رئيسيالافتتاحيه

الجوع يقتل غزة: جريمة حرب على مرأى العالم

الجوع يقتل غزة: جريمة حرب على مرأى العالم
بقلم رئيس التحرير
في غزة، لا تدوي القنابل وحدها، بل تدوي صرخات الجوع التي تخترق صمت العالم. أكثر من مليوني إنسان يُحاصرون منذ شهور في مساحة لا تتجاوز 365 كيلومترًا مربعًا، بلا غذاء كافٍ، بلا مياه نظيفة، بلا دواء، بينما تتداعى منظومة الحياة تحت وطأة الجوع والمرض. هنا، لا يمكن وصف ما يحدث بأنه “أزمة إنسانية”، بل هو سلاح ممنهج للتجويع الجماعي، جريمة مكتملة الأركان أمام أعين مجتمع دولي تجرد من ضميره، وتخلى عن أبسط القيم الإنسانية التي طالما تشدّق بها.
أولاً: الجوع كسلاح حرب – انتهاك لاتفاقيات جنيف
وفقًا للمادة 54 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1977، يُحظر بشكل قاطع استخدام التجويع كسلاح ضد المدنيين. كما تُلزم المادة 55 من اتفاقية جنيف الرابعة القوة القائمة بالاحتلال بضمان توفير الغذاء والدواء للسكان الواقعين تحت الاحتلال.
لكن في غزة، يُفرض حصار خانق يمنع إدخال الغذاء والماء والوقود والدواء، وتُستهدف المنشآت الحيوية من مستشفيات ومخازن غذاء، ليواجه المدنيون موتًا بطيئًا لا يقل بشاعة عن القصف المباشر. هذه السياسات، وفق القانون الدولي، ترقى إلى جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، بل ويصفها خبراء حقوق الإنسان بأنها شكل من أشكال الإبادة الجماعية.
ثانيًا: مسؤولية المجتمع الدولي – التواطؤ بالصمت
العالم لا يجهل ما يحدث، بل يراه لحظة بلحظة، ومع ذلك يلتزم الصمت المريب. الدول الكبرى، التي طالما رفعت شعارات “حماية المدنيين”، لم تتجاوز بيانات الإدانة الخجولة، فيما يواصل مجلس الأمن الدولي فشله المزمن في إصدار قرار ملزم يوقف المجازر ويفك الحصار، بفعل الفيتو الأمريكي المتكرر.
هذا الصمت لا يعني فقط عجز النظام الدولي، بل يمثل تواطؤًا يُحمّل المجتمع الدولي مسؤولية قانونية وأخلاقية عن استمرار هذه الجريمة. فوفق مبادئ مسؤولية الحماية (R2P)، يُعد الإخفاق في منع أو إيقاف الجرائم ضد الإنسانية تقصيرًا جسيمًا يهدد مصداقية القانون الدولي برمّته.
ثالثًا: إعادة تعريف الضمير العالمي
ما يحدث في غزة يكشف أزمة عميقة في منظومة القيم الإنسانية. فهل الإنسانية تُقاس بلون البشرة وجواز السفر؟ لماذا تتحرك المؤسسات الدولية بسرعة في مناطق أخرى، بينما يُترك أطفال غزة يموتون جوعًا ومرضًا؟ هذه الازدواجية المقيتة لن تزيد إلا من فقدان الشعوب المستضعفة ثقتها في النظام العالمي القائم، وتدفع نحو مزيد من الفوضى واليأس.
نداء إلى الضمير العالمي
لقد آن الأوان للعالم أن يتحرك قبل أن تتحول غزة إلى مقبرة جماعية يتداولها التاريخ كدليل على موت الضمير الإنساني. فكوا الحصار، أوقفوا آلة التجويع، حاسبوا المسؤولين عن جرائم الحرب هذه أمام المحكمة الجنائية الدولية، وأعيدوا الاعتبار للإنسانية قبل أن تضيع نهائيًا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب