الرئيسان يرقصان في الملهى ومنتج صحّي أكثر من الـ EX: إعلانات لبنان… أنقذونا من هذه الرداءة!

الرئيسان يرقصان في الملهى ومنتج صحّي أكثر من الـ EX: إعلانات لبنان… أنقذونا من هذه الرداءة!
لا يمكن مشاهدة الإعلانات بمختلف أنواعها في هذا البلد، من دون التساؤل عمّا حلّ بهذا القطاع الذي كان في يوم من الأيّام منبعاً لفنّ حُفر في الذاكرة الجماعية للبنانيّين، من رسومات التشكيليّين الكبار إلى مقطوعات الياس الرحباني.

لا يمكن مشاهدة الإعلانات بمختلف أنواعها في هذا البلد، من دون التساؤل عمّا حلّ بهذا القطاع الذي كان في يوم من الأيّام منبعاً لفنّ حُفر في الذاكرة الجماعية للبنانيّين، من رسومات التشكيليّين الكبار إلى مقطوعات الياس الرحباني.
أسباب الترهّل
سيُعيد كثر حال القطاع المترهّل إلى الإنترنت ومنصّات التواصل الاجتماعي على الخطّ، مع ما استتبعه ذلك من رجوح كفّة التسويق «التقليدي» و«التيكتوكي» على حساب الإعلان «الإبداعي».
كما سيكون أحد أوّل الأسباب التي تخطر في البال، الأزمة التي ضربت لبنان بمختلف قطاعاته.
غير أنّ ما سبق لوحده لا يفسّر تقصير لبنان مقارنةً بدول أخرى في الإعلانات. بغضّ النظر عن الميزانيّات المتوافرة، هناك تقصير في الذوق والإبداع. ولو أردنا أخذ الميزانيّات في الحسبان، هناك إعلانات كثيرة من الواضح أنّها كلّفت مبالغ ضخمة.
كما إنّ هناك إعلانات كثيرة من العقود السابقة لا تزال حاضرة في أذهان الناس، ولم يكلّف إنتاجها في حينه كثيراً. طبعاً، لا يمكن إنكار أنّه لا يزال هناك بعض الإعلانات المبدعة أو المثيرة للضحك، لكنّها باتت الاستثناء بعدما شكّلت القاعدة في يوم من الأيّام.
ذكاء اصطناعي وشعارات باهتة
هكذا مثلاً، تتحفنا إعلانات على التلفزيون بتصوير وإنتاج ضخمَين، لكن مع حوار هزيل وشعارات باهتة وممثّلين يجعلون المُشاهد يحفظ اسم المنتَج فقط كي يتأكّد ألّا يشتري منه، «نكايةً».
يلجأ المرء إلى «يوتيوب» هرباً من تفاهات القنوات اللبنانية، فيفاجئه إعلان مصنوع بالذكاء الاصطناعي، حيث يظهر رئيسا الجمهورية جوزيف عون والحكومة نوّاف سلام وهما يرقصان في ملهى أو يتوليّان مهمّة الـ«دي دجاي».
ثمّ يُرشق المرء إيّاه بإعلان آخر سياسي بامتياز، يذكّر بإعلانات «أنا خطّ أحمر» و«لبنان لا يريد الحرب» التي تحاول اللعب على مشاعر المتلقّي، على طريقة «أب العلاقات العامّة والبروباغندا» إدوارد بيرنيز. والإعلانات هذه تثبت نظرية أنّ تردّي حال القطاع لا علاقة له بنقص الميزانية.
على التلفزيون كما في الطرقات
يهرب المرء مجدّداً، هذه المرّة من بيته، فتراوده الإعلانات إيّاها على اللوحات الضخمة التي تملأ الطرقات وتشوّهها، ولا ينطفئ الضوء عنها، لا في الليل ولا في «طقّة الظهر» ولا أثناء تقنين كهرباء «الدولة» والمولّدات.
ونذكر كيف استغلّت حملة «لبنان لا يريد الحرب» صورة لعائلة المصوّر الشهيد عصام عبدالله ووضعتها على حيطان المباني، قبل أن ترفع العائلة عليها دعوى لعدم أخذ إذنها في رسائل بعيدة كلّ البُعد عمّا تؤمن به.
يكمل السائق طريقه، فيضيء بوجهه إعلان مركّب على الجسر فوقه، يسوّق لمنتج «صحّي» بشعار «أكثر صحّةً من الأكس» (أي العشيق أو العشيقة السابقَين).
ينظر إلى الأعلى، فيرى إعلانات ذكورية متتالية على شاشة يحرق سطوعها قرنية العين. يلتفت يميناً، فيرى بيرة بصبغة جديدة.
ثمّ يلتفت يساراً ليرى «ماركة» بيرة منافسة تتفاخر بأنّ ليس لديها صبغة جديدة. ثمّ تدخل بيرة ثالثة على الخطّ لتعلن أنّ فيما الآخرين يركّزون على اللون، هي تركّز على النكهة.
هل هناك داعٍ للإكمال؟ ربّما. «يتزوزغ» السائق، لكن هذه المرّة لا يعرف إلى أين يهرب، فيعود إلى المنزل، ويستخدم هاتفه. هناك «العزّ»، فكلّ إعلان «يا محلا» الذي يليه، ويصل تردّي بعضها إلى حدّ استخدام الأعضاء التناسلية كشعار بكلّ أريحية!
هنا، يعود المرء إلى التلفزيون، مكتفياً بتفاهات القنوات لتساعده على النوم. فعلى الأقلّ يعرف مسبقاً ماذا يمكنه التوقّع منها، وجهّز نفسه لها طوال السنوات عندما غفا على تهويداتها مرّات لا تُعدّ.
على من يقع اللوم؟
ربما يمكن إلقاء اللوم على المعلِنين بسبب إنتاجهم الرديء، كما على المتلقّي، بحيث غاص الذوق العام إلى مستوى باتت بفضله أيّ نفايات إعلانية تحقّق مبتغاها من دون جهد يُذكر من جانب المعلِن.
هناك جانب لا يحظى بالانتباه الكافي، هو أنّ صناعة الإعلان كانت في السابق حكراً على المختصّين به. أمّا اليوم، فبات أيّ كان يريد إنجاز الأمور بتسرّع، ولا يهتمّ للجودة طالما أنّها تحقّق له مبتغاه.
هذا ما أثّر أيضاً في عمل وكالات الإعلانات، بحيث تراجع عملها بشكل كبير عن السابق، رغم أنّ هناك بعضها يعمل لمصلحة مهرجانات أو ماركات كبيرة. لكنّ معظم عملها بات لخارج لبنان، وهو ما يعطيها جرعة الأوكسيجين الضرورية للاستمرار.
«اجعل لبنان عظيماً مرّة أخرى»؟
مع التدقيق، يتبين أنّ الإعلانات التي تتضمّن صوَر الرؤساء المصنوعة بالذكاء الاصطناعي تُنشر عبر Google Ads من بلجيكا، عبر صفحة تُسمّى MLGA (أو Make Lebanon Great Again)، وهو اسم مستوحى من حملة الرئيس الأميركي دونالد ترامب «اجعل أميركا عظيمة مرّة أخرى» (MAGA).
علماً أنّ محتوى الصفحة يشي بتبنّيها خطاباً مماثلاً مؤيّداً للولايات المتّحدة وترامب بالتحديد ومعادياً لخصومها في المنطقة.
وبعدما ازدادت السخرية من هذه الإعلانات على منصّات التواصل، أشار بعض المعلّقين إلى احتمال أن يكون «الموساد» الإسرائيلي يقف خلفها.