السلطة الفلسطينية على حافة الانهيار المالي: هل بدأت إجراءات الطوارئ فعليًا؟

السلطة الفلسطينية على حافة الانهيار المالي: هل بدأت إجراءات الطوارئ فعليًا؟
✍️ بقلم: المحامي علي أبوحبله
في ظل أزمة مالية خانقة وغير مسبوقة تهدد قدرة السلطة الفلسطينية على الوفاء بالتزاماتها الأساسية تجاه المواطنين، جاء بيان الحكومة الأخير ليكشف عن توجهات جديدة عنوانها العريض “التقشف”، وسط تساؤلات متزايدة عمّا إذا كان هذا البيان مجرد إجراءات مرحلية أم أنه مقدمة لإعلان حالة طوارئ اقتصادية تمنح الحكومة صلاحيات استثنائية لاتخاذ قرارات صعبة وغير شعبية، في مقدمتها خفض النفقات وفاتورة الرواتب.
أزمة مالية مركبة وضغوط خانقة
لا شك أن الوضع المالي الفلسطيني يعيش إحدى أسوأ مراحله منذ تأسيس السلطة الوطنية. تتشابك عدة عوامل لتغذية هذه الأزمة، أبرزها:
احتجاز إسرائيل لعائدات المقاصة التي تمثل العمود الفقري للإيرادات الفلسطينية، ما أدى إلى شلل مالي شبه كامل.
تراجع الدعم الخارجي بفعل التحولات الإقليمية والدولية.
الركود الاقتصادي الداخلي الذي ازداد حدة بفعل الأوضاع السياسية والأمنية الصعبة.
أمام هذا الواقع، تجد الحكومة نفسها محاصرة بين خيارين أحلاهما مرّ: الاستمرار في الاقتراض والعجز المالي أو اللجوء إلى سياسات تقشفية صارمة لتفادي الانهيار المالي الكامل.
قراءة في بيان الحكومة الأخير
بيان مجلس الوزراء حمل نبرة حادة تعكس إدراكًا لحجم الأزمة، وأعلن عن حزمة إجراءات عاجلة أبرزها:
إعادة هيكلة المؤسسات الحكومية ودمج أو إلغاء بعض الهيئات لتقليص النفقات التشغيلية.
تجميد التعيينات والترقيات في الجهاز الحكومي.
وقف شراء المركبات الحكومية وتقليل السفريات والنفقات الإدارية.
إمكانية صرف نسب من الرواتب بدلاً من الرواتب الكاملة في حال استمرار الأزمة.
ورغم أن البيان لم يعلن صراحة حالة الطوارئ الاقتصادية، إلا أن مضمونه يوحي بأن السلطة بدأت فعليًا تطبيق “موازنة طوارئ” بحكم الأمر الواقع، لتفادي الانهيار المالي الوشيك.
إجراءات استثنائية أم مقدمة لمحاسبة شاملة؟
يقرأ مراقبون البيان باعتباره اعترافًا ضمنيًا بدخول مرحلة “الإدارة بالأزمة”، مع التحضير لاتخاذ قرارات غير مسبوقة قد تشمل:
خفض الرواتب بشكل دائم كحل اضطراري لتقليل العجز.
فرض التقاعد الإجباري لموظفي الفئات العليا والمتوسطة في القطاعين المدني والأمني.
إلغاء الامتيازات والمكافآت العليا التي تثقل كاهل الموازنة.
هذه القرارات – رغم ضرورتها الاقتصادية – قد تترك تداعيات اجتماعية وسياسية عميقة، خاصة في ظل ارتفاع معدلات البطالة والفقر.
بين الإصلاح المالي وضمان العدالة الاجتماعية
إن مواجهة الأزمة المالية تتطلب توازنًا دقيقًا بين الإجراءات التقشفية وحماية الفئات الأكثر هشاشة، لكن الأهم هو اتخاذ قرارات جريئة تتسم بالعدالة والشفافية، بما يشمل:
إصلاح ضريبي عادل يوسع القاعدة الضريبية ويحد من التهرب الضريبي، مع توزيع الأعباء بشكل منصف على مختلف الشرائح.
ضغط سياسي ودبلوماسي لتحرير أموال المقاصة المحتجزة لدى إسرائيل، باستخدام كافة الأوراق القانونية والدولية.
إلغاء الامتيازات العليا والمكافآت الخاصة بكبار المسؤولين كخطوة أولى لاستعادة الثقة الشعبية.
إطلاق خطة شاملة لمكافحة الفساد واسترداد الأموال العامة المنهوبة، عبر تفعيل مؤسسات الرقابة ومحاسبة كل من يثبت تورطه دون استثناءات أو حصانات.
إعلان ميثاق وطني للشفافية يضع الحكومة تحت رقابة مجتمعية مباشرة، ويضمن اطلاع الرأي العام على تفاصيل الأزمة والمعالجات المقترحة.
الخلاصة: خيارات صعبة على الطاولة
إن معالجة الأزمة المالية لا يمكن أن تقتصر على سياسات تقشفية تستهدف الطبقة الوسطى والفقيرة فقط، بل تتطلب إصلاحًا شاملاً يعالج الاختلالات البنيوية في الاقتصاد الفلسطيني، ويضمن استرداد المال العام ومساءلة كل من أساء استخدام السلطة أو استغل المال العام.
اللحظة الحالية تمثل اختبارًا حقيقيًا لقدرة الحكومة الفلسطينية على التحرك خارج دائرة الإجراءات التقليدية نحو إصلاح مستدام يعيد الثقة بالمؤسسات الرسمية، ويجنب المجتمع الفلسطيني تداعيات الانهيار المالي الوشيك.