من بوق للنظام لمحمد ناصر… ماذا يحدث في «القاهرة والناس»!

من بوق للنظام لمحمد ناصر… ماذا يحدث في «القاهرة والناس»!

سليم عزوز
فجأة داهمتني فكرة ضرورية لمحاولة تفسير موقفه الجديد، وهي الوقوف على آخر أخبار برنامجه على قناة «القاهرة والناس»، وقد تحوّل إلى زعيم للمعارضة، يوشك أن يدعو للثورة، أو أن يطلّ علينا من قناة «مكملين»، فبعد أن كان منافسًا ليوسف زيدان في خزعبلاته الدينية، ولمحمود عباس أبو مازن في الهجوم على المقاومة، يوشك أن ينافس محمد ناصر!
ومثلي لا تنطلي عليه هذه التحولات السريعة، وهذه القفزات في الهواء الطلق، التي انطلت على الإخوان، فعقدوا معه صفقة قبل الثورة، والذين يتابعون هذه الزاوية في تلك الفترة، لا بد أنهم تابعوا تشكيكي حتى في موقفه ضد التوريث، وأكدت أن الرسالة الإعلامية التي تقدمها صحيفته ستنتهي إلى القبول بالوريث، ومن الإلحاح عليها، سيملّ الناس ويقولون: أرحنا بها يا مبارك. فقد كان يتجاوز ملفات إفساد الحياة السياسية، والفساد المالي، إلى كلام عبيط، مثل أن نجل الرئيس تاه في الوصول إلى منزل خطيبته (زوجته بعد ذلك) في حي الزمالك، فكيف يحلم بحكم بلد لا يعرف شوارعها؟!
وكأن الموقع المرشَّح له، هو ساعي بريد في منطقة الزمالك! وهذا ما قلته وقتئذ في هذه الزاوية. ولم يكن مقبولًا عندي أنه في الوقت الذي يُسجَن فيه صحافيون، فإن مبارك يعفو عنه في تنفيذ حكم بالسجن لشهرين، وفي الوقت الذي تُغلَق فيه الصحف ولا يُسمح بعودتها، يحصل هو على ترخيص بإصدار جريدته، ويحصل على ترخيص – بعد ذلك – لها من أسبوعية إلى يومية، قبل أن يفرغ من احتساء قهوته في مكتب رئيس مجلس الشورى صفوت الشريف، والذي أبدى اعتراضًا خفيفًا على صفقته مع الإخوان، فكان جوابه: «اشمعنا مجدي الجلاد». فهل كانت هناك صفقة مع جريدة «المصري اليوم» والإخوان؟ حقيقة لا أدري!
والإخوان إلى الآن لم يُفصحوا عن تفاصيل الصفقة المعلومة للكافة، وهذا من أصول المسائل. وعندما حدث غزو العراق للكويت، وفوجئ المسؤولون العراقيون بالهجوم الكاسح من جانب الصحف المصرية الرسمية، أعلنوا أنهم سيعلنون «كشوف البركة» بأسماء رؤساء تحرير تقاضوا أموالًا وهدايا من النظام، لكن الرئاسة العراقية أعلنت على الفور، أنها لم تدفع لأحد، ولا يوجد لديها كشوف من هذا النوع. فمن يثق مستقبلاً فيمن يكشف صفقاته القديمة؟!
كنت قد علمت أن رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى اعتقد اعتقاد العوام، أن صحيفة «الدستور» تزعج الوريث، فتطوّع لشرائها، مجاملة لأسرة الرئيس، التي اعترضت على ذلك!
البحث عن «حديث القاهرة»
فكان ما عندي شكوك، لكن المعلومات تواترت بعد ذلك أن إبراهيم عيسى لم يكن بعيدًا عن الأجهزة، وكان في ملف التوريث يؤدي مهمة لصالح الخلافة. وعندما يتحول الآن إلى معارض شرس، يضرب في الباب العالي، فلا يمكن قبول ذلك بسلامة نيّة وحسن طويّة. وليس معنى هذا أنه مدفوع من جانب أجهزة للقيام بهذا الدور، لأنه هنا يلعب في الممنوع، ولا يجرؤ أحد على حماية اللعب على المكشوف. فكان لا بد أن أبدأ الخيط من برنامجه «حديث القاهرة» على قناة «القاهرة والناس»، المملوكة – حتى آخر معلوماتي – لطارق نور، رئيس الشركة المتحدة. هل آلت ملكيتها للشركة؟ الله أعلم!
كثير من البرامج التلفزيونية في قنوات الداخل المصري لا يشاهدها الناس، ولكن المشاهدات عبر مقاطع فيديو قصيرة عبر منصات التواصل الاجتماعي، وأحيانًا يقتصر الاهتمام على بعض العناوين الزاعقة التي تنشرها المواقع الإلكترونية لهذه المقاطع. ولهذا، فلم أجد من أسأله إن كان برنامج صاحبنا لا يزال يُبث إلى الآن؟!
وبحثت لأسبوع مضى على صفحة القناة على فيسبوك، فلا حسّ ولا خبر، ثم ذهبت إلى غوغل، فإذا به يخبرني أن البرنامج يُبث من السبت إلى الأربعاء من كل أسبوع، بجانب الحلقات السابقة على يوتيوب، لأكتشف أن عدد المشاهدات لها متواضع للغاية، تمامًا مثل مقاطع الفيديو على موقع قناة «الحرة» – رحم الله موتاكم – لكنه في الفيديوهات الأخيرة التي يهاجم فيها النظام، تقترب المشاهدات من مئة ألف، وهو تصوير منزلي بالبيجامة الكستور… ما هذا العبث؟!
