مقالات

انثروبولوجيا ثقافة المحاصصة في الوطن العربي بقلم الاستاذ الدكتور عزالدين الدياب -استاذ جامعي -دمشق –

بقلم الاستاذ الدكتور عزالدين الدياب -استاذ جامعي -دمشق -

انثروبولوجيا ثقافة المحاصصة في الوطن العربي
بقلم الاستاذ الدكتور عزالدين الدياب -استاذ جامعي -دمشق –
اعتدنا في مقارباتنا الأنثروبولوجية أن يكون مدخلنا في مقاربة الظاهرة البنائية، توضيح معاني المفاهيم التي تقود المقاربة،حتى نكون على بينة من المنهج الذي يقود تعامل الطريقة البحثية،التي تأخذ على عاتقها وضع المعاني الصحيحة والسليمة ،على الظاهرة محل الدراسة،بعد أن تعرض وتفصل في سائر مكوناتها البنائية،والتزاماً بحقائق العلم الانثروبولوجي،من أن مهمة هذا العلم وضع المعاني الصحيحة على ظواهره البنائية.
ويعلن المنهج عن نفسه وهويته الإجرائية،بأنَّه التحليل الثقافي لظاهرة المحاصصة،لأنَّها ظاهرة تمت أو تعود في بنيتها إلى النمط الثقافي العربي في أبعاده المحلية الجهوية،والوطنية والقومية،على اختلاف أنساقه في أبعادها سالفة الذكر،والمتشابكة والمتفاعلة،بحكم قانون التاثير المتبادل القائم بينها،وديمومة جدل هذا التأثير،الكامن والقائم داخل البناء الاجتماعي العربي.
إذا؛ نلاحظ من عنوان ظاهرة المحاصصة إنها تتكون من محاور عدة،كل محور يتجسد في مفهومه الذي يفضي إلى بيان مكوناته البنائية الثقافية،التي تنتمي وتحسب منهجياً،إلى النمط الثقافي العربي،في وحدة واختلاف مكونات الأنساق الثقافية في أبعادها،كماأسلفنا،المحليةالجهوية،والوطنية،العربية.
الأنثروبولوجيا هي علم الإنسان،وهذا العلم يتفرع إلى علوم عدة،كل علم يغطي مكونات البناء الاجتماعي،بما حمل من أنشطة اجتماعية،وثقافية،ومادية،وضوابط ومحددات بنائية،ومشاعر وأحاسيس،وولاءات وانتماءات.
وعلم الظاهرة المدروسة،هو الأنثروبولوجيا الثقافية،التي تتخصص في دراسة،ومن ثم تحليل مكونات وجزئيات النمط الثقافي،ومابين هذا المكونات من وحدة وتنوع،وتاثير متبادل،غير متوقف،مادام الناس يعيشون حياتهم اليومية،ويمارسون أنشطتهم،على اختلاف مضامينها وفعالياتها.
والمحاصصة في معناها اللُّغوي،ومايشير إليه من أنشطة،وفعاليات أفراد وجماعات:(حَاصَّه)مُحاصّة،وحِصَاصاً:قَاسَمَه فأخذ كل واحد منهما حِصَّتَه.(حَصَّصَ)الشَّيءَ:جعله حِصَصاً.—المعجم الوجيز -مجمع اللغة العربية —جمهورية مصر العربية —وزارة التربية والتعليم —القاهرة —1992–ص155.
وحيث إنَّ المقاربة أعلنت في مطلعها إنها ستأخذ المحاصصة وتوضُّعها في النمط الثقافي العربي ظاهرة ثقافية ستدرسها وتفصل فيها من خلال منهج التحليل الثقافي الانثروبولوجي،فإنها ستوضح معلنةً بأنَّ التحليل،سيقوم على أساس إجراء منهجي يعتمد أسلوب اوطريقة الأنثروبولوجيا في تكوين المشاهد الثقافية وتعيناتها داخل النمط الثقافي العربي عن بعد،وتلك طريقة وإجراء بحثي حقلي ميداني اخذت به مدارس انثروبولوجية عدة،سواء كانت أمريكية،  بريطانية، لاتينية،أو عربية.
