الصحافه

من “عربات جدعون” الفاشلة إلى “عربات ترامب”.. وإسرائيليون لنتنياهو بغضب: صفقة واحدة

من “عربات جدعون” الفاشلة إلى “عربات ترامب”.. وإسرائيليون لنتنياهو بغضب: صفقة واحدة

رغم الترهات التي يغرد بها كل ليلة، ورغم سلوكه المحرج ومبالغاته وأكاذيبه، تبدو رئاسة ترامب الثانية الآن قصة نجاح؛ فقد أجاز بمجلسي الكونغرس قانوناً يشطب أجيالاً من التشريع الاجتماعي، ويصفي حقوق إقليميات، ويغني الأغنياء، ويظلم الفقراء، ويقوض برنامج الحزب الجمهوري. أصيب الكونغرس بالعجب، لكن القانون أجيز. هو يلعب بمساعدات أوكرانيا العسكرية، أحياناً يعطي وأحياناً يمنع. قادة دول الناتو أثابوه في خطابات تزلف. بخلاف سياسته الخارجية المعلنة وبخلاف ميول قلب معظم ناخبيه، قصف فوردو. ورد ناخبوه بالإعجاب.
هيئات إعلامية قوية، كانت في الماضي تعرف كيف تصارع الحكم وتهزمه، تدفع الآن الخاوة لجيبه الخاص. ما كان في إسرائيل يؤسس للائحة اتهام بالرشوة والغش وخيانة الأمانة، أصبح ترامب في أمريكا معياراً للسلوك، ونموذجاً يقتدى.
أين سحره؟ الناس ملت السياسيين المهندسين، الذين يتحدثون من رأس كُتاب خطاباتهم. أما ترامب فيتحدث إليهم مما تجود قريحته، بدون فلاتر. هو آرتسي بانكر، الذي رفع مستواه إلى الغرفة البيضاوية. الأهم أنه يفعل ما يروقه، ويعلي وينزل، يعين ويقصي، يبتز ويركل، هو ملك.
سيلتقي نتنياهو اليوم في واشنطن رئيساً أمريكياً واثقاً بقوته، راضياً عن نفسه أكثر مما سبق. أما ترامب فسيلتقي رئيس وزراء إسرائيلياً واثقاً بقوته، راضياً عن نفسه؛ نشوة ستلتقي نشوة، احتفال نصر يلتقي احتفال نصر. في الإدارات السابقة، دارت لقاءات رئيس الوزراء مع الرئيس وفقاً لسيناريو مكتوب مسبقاً. كانت التوافقات تامة، وكذا عدم التوافق. أما لدى ترامب، في ولايته الثانية فمن الصعب معرفة ذلك. قد يكون الحدث أمام الكاميرات قصيدة تمجيد، وربما يكون خازوقاً. هكذا كان في اللقاء السابق، في نيسان، عندما أعلن ترامب أمام عيني نتنياهو الهابطتين، للعالم كله بأنه قرر بدء مفاوضات مع إيران، من خلف ظهر إسرائيل.
هذا جزء من قوته: انعدام المعرفة تولد قلقاً؛ والقلق يولد طاعة. نتنياهو يخاف من ترامب أكثر مما يخاف من سموتريتش.
ستكون صفقة المخطوفين في مركز اللقاء. سيطلب نتنياهو من ترامب إعطاء إسناد للمواقف التي أملاها على الوفد الذي سافر إلى الدوحة. بعض من التعديلات التي تطلبها حماس تتعلق بالتفاصيل: مديات الانسحاب الإسرائيلي، وحجم المناطق الإنسانية، وتوزيع المساعدات. كقاعدة، ترامب لا يهم بالتفاصيل. ما يهمه المظهر والميل والعنوان.
لكن ليس كل شيء تفاصيل. مندوبو حماس يطالبون بأن يكون ترامب، بصوته، بتوقيعه، هو الذي يتعهد بإنهاء الحرب في نهاية الصفقة، ويجتمع الطرفان في وقف نار طويل، لسنوات. لقول ترامب معنى كبير؛ كلما كان أكثر إلزاماً وصراحة، يصبح وعد نتنياهو بمواصلة القتال حتى النصر المطلق بلا أساس، أكثر كذباً. كيف سيسوق التغيير لمؤيديه؛ كيف ستصدى للإرث التاريخي.
ترامب ونتنياهو يرقص أحدهما مقابل الآخر، على حبل رفيع.
السبت، في مظاهرة تمزق القلب في ميدان المخطوفين، طرح السؤال مراراً: لماذا تكون الصفقة على مراحل؟ لماذا الفصل بين أسير وأسير، بين ضحية وضحية، من سيقرر قائمة المحررين وكيف؟ حتى قبل أ ن تخرج الصفقة إلى حيز التنفيذ فهي تكسر العائلات.
إذا فهمت على نحو صحيح، فالمنحى المعدل ولد في جهد التسوية بين طلب حماس لإنهاء الحرب، وطلب نتنياهو لمواصلة الحرب. الحل: نتوقف، لكن لا نتعهد بالتوقف. أصبح المنحى الإسرائيلي منحى ويتكوف: جاء نقل الملكية للتخفيف على الطرفين ولقبوله. في الأيام الأخيرة، يعرض كـ “منحى قطر”، في محاولة أخرى لإبعاد الشهادة.

كان ينبغي لها أن تكون نقطة المنطلق معاكسة. الكل، كل الخمسين، مقابل وقف الحرب. الكل؛ لأن الإسرائيليين تركتهم حكومتهم وجيشهم لمصيرهم، وحياتهم الآن عرضة لخطر فوري. الكل؛ لرغبة الأسرى وعائلاتهم والمجتمع الإسرائيلي كله في إغلاق الدائرة. الكل؛ لأن الحرب التي أصر نتنياهو على مواصلتها، حرب “عربات جدعون” كانت فشلاً معروفاً مسبقاً. الهدف الذي أملي على الجيش كان غير قابل للتحقق: الكل كان يعرف هذا. كان الدافع سياسياً. عشرات القتلى سقطوا عبثاً.
المخطوفون في نظر نتنياهو لم يكونوا موضوعاً بحد ذاته: كانوا طوال الطريق أداة لأغراض سياسية، تارة بالتجاهل والكبت، وتارة باستفزاز بشع ضدهم، والآن بعناق حار، محب، من “نير عوز” حتى واشنطن. كما صرخ أبناء العائلات، وتفترض مصلحة المخطوفين صفقة واحدة، شاملة، فورية. حسب إحدى الروايات، كان يمكن الوصول إلى الصفقة قبل سنة؛ حسب رواية أخرى قبل أربعة أشهر.
نتنياهو يتحدث في خطاباته عن شرق أوسط جديد. بالفعل، الإنجازات العسكرية في الحرب فتحت أمام إسرائيل فرصاً في سوريا ولبنان والسعودية وعُمان، وفي دول إسلامية أبعد. ترامب يرى أمامه سلسلة احتفالات على الساحة الجنوبية للبيت الأبيض، ويتوقع من رئيس وزراء إسرائيل أن يدلي بمساهمته.
طريق نتنياهو إلى هناك أكثر تعقيداً واضطراباً، فهو ملزم بتغيير جدول الأعمال. بداية كل صفقة تنهي قصة غزة بدون حيل وأحابيل؛ بعد ذلك مسيرة سياسية. ليس هناك هدايا بالمجان.
ناحوم برنياع
يديعوت أحرونوت 7/7/2025

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب