مقالات

الصين والمعبد الآيديولوجي بقلم الدكتور وليد عبد الحي

بقلم الدكتور وليد عبد الحي

الصين والمعبد الآيديولوجي
بقلم الدكتور وليد عبد الحي
شكلت الصين الماوية 1949-1976 نموذجا سياسيا متمردا على التقاليد الصينية التاريخية، ومُصرا على مفهوم محدد للنظام الدولي ،مما جعله يقضي اغلب عمره السياسي خارج المؤسسات الدولية (الامم المتحدة والبنك الدولي ومنظمة التجارة الدولية وكل ما يقود الى الانخراط في العولمة بملامحها المختلفة السياسية والاقتصادية والثقافية….الخ)، وشكل هذا النموذج موضع استقطاب لبعض قوى التحرر العربي ، وتزايد الترابط معه بخاصة بعد مؤتمر باندونغ الشهير 1955.
في تلك الفترة، كانت الآيديولوجيا الماركسية بتفسيرها الصيني هي “الكتاب المقدس” للدولة، واشتدت وطأتها بالحمى الآيديولوجية التي شهدتها فترة الثورة الثقافية .
وبعد ظهور بوادر الاعتلال على ماوتسي تونغ وبداية محاولة ما سمي “عصابة الاربعة” لتولي مقاليد الامور –وكان لزوجته دور بارز في ذلك- تشكلت قوى أقل تقديسا للمنظور الماركسي بنسخته الماوية، وخاضت مواجهة مع عصابة الاربعة خلال العامين 1976-1978، انتهت بتصفية تلك المجموعة ، وبدأت التحديثات الاربعة بقيادة دينغ هيساو بينغ الذي بدأ بقبول تكييف النظرية الماركسية مع بعض “القيم الرأسمالية” مثل ادخال الحافز الفردي، ووضع شروط للعضوية تُغَلب معيار المؤهل التقني على معيار الولاء الآيديولوجي في كل من اللجنة المركزية والمكتب السياسي للحزب وهو ما تبين في تزايد التكنوقراط في اللجنة المركزية بمعدل 35% (عددها 205 اعضاء) وبنسبة 33% في المكتب السياسي(عدده 24)، ثم تقليص مساحة تدخل الحزب في الشأن اليومي لعمل المؤسسات المختلفة ،ثم تحويل الجيش الى مؤسسة انتاجية ، ناهيك عن السماح التدريجي لنمو القطاع الخاص الى ان اصبح-طبقا للبيانات الحكومية الرسمية الصينية- يلامس حدود 60% من اجمالي الناتج المحلي الصيني(ويمثل هذا القطاع الحاص 48,6% من التجارة الخارجية، 56.5% من الاستثمارات، 59.6% من الدخل الضريبي، 70% من الاختراعات التكنولوجية، 80% من موظفي المناطق الحضرية…الخ) .
ما النتائج؟
عند المقارنة بين فترة ماو وحمَّاه الآيديولوجية، مع ما بعدها نجد ما يلي:
1- بعد انضمام الصين الى البنك والصندوق الدوليين عام 1980(كانت نظرة ماو لهما انهما ذراع للراسمالية) ثم الانضمام الى منظمة التجارة الدولية عام 2001 بدأت ملامح التغير تتوالى تدريجيا نتيجة التغيرات في الداخل ومع العالم على النحو التالي:
أ‌- كانت التجارة الخارجية تساوي 5% من الناتج المحلي الصيني ، اصبحت الآن هي الاول عالميا في حجم تجارتها الخارجية وبمبلغ 3.58 تريليون دولار. وتصل معدل صادراتها للعالم حوالي 15.1% من اجمالي صادرات العالم كله.
ب‌- معدل النمو الاقتصادي خلال فترة ماو كان في حدود 4.5%(معدل الفترة كلها)، ارتفع من 1978 الى الآن الى معدل 8.5%، اي قريب الضعف.
ت‌- كان مركز الصين في العولمة(سياسيا واقتصاديا وثقافيا) (وهو ما يشير للانخراط في النظام الدولي) خلال فترة ماوتسي تونغ يقع ضمن الادنى 10% من دول العالم ، هي الآن ضمن الثلث الاول من دول العالم، لكن الملاحظ ان مركزها في العولمة الاقتصادية(الاهم بالمنظور الرأسمالي) وضعها ضمن اعلى عشرين دولة في العالم.
2- من الواضح ان الصين تتجه الى الرحيل من عالم “العزلة الآيديولوجية” الى “قيادة عولمة انتقائية”(وهو ما يكرره الرئيس الصيني الحالي تشي جين بينغ )،وتقوم استراتيجية جين بينغ على تحويل الصين من متلق سلبي لمؤشرات العولمة الى فاعل مركزي لتشكيل العولمة الاكثر تواؤما مع المنظور الصيني،ويقوم منظوره على الموازنة بين الانفتاح الاقتصادي المنضبط بمكيانيزمات السيادة الوطنية الصارمة، اي انها تُهندس العولمة مرتكزة على قواها المرنة القادرة على التكيف مع مؤشرات العولمة بخاصة الاقتصادية منها.
ذلك يعني ان الصين ستعمل مستقبلا على جعل العولمة اكثر اتساقا مع مبدأ السيادة والرقابة الرقمية،ويبدو ان مبادرة الحزام والطريق والبريكس الموسعة هي استراتيجية تستهدف تحويل بنيوي في مركز الثقل الحضاري نحو الشرق الآىسيوي للعولمة .
لكن بالمقابل ،هناك متغيرات قد تدفع للتفكير مليا في مدى قوة الاتجاه الاعظم للصين مستقبلا ، وسأقف عند “احد” هذه المتغيرات وهو موضوع تايوان وسيناريوهاته المحتملة ، على النحو التالي:
أ‌- إن سعي الصين لاستعادة تايوان قد يقود لعقوبات اقتصادية عليها من المركز الرأسمالي ،مما قد يؤثر على سلاسل الامداد التقني وتلكؤ راس المال الاستثماري الخارجي،مما قد يدفع لبعض “الانكفاء الاستراتيجي”
ب‌- قد تلجأ الصين الى سياسة النفس الطويل باستمرار الضغط طويل الامد على تايوان(دون عمل عسكري مباشر) من خلال تحرشات وتهديدات عسكرية، تضييق اقتصادي وسيبراني عليها،عزل سياسي لها عن بقية دول العالم ، وهذا البديل سيؤدي لنتائج ايجابية للصين ولن يعرقل صعودها الحالي ،مما يعني استمرار الاتجاه الاعظم الصيني مع احتمال بعض التباطؤ
ت‌- احتمال ان يتفق الطرفان التايواني والصيني على نوع من “الكونفدرالية”(على غرار معادلة دولة بنظامين كما جرى مع هونغ كونغ) ،وهو ما يشكل مخرجا للطرفين ،وتشعر تايوان مع هذا السيناريو بنكهة الاستقلالية ،وتشعر الصين بقدر من فرض السيادة التي تأمل ان تزداد تعميقا في مراحل لاحقة.
اخيرا، نعم هناك قوة عالمية ترسخ قدمها في بنية النظام الدولي ، وتفرض موقفها، لكن ضجيج اجراس هذا المعبد لم يصل الى “الذين تعرفونهم” من انظمة سياسية او احزاب سياسية….ربما.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب