الفلسطينيون.. خط الدفاع الأول عن الأمن القومي العربي

الفلسطينيون.. خط الدفاع الأول عن الأمن القومي العربي
بقلم: رئيس التحرير
منذ عقود، شكلت القضية الفلسطينية بوصلة الصراع في المنطقة، ليس لأنها قضية شعب محتل فقط، بل لأنها كانت ولا تزال صراعًا على هوية المنطقة ومستقبلها وموقعها في النظام العالمي. فلسطين، بما تمثله جغرافيًا وسياسيًا وتاريخيًا، كانت السد المنيع أمام مشروع استعماري توسعي يهدف لإعادة رسم خارطة الشرق الأوسط بما يخدم مصالح القوى الكبرى ويحول الوطن العربي إلى كيانات ضعيفة ومتناحرة.
اليوم، وبينما يخوض الشعب الفلسطيني معركته الوجودية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، تتكشف ملامح مرحلة أكثر خطورة، عنوانها “التفتيت بعد التجزئة”. فالمخططات التي بدأت بوعد بلفور وجرى تكريسها في سايكس بيكو، يجري اليوم تحديثها بأدوات جديدة أكثر خبثًا: إشعال الصراعات المذهبية، تغذية النزاعات العرقية، وإغراق المجتمعات العربية في فوضى داخلية تستنزف قواها وتدمر نسيجها الاجتماعي والسياسي.
سوريا التي كانت عمقًا استراتيجيًا لفلسطين تمزقت بفعل حرب طاحنة ذات أبعاد إقليمية ودولية، ولبنان يُدفع نحو هاوية الانهيار الاقتصادي والسياسي تحت وطأة استقطابات طائفية مدمرة. العراق الذي كان يومًا حجر زاوية في معادلة التوازن الإقليمي، يعيش تداعيات احتلال أمريكي وصراع داخلي مزمن قسم المجتمع على أسس طائفية وعرقية. واليمن، في أقصى جنوب الجزيرة العربية، تحول إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية، بينما شعبه يرزح تحت أكبر كارثة إنسانية في العصر الحديث.
كل هذه الأمثلة ليست عشوائية، بل هي تنفيذ عملي لمشروع قديم متجدد يهدف إلى “تجزئة المجزأ وتقسيم المقسم”، بحيث لا يبقى في الوطن العربي قوة موحدة أو حتى شبه موحدة قادرة على مواجهة إسرائيل أو الدفاع عن القضايا العربية.
في قلب هذه المعادلة، يقف الفلسطينيون وحدهم تقريبًا، يخوضون معركة استنزاف طويلة مع إسرائيل، نيابة عن أمة عربية غائبة أو مغيبة. ورغم محدودية الإمكانيات والحصار الخانق، نجح الفلسطينيون في إفشال الكثير من المخططات، ومنعوا تحول إسرائيل إلى قوة مهيمنة بالكامل على المنطقة. لكن استمرار تركهم وحدهم في الميدان ليس إلا إيذانًا بانهيار آخر ما تبقى من منظومة الأمن القومي العربي.
لقد حان الوقت لأن يصحو النظام الرسمي العربي من غيبوبته، قبل أن يتحول كل قطر عربي إلى نسخة أخرى من المشهد السوري أو العراقي أو اليمني. إن الدفاع عن فلسطين ليس خيارًا أخلاقيًا فقط، بل هو ضرورة وجودية لحماية العواصم العربية من نفس المصير. فما يحدث اليوم يؤكد أن من لا يدافع عن القدس، سيدفع ثمن سقوطها في شوارع عاصمته عاجلًا أم آجلًا.
نداء عاجل إلى صناع القرار العرب والنخب السياسية
إن اللحظة الراهنة لا تحتمل التردد أو الحسابات الضيقة. أنتم أمام مسؤولية تاريخية تفرض عليكم الارتقاء إلى مستوى التحديات التي تعصف بأمتنا. إن ترك الفلسطينيين وحدهم في مواجهة مشروع التوسع الإسرائيلي، والتغاضي عن مخاطر تغذية الطائفية والصراعات العرقية، هو تواطؤ غير مباشر في تسليم الوطن العربي لمصير مظلم من التقسيم والتفتيت.
إننا نناشدكم بوعي التاريخ وبثقل الأمانة، أن توحّدوا الصفوف العربية وتعيدوا تعريف أولويات الأمن القومي على أسس التضامن الحقيقي، لأن ساعة الانهيار الشامل تقترب، ولن ينجو أحد إذا سقطت فلسطين وسقطت معها ركائز الاستقرار العربي.
فهل تصحون قبل فوات الأوان؟ أم أنكم ستتركون شعوبكم تواجه مصيرها وحدها كما تُرك الفلسطينيون؟