هل أوقفوا برنامجه في وقت توقفت فيه قناة «الحرة»، فقال: عليَّ وعلى أعدائي؟ أم تراه استشعر بقرون الاستشعار لديه، أن هذا وضع غير قابل للاستمرار، فقرر بخفة القفز من المركب؟ فإن بقيت طافية على سطح الماء، أمكنه العودة بعلاقته إلى حالة «ضبط المصنع»، وهو مقرّب جدًّا من أهل الحكم. أعي ما أقول!
عندما حذره الجنرال
وإن كان المستقر في وجداني، أنه في زحام الكوارث لم يتلق اتصالًا يقول له: مكانك. وفي مقابلته التلفزيونية في أول انتخابات رئاسية للجنرال، وكانت جارته في التقديم لميس الحديدي، وعندما قال: «حكم العسكر»… وقبل أن يتم جملته، وجد تحذيرًا من الجنرال: لن أسمح لك بأن تقول «حكم العسكر» مرة أخرى، فبلع لسانه!
يتحدث إبراهيم في فيديوهاته الجديدة عن غلاء المعيشة، وهذا ليس جديدًا، وعن ضغط السلطة على الشعب، وهذا حاصل قبل سنوات، وعن فشل النظام، وهذا ليس خبرًا، وعن شوق المصريين لمرحلة مبارك، وهذا ليس «عاجلًا»، فما الذي دفعه لينتقل من بوق للنظام ليكون محمد ناصر؟!
لقد حدث في مرة سابقة أن انبرى معارضًا، وذلك بعد إجبار مالك قناة «أون تي في» نجيب ساويرس على التنازل عنها لصالح النظام، وبدأ التخلص من مراكز القوى في القناة، ومن بينهم لميس الحديدي، وإبراهيم عيسى، وهي المرحلة التي شهدت شحن مذيعة القناة اللبنانية ليليان داوود إلى المطار بملابس المنزل، و»بالشبشب»، وإلى الآن لا نعرف جنايتها، ولا الجهة التي رحّلتها!
وقبل أيام شاهدت نجيب ساويرس يتحدث عن أزمة بين أنس الفقي، وزير الإعلام في زمن مبارك، وجريدة «المصري اليوم»، فكان اللقاء في مكتب الوزير، وحضره من الملاك صلاح دياب ونجيب (تقريبًا هم ثلاثة ملاك للجريدة)، بجانب رئيس التحرير مجدي الجلاد. وكيف أنه جنّ جنونه عندما وجّه الوزير تهديدًا للجلاد، فقال ساويرس إنه كصعيدي قد يقبل التجاوز في حقه، ولكن ليس مقبولًا التجاوز في حق «راجلهم»! ولا ندري أين ذهبت هذه الشهامة، ولم يُدن ما حدث مع ليليان، ولم يذهب إليها مودِّعًا في المطار، ولم يسأل عنها، رغم حديثها في وقت لاحق عن هذا الخذلان!
ما علينا. وإذا استشعر عيسى أنه سيتم التخلص منه، كما تم التخلص من غيره، في معركة ضرب مراكز القوى، وقد بدأوا بهم واحدًا واحدًا، وبقي هو، فقد كان لا بد من صلاة مودّع، كان سقفها الهجوم على رئيس مجلس النواب علي عبد العال. وكانت لميس الحديدي قد صعدت النبرة أيضًا، وتحولت إلى معارضة، قبل وقفها عن التقديم، وإعادتها الآن في قناة «القاهرة والناس» باهتة، مثل عودة توفيق عكاشة لقناة «الحياة»، التي لم يسمع بها إنس ولا جان!
حدث بعد العودة
وعندما عاد إبراهيم عيسى، مع عودة المبعدين، اتجه يهاجم الإسلاميين، والإخوان بالتحديد، ويهاجم المقاومة بعد طوفان الأقصى، ويعلن كفره بعبد الناصر، وقد كان محسوبًا على الحزب الناصري، ولم يكتب حتى منشورًا من سطر واحد يعلن فيه تضامنه مع شريكه السابق في جريدة «المقال» هشام قاسم بعد اعتقاله، واضطراره للهجرة بعد التربص به في قضية جديدة. وعندما يفتح صدره الآن على قاعدة «من يبايعني على الموت»، فهذا أمر عجيب!
يقدّم المذكور برنامجًا على احدى الإذاعات، لم أقف على مصيره الآن، وهي الإذاعة الوحيدة التي حصلت على الترخيص القانوني في عهد الدكتور محمد مرسي، وهي تابعة للمخابرات، حسب صلاح عبد المقصود، وزير الإعلام الأسبق، في مقابلة له مع قناة «الجزيرة مباشر»!
إن الجهل بطبيعة المرحلة هو ما يدفع البعض للقول إنه أداة السلطة للتنفيس. فهذه السلطة تعتقد اعتقادًا راسخًا أن السبب في ثورة يناير، هو ما تعتبره تنفيسًا، أنتج حراكًا، والحراك وَلَد ثورة. والسلطة التي تصادر عدد صحيفة (الوفد) لن يطالعه بضع مئات، لن تسمح بهذا الذي يضرب منها كل بنان، ويتهمها بالفشل!
عمومًا، فإن إبراهيم عيسى لن يستمر طويلًا في أداء هذا الدور، حتى وإن كان يقفز من مركب يراها تغرق، حاجزًا لنفسه مقعدًا في النظام الجديد، فقد سجّل هذا الرصيد للمستقبل، ولا يمكنه أن يدفع ثمن مواصلة السير في هذا الطريق الوعر!
«تستطيع أن تخدع بعض الناس بعض الوقت، لكنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت!»
صحافي من مصر