وفي حالة مقاربتنا لظاهرة المحاصصة في الوطن العربي،سنختار لها أنموذجاً يعكس إلى حد بعيد الشخصية الثقافية الاجتماعية الوطنية في بعدها الجهوي المحلي المناطقي،وسيكون البناء الثقافي العراقي فضاء للمشاهد الثقافية في ثلاثية أبعادها المناطقية الجهوية،والوطنية، والعربية،مؤكداً في محاور المقاربة على مابينها من وحدة واختلاف، وتنوع،وما يقوم بينها من تأثير متبادل، لايتوقف في وحدته وتنوعه.
وللمقاربة حجتها في هذا الاختيار،اعتماداً على قانون قومي عربي يقول في جدلية تبادل المهام والدور الحضاري،بين الأقطار العربية،في حالة التجزئة التي هي عليه،أو في حالة قيام الوحدة العربية،وأيضاً على قانون قومي عربي يقول،بأنّ حدود القطر العربي الواحد،هو عملياً ومصيرا وتعيُّناً حدود الوطن العربي كلَّهُ،فبين العراق والأقطارالعربية كثرة من المتشابهات في الوحدة والتنوع،من وازع قبلي وعشائري،وماله من عصبيات،ونزعات جهوية ومذهبية،وتمسك في التراث بما فيه من قيم وعادات وتقاليد وأعراف،وانتماء عربي إسلامي،وأصالة حضارية عربية،موغلة في قدمها التاريخي، ومشاغل من ادوار ومهام قومية خلال مسيرته التاريخية،في وحدته مع الأقطار العربية،وفي انفصاله عنها..
وترى المقاربة في مسوغاتها السالفة الذكر والبيان،أن العراق شكل غداة ضرب حراك مصر في صراعها مع العدوانية الغربية ممارسة الأمة العربية دورها الحضاري ،انطلاقاً من أرض الكنانة،بقيادة جمال عبد الناصر،هذا الضرب الذي قامت به العدوانية الغربية،من حدود الأندلس وبواتييه، وفي أعقاب تأميم قناة السويس،ورفع مصر الراية القومية العربية،الذي تمثل في موقفها القومي في مناصرة الثورة الجزائرية،على سبيل المثال.نقول إن العراق شكل ضرورية قومية لأمته العربية،في ممارسة دوره ومهمته الحضارية،منقاداً بقانون تبادل الأدوار الحضارية في معركة المصير العربي.
غداة ثورة البعث 17-30 تموز سنة 1968 والتي تعينت في ميثاق الثورة،وتأميم النفط.
إذاً؛المحاصصة عراقيا في أعقاب الاحتلال، الذي قامت به العدوانية الغربية،هذه المرة، بقيادة الإمبريالية الامريكية،وبأمر وتوجيه من الصهيونية العالمية،ودولتها الخفية،الساكنة في البيت الأبيض الأمريكي،وما يتناوب عليه من رؤساء،تختارهم الدولة الخفية.
وتقول المقاربة،إن إجراء المحاصصة،كان إجراءً أمريكيا،في سياق الوعد الأمريكي بإعادة العراق إلى العصر الحجري،وهذا معنا ضرب القاعدة التحتية التي أقامها الحكم الوطني القومي حتى تاريخ الاحتلال،والتي تلخصها كلمة الأمم المتحدة عندما قالت بخروج العراق،من منظومة العالم الثالث،ودخوله في العالم المتقدم،ويتعين هذا الاجراء في قيام المحاصصة على أساس طائفي،له توابعه في تنفيذ قانون بريمر في اجتثاث البعث،وتفتيت بنية المجتمع العراقي،وخلق الوازع الطائفي التقسيمي،بدل الوازع الوطني الذي كرسه الحكم الوطني،وجعله مرجعاً لكل الشعب العراقي،في وحدته وتنوعاته الجهوية المناطقية،والعشائرية،والمذهبية،والعرقية.
والمحاصصة في حالتها العراقية الراهنة،حرب طائفية هوياتية،ابعادها الحرب والقتل والاغتصاب والتهجير والخطف والتصفية الجسدية،والمسكونة جميعها في الفساد،الذي عظم إجراءات اجتثاث البعث،وتكريس التبعية التي تخرجه من ثوبه العربي،وتعطل دوره ومهمته القومية،في سيرورة معركة المصير العربي الواحد .
د- عزالدين حسن دياب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب