أحزاب السلاح والمال السياسي يهددان شرعية الانتخابات العراقية رجال دين يدخلون على خطّ الأزمة: بيع البطاقات الانتخابية حرام

أحزاب السلاح والمال السياسي يهددان شرعية الانتخابات العراقية رجال دين يدخلون على خطّ الأزمة: بيع البطاقات الانتخابية حرام
مشرق ريسان
بغداد ـ مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات التشريعية في العراق، المقررة في 11 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، بدأت الأصوات السياسية والشعبية تتصاعد محذّرة من خطورة سيطرة أحزاب السلاح والمال السياسي على إرادة الناخبين، وتحوّل العملية السياسية في البلاد تدريجياً إلى مزاد لبيع وشراء الأصوات والمرشحين والمناصب.
في الأيام القليلة الماضية، أبدت عدد من القوى والشخصيات السياسية العراقية، مواقفها بمقاطعة أو عدم المشاركة في الانتخابات النيابية، مستندة إلى جمّلة من الأسباب من بينها التشكيك باستقلالها أو عدم قدرتها على منافسة الأحزاب النافذة في البلاد.
أبرز تلك المواقف تمثّلت بتجديد زعيم “التيار الصدري” و”التيار الوطني الشيعي”، مقتدى الصدر، موقفه الرافض للمشاركة في الانتخابات و”مقاطعتها”.
وفي “تدوينة” له، تحدث الصدر قائلاً: “مقاطعون.. من شاء فليقاطع.. ومن شاء فليتخذ لشهوة السلطة سبيلا”.
وأضاف: “لن يقام الحق ويدفع الباطل إلا بتسليم السلاح المنفلت إلى الدولة وحل الميليشيات وتقوية الجيش والشرطة واستقلال العراق وعدم تبعيته والسعي الحثيث إلى الإصلاح ومحاسبة الفاسدين وما خفي أعظم”.
قرار عدم المشاركة في الانتخابات لم يشمل الصدر وحده، بل شخصيات سياسية أخرى من بينها الوزير السابق وزعيم تحالف “مستقبل العراق”، باقر الزبيدي، الذي وثّق تحوّلاً في التنافس الانتخابي إلى “ساحة صراع”.
الزبيدي يقول في بيان صحافي، إنه “مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية، تحول التنافس الانتخابي في البلاد إلى معركة وساحة للصراع بين الأحزاب، بل بين الحزب الواحد في بعض المناطق”، لافتاً إلى “انشقاقات وتحولات من المرشحين ومزادات لمنح المرشحين مبالغ مالية مقابل التحول من هذا الجانب إلى الجانب الآخر، حتى وصل الأمر إلى الحديث عن ملايين الدولارات تدفع لشراء مرشح مضمون”.
ووفق السياسي العراقي فإن “هذه الأحزاب التي تمارس منذ سنوات طويلة هذه الأساليب تضع العملية السياسية والديمقراطية في حرج شديد، وتسهم بخلق حالة من النفور والمقاطعة لدى المواطن، وهي بهذا تضر نفسها وجماهيرها”، مؤكداً أن “هؤلاء المرشحون ومع انتشار أخبار انتقالهم من حزب إلى آخر، كيف سيقنعون الناخب بصدق مشروعهم، وكيف سيكونون قادرين على أن يكونوا صوت العراقيين في مجلس النواب؟”.
ورأى أن “التنافس الانتخابي المحموم سوف يسهم بشكل بطيء في موت العملية السياسية وتحولها إلى مزاد للكسب والتربح، وستفقد قيمتها في المشروع السياسي ككل، وعندها سوف تسقط سواء داخليا أو من خلال الجمهور”.
ورغم إعلان “حركة إنجاز” التي يتزعمها الزبيدي أيضاً، الانسحاب من السباق الانتخابي، غير إنها “ستشارك في العملية الانتخابية من خلال التصويت للمرشح الأصلح والأنزه”، حسب السياسي العراقي الذي دعا في الوقت عينه جميع المرشحين إلى أن “يكونوا على قدر المسؤولية، وأن يبحثوا عن الحزب والجهة التي تلبي طموحاتهم بالتنافس الشريف وتمثيل الجمهور بالشكل الأمثل، لا عن الحزب الذي يمتلك مالا سياسيا يساعدهم على شراء الأصوات والذمم”.
وفي موقف موازٍ، قرر ائتلاف “النصر”، بزعامة رئيس الوزراء العراقي الأسبق، حيدر العبادي، عدم المشاركة في الانتخابات، من دون “مقاطعتها”، داعياً إلى “إصلاح النظام الانتخابي” من أجل مشاركة أوسع لتمتين القاعدة السياسية.
ورحب الائتلاف، في بيان، بـ”مشاركة أوسع للقوى السياسية بانتخابات حرة ونزيهة في مجلس النواب 2025، لتعزيز شرعية النظام وصدق التمثيل السياسي لفئات الشعب، مع إعطاء المصداقية من خلال إصلاح النظام الانتخابي”.
وأكد أنّ “قوة الدولة من قوة نظامها السياسي، وقوة النظام السياسي بتعبيره الصادق عن إرادة المواطنين من خلال القوى التي تمثلهم، وأي نظام يعيش المقاطعة فسيكون مهدداً بوجوده ووظائفه”، لافتاً إلى أن “التحديات التي تواجه الدولة وبالذات في هذه اللحظة التاريخية توجب توسيع القاعدة السياسية للنظام، وإشراك الجميع مع ضرورة صيانة العملية الانتخابية من الفاسدين والمتلاعبين”.
ورأى ائتلاف “النصر” أنّ “من أهم عوامل كسب التحديات وتجاوز الانهيارات لأي دولة يتمثل بالوحدة الداخلية السياسية والمجتمعية، وفق ضرورات حفظ مصالح الشعب وكيان الدولة”، منوهاً بأن “وطنية القوى السياسية تتجلى بتجاوزها لمصالحها الخاصة لصالح مصالح الشعب والدولة، وتتجلى قوة النظام بمرونة المؤسسات لاستيعاب التحديات وامتصاص الأزمات بواقعية وحكمة، وهو ما تحتاجه دولتنا اليوم”.
واعتبر أنّ “عدم الترشح بناءً على رؤية إصلاحية وطنية تختلف جذرياً عن عدم تمكين الآخرين من المشاركة في الانتخابات لأسباب مصلحية”.
ولم تقتصر المخاوف التي قد تسهم في الإطاحة بشرعية الانتخابات النيابية، على القوى والشخصيات السياسية، بل تعدت ذلك لتشمل رجال الذين، إذ افتى خطيب وإمام جامع أبي حنيفة عبد الوهاب السامرائي، بحرمة بيع بطاقة الناخب، داعيا السلطات الأمنية إلى مكافحة ظاهرة برزت مؤخرا في العاصمة بغداد والمتمثلة برهن تلك البطاقات مقابل أموال.
وقال السامرائي في خطبة صلاة الجمعة في مدينة الأعظمية ببغداد، إنه “في هذه الأيام وكما في كل انتخابات تبدأ بورصة بيع وشراء بطاقات الناخبين”، مردفا بالقول: “الآن ظهرت فكرة أخرى وهي رهن البطاقات”.
وأضاف أنه “ظهرت في مدينة بغداد ظاهرة جديدة يتبناها بعض أبنائها الغرباء من مدن أخرى ومناطق شراء بطاقات الناس، وهذا الأمر بات معروفا”.
وتابع السامرائي قائلا: “نحن نحذر من هذه الظاهرة، والجهات الأمنية رصدت خيطوا لها ولبعض التحركات في هذا الصدد”، مشددا على أنه “ينبغي متابعة أولئك الذين يشترون بطاقة الناخب أيا كان الطرف الذي يعملون له”.
ولفت إمام وخطيب جامع أبي حنيفة إلى أن “بيع البطاقة محرم شرعا، ومن يقم بذلك فهو خائن لله والوطن”.
وكان مجموعة من الأكاديميين والناشطين العراقيين المنضوين في “مبادرة عراقيون” الحقوقية، أن حذّروا من فقدان المسار الانتخابي في العراق شرعيته الشعبية، بسبب ما وصفوه بتكرار الخروق القانونية، وهيمنة الأحزاب المسلحة، والعبث المستمر بقانون الانتخابات.
وقال بيان للمبادرة، حمل توقيع نحو 100 من الشخصيات الأكاديمية والثقافية والإعلامية وجهات مدنية وناشطين، إن “الإصرار على تنظيم الانتخابات دون إصلاحات جوهرية، وفي ظل غياب العدالة والشفافية، تسبب بعزوف شعبي متزايد، وأدخل البلاد في أزمات سياسية متكررة، وصلت في بعض الأحيان إلى حافة الصراع الأهلي”.
وأشار البيان إلى أن “عدم تطبيق قانون الأحزاب رقم 36 لسنة 2015 أدى إلى تغوّل الأحزاب ذات الأجنحة المسلحة والتمويل الغامض، وتمكينها من صياغة النظام الانتخابي بما يخدم مصالحها”.
ولفت إلى أن “المواد المتعلقة بحظر هذه الكيانات، ومراقبة مصادر التمويل، ومنع استغلال مؤسسات الدولة في الحملات الانتخابية، لا تزال معطّلة”.
واختتمت مبادرة “عراقيون” بيانها بالتحذير من أن “استمرار الإخفاق في إصلاح الإطار القانوني والسياسي للانتخابات سيؤدي إلى تفريغ الديمقراطية من مضمونها”، داعية القوى الوطنية ومنظمات المجتمع المدني إلى “جعل هذه المطالب أساساً لأي مسار إصلاحي مستقبلي”.
«القدس العربي»: