تفاؤل حذر في مفاوضات غزة

تفاؤل حذر في مفاوضات غزة
بقلم رئيس التحرير
تدخل مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة مرحلة دقيقة وحاسمة، وسط استمرار التعثر حول أبرز نقاط الخلاف المتعلقة بخرائط انتشار الجيش الإسرائيلي خلال فترة الهدنة المقترحة، التي تمتد لـ60 يوماً. وبينما يراقب الفلسطينيون بقلق مصير الاتفاق، تبرز مؤشرات على رغبة الأطراف الدولية في تسريع التوصل إلى صيغة نهائية، لتجنب انهيار المحادثات.
خرائط الانتشار.. عقدة المفاوضات
أظهرت المعطيات التي نقلتها مصادر فلسطينية أن خرائط الانتشار الإسرائيلية المعدلة لا تزال بعيدة عن الحد الأدنى المقبول فلسطينياً. إذ تنص النسخة الجديدة على انسحاب جزئي لقوات الاحتلال من محور “موراج” بين خان يونس ورفح، مع إبقاء وجود عسكري محدود على مسافات تصل إلى كيلومتر واحد داخل القطاع، ما يمنح إسرائيل سيطرة فعلية على ما يقارب 20% من الأراضي.
هذا التوجه يثير مخاوف المقاومة من أن تتحول الهدنة إلى مرحلة انتقالية تُكرّس واقعًا جديدًا على الأرض، يسمح لإسرائيل بإعادة التموضع العسكري والسياسي. وفي المقابل، تبدي حماس استعدادًا مبدئيًا للتعامل مع الخرائط المعدلة شريطة إجراء تعديلات جوهرية تضمن انسحاب الاحتلال وفق ما جاء في اتفاق يناير الماضي.
خيارات قوى المقاومة في حال التعثر
في حال تعثر المفاوضات واستمرار تعنت إسرائيل بشأن ملفات خرائط الانتشار وتبادل الأسرى، تبدو أمام قوى المقاومة الفلسطينية عدة خيارات تكتيكية واستراتيجية؛ أبرزها: العودة إلى الضغط الميداني عبر تكثيف العمليات ضد قوات الاحتلال المتمركزة في القطاع، بهدف كسر الجمود التفاوضي وفرض معادلات جديدة. كما أن هناك دعوات داخلية لتبني نهج “إدارة المعركة الطويلة” في حال فشل مسار الوساطات، وهو ما قد يعيد المنطقة إلى دائرة التصعيد الإقليمي، خاصة في ظل ارتباط الساحة الفلسطينية بجبهات دعم خارجي من لبنان واليمن. ومع ذلك، تدرك المقاومة أن هذا الخيار يحمل مخاطر على الصعيد الإنساني والمدني في القطاع، ما يجعلها حريصة على منح الوسطاء مساحة أكبر قبل الانتقال لأي خطوة تصعيدية.
الأسرى.. الورقة الأكثر حساسية
لا يقل ملف تبادل الأسرى حساسية عن خرائط الانتشار، إذ ترى حماس أن الإفراج عن عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين شرط أساسي لاستكمال الاتفاق. في المقابل، ترفض إسرائيل حتى الآن القبول بإطلاق سراح أسماء قيادية بارزة، وهو ما يهدد بتفجير التفاهمات في حال عدم تقديم تنازلات متبادلة.
الوساطة الدولية وضغط أمريكي متباين
تلعب الوساطة الأميركية دورًا محوريًا في محاولة جسر الهوة بين الطرفين، غير أن التباين في أولويات واشنطن، بين دعم إسرائيل واحتواء الأزمة الإنسانية في غزة، يحد من فعالية هذا الدور. ومع استمرار الضغوط على نتنياهو داخليًا من معسكرات اليمين المتطرف، يبدو أن القرار الإسرائيلي سيكون مرهونًا بحسابات سياسية معقدة تتجاوز إطار المفاوضات الحالية.
سيناريوهات الأسبوع الحاسم
السيناريو الإيجابي: استجابة إسرائيلية لمطالب التعديل على خرائط الانتشار، ما يفتح الطريق لإقرار هدنة الـ60 يومًا والانتقال سريعًا إلى مرحلة تبادل الأسرى.
السيناريو السلبي: تمسك تل أبيب بمواقفها الحالية، ما يؤدي إلى انهيار المفاوضات ودفع الأوضاع الميدانية نحو تصعيد جديد.
السيناريو الوسط: اتفاق على “تفاهمات مرحلية” تضمن تهدئة مؤقتة، لكنها تترك الملفات الشائكة مثل الانتشار والأسرى مفتوحة لجولات لاحقة.
خاتمة: تفاؤل حذر وإشارات متناقضة
بينما تتواصل المشاورات داخل الأروقة المغلقة، يبقى التفاؤل الحذر سيد الموقف. لكن تجارب سابقة تؤكد أن أي اتفاق لن يُكتب له النجاح ما لم يُرفق بضمانات دولية قوية، وترتيبات ميدانية تعالج مخاوف كل طرف. ويبقى السؤال الأبرز: هل ستنجح الأطراف المعنية، تحت وطأة الضغوط الإقليمية والدولية، في تحويل هذه الهدنة إلى نقطة انطلاق نحو حل أشمل، أم أن غزة ستظل رهينة لجولات استنزاف جديدة؟