التكافل والتضامن الاجتماعي… ركيزة الصمود الفلسطيني في مواجهة الأزمات

التكافل والتضامن الاجتماعي… ركيزة الصمود الفلسطيني في مواجهة الأزمات
بقلم:رئيس التحرير
في ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والنفسية الخانقة التي يمر بها الشعب الفلسطيني، لم يعد الحديث عن التكافل والتضامن الاجتماعي ترفًا فكريًا أو دعوة أخلاقية عابرة، بل بات ضرورة استراتيجية تفرضها طبيعة المرحلة وتعقيداتها. ومع تفاقم الأزمات، وعجز الحكومة الفلسطينية عن توفير الدعم الكافي، يتعين على المجتمع الفلسطيني بكل مكوناته استنهاض إرثه التاريخي في التعاضد والتكاتف الشعبي لمواجهة هذه التحديات.
الإرث الفلسطيني في التكافل الاجتماعي
عرف المجتمع الفلسطيني عبر عقود طويلة أشكالًا متعددة من التكافل والتضامن، برزت في أحلك الظروف، سواء خلال الانتفاضتين الأولى والثانية، أو في فترات الاجتياحات العسكرية والحصار. لعبت لجان الأحياء الشعبية دورًا محوريًا في حماية النسيج المجتمعي، إذ عملت على:
توزيع الطرود الغذائية على العائلات المحتاجة.
توفير الرعاية الصحية الأولية في ظل انهيار الخدمات الرسمية.
تنظيم حملات نظافة وصيانة للبنية التحتية المدمرة.
دعم ألاسر المحتاجه ماليًا ومعنويًا.
في الانتفاضة الأولى (1987-1993)، كانت اللجان الشعبية بمثابة حكومة ظل تدير شؤون الناس في غياب مؤسسات الدولة الفلسطينية، وأسهمت بفاعلية في حماية المجتمع من الانهيار أمام سياسات الاحتلال الرامية لخنق الفلسطينيين اقتصاديًا واجتماعيًا.
الأوضاع الراهنة تتطلب استنهاض هذه التجارب
اليوم، ومع اتساع رقعة الفقر والبطالة التي تجاوزت نسبة كبيرة في قطاع غزة وأجزاء من الضفة الغربية، وارتفاع نسب انعدام الأمن الغذائي، أصبحت الحاجة إلى إحياء هذه التجارب أكثر إلحاحًا. لم يعد بالإمكان الاعتماد على المساعدات الخارجية أو انتظار تحركات حكومية محدودة، بل يجب تفعيل المبادرات الشعبية، ومنها:
إعادة تشكيل لجان الأحياء لتنسيق الجهود بين الأهالي والمؤسسات المحلية.
تنظيم حملات دعم للعمال العاطلين عن العمل، خاصة في القطاعات المتضررة من الحصار والقيود الإسرائيلية.
إطلاق مبادرات شبابية للتخفيف من الآثار النفسية والاجتماعية الناتجة عن الصدمات المستمرة.
وكل ذلك بالتنسيق مع جهات الاختصاص في السلطة الفلسطينية وقيادة القوى والفصائل الفلسطينية
نماذج حية من الميدان
في مدينة نابلس خلال جائحة كورونا، شكّلت العائلات لجانًا تطوعية لإيصال الدواء والغذاء لكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، وهو نموذج أثبت فعاليته ويمكن البناء عليه. وفي غزة، خلال الحرب المستمرة بادر شبان أحياء الشجاعية وخان يونس إلى إنشاء مطابخ ميدانية لإطعام مئات العائلات التي فقدت مساكنها.
هذه النماذج تدل على أن المجتمع الفلسطيني يمتلك القدرة على النهوض من تحت الركام، إذا ما توافرت الإرادة والعزيمة الجماعية.
التكافل صمام أمان للمجتمع الفلسطيني
إن تعزيز روح التكافل ليس فقط أداة لمساعدة الفقراء والمحتاجين، بل هو صمام أمان يحمي المجتمع من التفكك، ويمنع الاحتلال من استغلال الأزمات لإضعاف إرادة الصمود الفلسطيني. كما يسهم في إعادة الثقة بين الناس، ويعيد الاعتبار للقيم الوطنية والإنسانية التي طالما ميزت الشخصية الفلسطينية.
اليوم، يقف الفلسطينيون أمام لحظة تاريخية، إما أن يستسلموا للتفكك والانتظار القاتل، أو أن يوحدوا صفوفهم ويعيدوا الاعتبار لقوة المجتمع القادر على حماية نفسه. التكافل والتضامن ليس خيارًا ثانويًا، بل واجب وطني تفرضه ضرورات البقاء والصمود.