عودة ضغوط الحريديم: نتنياهو على حبل مشدود

عودة ضغوط الحريديم: نتنياهو على حبل مشدود
يتأرجح نتنياهو بين ضغوط الحريديم وابتزاز اليمين المتطرّف، فيما تتقدّم صفقة التبادل وسط تصدّع متزايد في ائتلافه الحكومي.
رام الله | على صفيح ساخن، يتحرّك رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، لمعالجة ملفّات باتت تولّد مجتمعةً عبئاً كبيراً عليه، وتضغط على مسار حربه على قطاع غزة، وكذلك ديمومة ائتلافه الحكومي. وفيما صعّدت الأحزاب الحريدية من تهديدها لنتنياهو، أمس، ملوّحةً بالاستقالة من الحكومة، يبدو، في المقابل، أن مفاوضات صفقة التبادل ووقف إطلاق النار وصلت إلى نقطة حرجة، في ظلّ رفض المقاومة التنازل عن موقفها بخصوصها.
وفي ملفّ الصفقة، يقف نتنياهو، كما عادته، في المنطقة الوسطى، بين محاولته إرضاء أقطاب اليمين المتطرّف (ولا سيما بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، اللذَين يرفضان الاتفاق ويطالبان بتصعيد الحرب)، وبين ضغوط الشارع الإسرائيلي المطالِب بالصفقة ولو بثمن إنهاء الحرب، في موازاة تسريبات الجيش التي تؤكد دخول الأخير حالة استنزاف في غزة، واستمرار تكبّده الخسائر، في ظلّ عدم وجود أهداف قابلة للتحقُّق لديه.
ومنذ عودته من واشنطن، يجري نتنياهو مشاورات مستمرة، في محاولة للتحايل على الوقت، والتهرّب تالياً من استحقاقات الصفقة. ومع ذلك، ذكر مشاركون في جلسة المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر، مساء الأحد، والتي وُصفت بأنها «عاصفة»، أن رئيس الحكومة بدا مصمّماً على التوصّل إلى صفقة تبادل مع حركة «حماس»، وأبدى استعداداً لإظهار مرونة – لم يُظهرها في السابق – في ما يتعلّق بالانسحاب من «محور موراغ» الواقع بين رفح وخانيونس.
ووفقاً لمشاركين في الجلسة، فإن «العمل جارٍ بكثافة. نناقش خرائط محدّثة، وحتى إنْ لم تُنجز الصفقة خلال يوم أو يومين، فالاتجاه واضح نحو الاتفاق، وقد يستغرق الأمر بضعة أيام إضافية. وفي حال إبرام الصفقة، فلن تقام المدينة الإنسانية في رفح، ببساطة لأنها لن تُصنّف كممرّ إنساني. ونتنياهو مستعدّ الآن للتنازل عن أمور لم يكن مستعداً للتنازل عنها سابقاً».
وكان رئيس الحكومة عقد، ليل السبت – الأحد، اجتماعات مع كل من زعيم «الصهيونية الدينية» بتسلئيل سموتريتش، وزعيم حزب «عوتسما يهوديت» إيتمار بن غفير، في محاولة لاحتواء معارضتهما للاتفاق. إلا أن «هيئة البث الإسرائيلية» رجّحت أن يقدّم بن غفير استقالته من الحكومة، في حال توقيع الاتفاق مع «حماس»، بينما هاجمت عائلات الأسرى الوزيرين بشدّة، قائلةً: «لقد نسي سموتريتش وبن غفير معنى أن تكون يهودياً».
على أن معارضة الصفقة لا تقتصر على اليمين المتطرف؛ إذ أشارت تقارير إلى محاولة بن غفير تجنيد أعضاء ووزراء من «الليكود» للوقوف في وجه الاتفاق. وبحسب «القناة الـ12» العبرية، فإن هناك ما يقرب من 10 وزراء يُحتمل أن يعارضوا الصفقة وربّما يساهموا في إفشالها، في حين أشار عضو مجلس الوزراء، دافيد أمسالم، في مقابلة مع «القناة الـ12»، إلى احتمال إسقاط الحكومة، إذا ما أصرّ بن غفير وسموتريتش على معارضتهما الصفقة.
وقال: «مَن أراد الاستقالة، فليَسْتقلْ. مَن لا يدرك عظمة هذه اللحظة، يفوّت الفرصة». ومن جانبه، عرض زعيم المعارضة، يائير لابيد، على نتنياهو ما سمّاه «شبكة أمان» برلمانية لتمرير الاتفاق، قائلاً: «على عكس أصابع بن غفير وسموتريتش الـ13، لديك 23 إصبعاً منّي لدعم صفقة الرهائن». كما شدّد وزير الخارجية، جدعون ساعر، على أنه «إذا سنحت الفرصة، فلا ينبغي تفويتها».
