الاستثمار في الإنسان مفتاح التقدم: بين نهج الدول الغربية وتخلف البلدان النامية…

الاستثمار في الإنسان مفتاح التقدم: بين نهج الدول الغربية وتخلف البلدان النامية…
بقلم علي او عمو.
كاتب من المغرب.
لقد حققت الدول الغربية تقدّمًا ملحوظًا وازدهارًا اقتصاديًا هائلًا بفضل إدراكها المبكر لأهمية العنصر البشري كرافعة
للتنمية. لم يكن هذا التقدّم صدفة، بل ثمرة لسياسات استراتيجية طويلة المدى جعلت من التعليم والتكوين والتأهيل
أساس كل نهوض حضاري…
فمنذ عقود، عمدت هذه الدول إلى تأسيس منظومات تعليمية قوية، بُنيت على أساس علمي متين يواكب العصر
ويستشرف المستقبل. أنشأت المدارس والمعاهد والجامعات، ووضعت مناهج تعليمية حديثة تدمج بين الجانب النظري
والتطبيقي، مع تركيز واضح على المهارات العملية والبحث العلمي والابتكار. فالمعامل، والمختبرات، ومراكز التكوين،
كلها كانت متاحة للطلبة والباحثين، الأمر الذي مكّن الأجيال الصاعدة من اكتساب كفاءات عالية تؤهّلها للانخراط في
سوق العمل والمنافسة على الصعيد الدولي…
هذا الاستثمار العميق في الإنسان مكّن الغرب من بناء قاعدة صناعية وتقنية قوية. فتأسست شركات عملاقة، وتم
تطوير التكنولوجيا في مجالات الطاقة، والاتصالات، والمواصلات، والصناعات الدقيقة. واليوم، تتحكم هذه الدول – من
خلال شركاتها متعددة الجنسيات – في الموارد الطبيعية العالمية، خاصة في الدول النامية التي تزخر بالثروات الباطنية
كالنفط، والغاز، والفوسفات، والمعادن، والثروة السمكية…
لكن المفارقة الكبرى أن هذه الدول الغنية بالموارد الطبيعية، بقيت في دائرة التخلف والتبعية. فهي لم تستثمر في
شعوبها، ولم تطوّر أنظمتها التعليمية، ولم تهيّئ أجيالها لمواجهة تحديات العصر الرقمي والتقني. فبدل أن تبني قدراتها
الذاتية في استخراج ثرواتها وتسييرها، سمحت للشركات الأجنبية باستغلالها مقابل نسب مائوية هزيلة، تذهب معظم
أرباحها إلى الخارج…
إن غياب الإرادة السياسية لتحديث التعليم، وفساد المؤسسات، وتهميش الكفاءات، هو ما جعل هذه الدول رهينة للموارد
الطبيعية، دون قدرة على تحويلها إلى قيمة مضافة داخلية. والنتيجة: دول غنية بالثروات وفقيرة في التنمية…
لقد أثبت التاريخ أن الاستثمار في الإنسان هو الخيار الأذكى والأكثر استدامة. فالمورد البشري المؤهّل قادر على خلق
الثروات، وتطوير التكنولوجيا، وتحقيق الاكتفاء الذاتي. أما الموارد الطبيعية، فمصيرها النضوب إن لم تُدار بعقلية
علمية ووطنية رشيدة…
خلاصة القول:
الفرق الجوهري بين دول تقدّمت وأخرى تخلّفت، هو أن الأولى آمنت بالإنسان كمحرك للتنمية، بينما الثانية اكتفت
بتصدير خيراتها وانتظار فتات الشركات الأجنبية. وقد آن الأوان للبلدان النامية أن تعي هذه الحقيقة، وتعيد ترتيب
أولوياتها، لتضع الإنسان في قلب مشروعها التنموي…




