجية والقَتَلة فلا تقذف مخزونها إلا وقاية وحماية لهذا الشعب وحفظًا لدمائه وعيونه من البكاء العظيم.
إن قيامة الفدائي هي لتحرير الأرض وتحرير نفسه وحماية شعبه البطل، فكان لهما فدائيًا وكان لهما يركب الخطر دون أن يعرضهم له.
من رُسُل الإيمان والإلهام، وتجّار العطاء الطوعي والابداع ومن تجليات الطين والزيتون، ظهرت زُمرة لم يشهد لها العالم مثيلًا حتى اليوم هي زُمرة المجاهدين والمناضلين الملهمين.
أنهم الفدائيون من أصحاب أبوعمار وأبوجهاد وأبوالوليد وأبوإياد وأبوطارق وأبوعلي إياد… والقائمة تطول، فإن عرفت منهم عشرة فأنت فائز لا محالة، وإن عرفت منهم واحدًا واقتديت فلك النجاة وفيك النصر القادم.
عدنان جابر أبومعاذ نموذج فتيّ من نماذج هؤلاء الرواد الاوائل ممنا وصفناهم لك، أدرك أن مصيره مرتبط بالأرض فكان إيمانه حاضًا على التقدم، فتشققت يداه ما بين حمل الصخور والبنادق وما بين حفر الخنادق والتنقل بين القواعد وعقول الشبيبة وجيل البناء.
أبومعاذ من التياسير في منطقة طوباس كبير خبراء التدريب وأحد صناع الأجيال والتربية من خلال الممارسة، والكسب الثقافي من خلال القدوة، والتأثير من خلال البسمة الصافية المصاحبة ليد التدريب القاسية الحريصة على النهايات المثمرة.
التحق بالحركة الأم لفلسطين، والبنت لفلسطين حركة فتح لأنه يحب أمه، ويقدسها، كما كل الواقعيين والحالمين على حد سواء عام 1967 وشهد المواقع كلها الى جانب الخالد أبوعمار، كل من موقعه صغيرًا كان أو كبيرًاحتى كانت عملية الدبويا عام 1980 علامة فارقة (ملهمة) في تاريخه لكافة الأجيال، حتى يوم نداء التراب فتواري الطين في الطين عام 2025م.
ما كانت حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح حزبًا حتى يدركها البعض ويتمنع عنها الآخر ولا كانت فصيلًا يُكبسل الفكرة في جوهر عاجز، وإنما كانت فكرة كبيرة عامة وجامعة لذلك تلاقت في إنائها كل الأفكار، تتصارع أحيانًا وتتقاطع أحيانًا أخرى، ولكنها أبدية الهدف وأوحديته نحو فلسطين الهدف والقضية الأساسية، فتجمدت يدا عدنان جابر على بندقيته إلى أن افتكها ليحمل المنجل ويرسم على الأرض ربيع فلسطين.
أبومعاذ يحب الأرض ويمشي على تراب الوطن كأنه يسير بين الأجرام والكواكب متئدًا فرِحًا جذلًا لذلك سار بكل ما يملك من طاقة على قدميه يلقي تحاياهُ العربية على سوريا الكبرى بلاد الشام منطلقًا من لبنان الى سوريا الى الأردن الى فلسطين بلا عتب حتى كانت الخليل مستقره، وكان الحدث الأكبر إجابة على تساؤلات كثيرة لم يكن يمثل العمل الفدائي لها آنذاك الا نقطة في بحر، سرعان ما يتم ابتلاعها، لكنه شكّل تاريخه وصنع إلهامه وشق دربه عائدًا الى حيث اللقاء الواجب مع نداء الأرض.