جلسات ماراثونية تُعقد في الساعات الأخيرة في منازل القادة الحريديين بخصوص الاستقالة
ويواجه نتنياهو معضلة أخرى تتعلّق بمسألة «المدينة الإنسانية» التي ربّما أراد أن تشكّل ضغطاً في سياق المفاوضات، أو أن تبعث الحياة في مشروع التهجير الذي لا يزال يحلم بتحقيقه؛ إذ وفقاً لتقديرات جيش الاحتلال، فإن تشييد المدينة قد يستغرق أكثر من عام، بكلفة تراوِح بين 10 و15 مليار دولار، على عكس تقديرات سابقة أشارت إلى إمكانية بناء مخيم ضخم يضمّ مئات آلاف الفلسطينيين خلال ستة أشهر فقط. وأفادت مصادر عبرية، في هذا الجانب، بأن نتنياهو عبّر عن غضبه من تقديرات الجيش، وطالبه بتقديم جدول زمني «أكثر واقعية»، وبعرض «خطّة محسّنة»، قائلاً: «يجب أن تكون أقصر، وأقلّ تكلفة، وأكثر عملية»، في حين أشار مشاركون في الجلسة، التي عُرضت خلالها الخطّة، إلى أن «الانطباع السائد» هو أن الجيش يحاول إفشال مشروع إقامة «المدينة الإنسانية» التي تتعرّض لانتقادات دولية متزايدة، و»لذلك قدّم مقترحاً وصفه البعض بغير الواقعي».
كما دار خلال الاجتماع نقاش في شأن مصادر تمويل المشروع الذي قد تصل كلفته إلى عشرات مليارات الشواكل. ووفق الخطّة الأصلية، فإن «المدينة»، هي عمليّاً مخيّم ضخم من الخيام ستضمّ ما يصل إلى نصف مليون فلسطيني، ولن يُسمح لسكانها بالعودة إلى شمال قطاع غزة.
أمّا بن غفير، فاعتبر الحديث عن «المدينة الإنسانية» مجرّد «مناورة سياسية»، لافتاً إلى أن «الجدل حول إقامة المدينة هو في جوهره محاولة للتغطية على صفقة الاستسلام التي يتم الإعداد لها مع حماس، والتي ستشهد انسحاب الجيش من أراضٍ احتُلّت بدماء جنودنا، وإطلاق سراح مئات القَتَلَة، ومنح حماس وقتاً ومساحة لاستعادة قدراتها. لا مكان للمناورات في معركة النصر الكامل». وبحسب المصادر العبرية، فإن هناك خشية لدى منظومة الأمن الإسرائيلية، من أن تفسّر «حماس» خطّة إنشاء هذه المدينة، باعتبارها «قراراً إسرائيليّاً بالمضيّ قدماً في صفقة جزئية فقط، لتجديد الحرب فور وقف إطلاق النار المؤقّت، وبالتالي، ثني حماس عن تصديق الضمانات التي قدّمها الرئيس (الأميركي دونالد) ترامب لها».
ويأتي هذا في وقت يواجه فيه نتنياهو أسبوعاً مصيرياً؛ إذ يمكن إطاحته خلال أيام، في حال لم يقدِم على عمل عسكري كبير يمنع ذلك على غرار ما جرى في الهجوم الأخير على إيران، والذي عرقل توجّه الأحزاب الحريدية إلى الانسحاب من الحكومة. وقالت صحيفة «هآرتس» العبرية، أمس، إن الأحزاب الحريدية تعتزم الاستقالة من الائتلاف والحكومة الأسبوع الجاري، في حال عدم تقديم مسوّدة لمشروع قانون يعفي الحريديين من التجنيد في صفوف الجيش.
ونقل موقع الصحيفة عن مصادر في الأحزاب الحريدية، لم يسمّها، قولها إن «جلسات ماراثونية تُعقد في الساعات الأخيرة في منازل القادة الحريديين بخصوص الاستقالة»، وإن رئيس حزب «شاس»، أرييه درعي، هو مَن يقود هذا التحرّك، «لكنه يحرص على تجنّب تصويره على أنه المسؤول عن إسقاط حكومة اليمين. وبالتالي، هو يعمل على أن يقود حزب هتوراة الإجراء، على أن ينضمّ إليه شاس لاحقاً».
ويسود اعتقاد بين الأحزاب الحريدية، بأن طرح مشروع قانون لحلّ «الكنيست» غير ممكن حالياً من الناحيتين القانونية والعملية، وأن الخيار الوحيد المتبقّي أمامها هو الاستقالة من الحكومة. وفي هذا الإطار، أفادت مصادر مقرّبة من الحاخام دوف لانداو، وهو من زعماء المجتمع الحريدي الليتواني، بأنه أصدر تعليمات إلى أعضاء «الكنيست» من حزب «ديغل هتوراة» المنضوي ضمن حزب «يهدوت هتوراة» بالاستقالة من الحكومة، وانضمّ إليه الحاخام موشيه هيلل هيرش، الذي يقود زعامة الحزب معه، قائلاً: «بالتنسيق مع كبار الحاخامات، تقرَّر الانتظار بضع ساعات إضافية هذا المساء قبل نشر الأمور، وذلك من أجل إتاحة فرصة أخيرة للتوصّل إلى تسوية». وبالفعل، أعلن «ديغيل هتواره»، الذي يشغل 4 مقاعد في الكنيست، مساء أمس، الانسحاب من الحكومة، في ما يؤشر إلى بداية مسار تصاعدي لهذه الأزمة القديمة – الجديدة.