تحقيقات وتقارير

ضربات إسرائيل في سوريا… هدفها المعلن «حماية الدروز» والمخفي مختلف وأخطر

ضربات إسرائيل في سوريا… هدفها المعلن «حماية الدروز» والمخفي مختلف وأخطر

الناصره /وديع عواودة

 وسط حرب إبادة لا تتوقف منذ 655 يوما في غزة البادية بفعل التدمير كهيروشيما تعلن إسرائيل صباح مساء أنها لن تسمح بتعرض الدروز في سوريا لمذبحة، بيد أن الحسابات التي تحركّها مختلفة تماما. لو كان مصير العرب الدروز يهمها فعلا إلى حد بذل الجهود والتدخّل المكّلف في شؤون دولة أخرى لما كانت قدّ شرعّت قانون القومية عام 2018 الذي عرفّها دولة لليهود وحوّلت المواطنين العرب فيها ضيوفا في وطنهم بمن فيهم الدروز الفلسطينيون رغم أنهم يؤدون الخدمة العسكرية منذ فرضت عليهم عام 1954 ومن وقتها قتل عشرات منهم في حروبها.
منذ زمن بعيد كانت أوساط متنفذّة في الحركة الصهيونية ومن قبل قيام إسرائيل عام 1948 تطمع بتقسيم سوريا لدويلات طائفية منها دولة للدروز في جبل العرب والجولان ودولة للمسيحيين خاصة الموارنة في جبل لبنان. لم تمت هذه الأطماع والحسابات الجيوسياسية في إسرائيل حتى اليوم وقد تجلّت بعمليات تحطيم القدرات العسكرية وبعض البنى التحتية المدنية في سوريا بحجة استهداف النظام السابق برئاسة بشار الأسد كونه جزءا من محور المقاومة. هذه الضربات الجوية في طول وعرض سوريا التي نفذتها وتنفذّها إسرائيل في الشهور الأخيرة تصب في خدمة هذا المطمع الرامي لتحويل سوريا لدويلات عرقية حتى لا تقوم للدولة السورية القومية قائمة بكل ما فيها من دلالات وأحمال تاريخية منذ كانت دمشق المدينة في المنطقة، عاصمة الأمويين. على الأقل تسعى إسرائيل بهذه الضربات والتدخلات وصب الزيت على توترات طائفية وإثنية في سوريا لإضعاف الأخيرة والضغط عليها وابتزازها كي ترضى ببيع روحها وهويتها وتاريخها ومستقبل أبنائها بأن تدخل دائرة الخضوع إن لم يكن التطبيع والمذلّة.

تجربة إسرائيل والموارنة

لا يفوت آخر صانع قرار في إسرائيل ولا يفوت من في رأسه نصف عقل أن تدخلها العسكري تحت لافتة «إنقاذ الإخوة الدروز» في سوريا سيكون عليهم لا لهم، بل يورّطهم في حرب تتسع مع أبناء جلدتهم كما يحذّر مجددا وليد جنبلاط. مثلما أنه في المقابل وفي ذات الوقت واضح جدا أن الأغلبية السنية والدولة السورية تتحمل مسؤولية أكبر في موضوع حفظ السلم الأهلي ومنع الفتنة والتصميم على بلوغ الهدف الأسمى بدون حسابات أخرى. بصرف النظر عن الدوافع فإن بعض قادة بني معروف في جبل العرب ممن يستقوون بإسرائيل إنما يحاولون عمليا إطفاء النار بالبنزين، ويعرقل مساعي كل من يهمه مستقبل سوريا بأن تكون هذه للسوريين جميعا يتساوى فيها أبناؤها بالحقوق والواجبات استنادا للحوار الوطني والدستور الجامع. نظرة للتاريخ السوري تدلل على أن الدروز جزء من النسيج الاجتماعي القومي فيها ومن ديارهم في جبل العرب على سبيل المثال انطلقت الثورة العربية الكبرى ضد الاستعمار الفرنسي عام 1925 وفيها قدموا تضحيات حقيقية ما زالت قادرة على أن تكون مصدر إلهام وتغذية للهوية الوطنية. في هذا المضمار التاريخي يشار أن الراحل دكتور منصور سلطان باشا الأطرش ومئات من شيوخ بني معروف قد اصطفوا على جانبي الطريق المركزي في السويداء وهم ينشدون بالأهازيج الاحتفالية التراثية «المرادحة» في استقبال وفد من فلسطينيي الداخل زار سوريا في صيف 1997 وما لبث أن استقبل الوفد الزائر داخل مضافة والده المجاهد الكبير في السويداء وبعدما تحدث الناطق بلسان الوافدين من فلسطين الشاعر الراحل سميح القاسم قال الأطرش مرتديا لباسه العربي التقليدي مع الكوفية والعقال: «الجولان المحتل عزيز جدا على قلوبنا فترابه مبلل بدماء أبنائنا الشهداء ومع ذلك أقول فهو لا يساوي ذرة تراب في حجر من حجارة الأقصى»، معبرا بذلك عن هوية ورؤية بني معروف السوريين. في البلد المجاور لبنان تدلل التجربة التاريخية ومحاولة الموارنة التحالف مع الدبابة أو الطائرة العسكرية الإسرائيلية على أن الاستقواء بالأجنبي مقابل ابن البلد الشريك والجار ليس سوى وهم ولعب بالنار، وهذا ما يؤكده قادة سياسيون وروحيون من دروز جبل العرب في سوريا منذ شهور.

أطماع نتنياهو

وهذا ما يدعو له بعض قادة الدروز الفلسطينيون (يقيمون في الجليل والكرمل ويشكّلون 10 في المئة من فلسطينيي الداخل) من الوطنيين بل بعض الذين انتسبوا مرة لأحزاب إسرائيلية أمثال عضو الكنيست الأسبق عن «الليكود» أسعد الأسعد من قرية بيت جن في الجليل الأعلى. مقابل عضو الكنيست الأسبق عن حزب «العمل» صالح طريف الذي يتماثل مع موقف المرشد الروحي للدروز الفلسطينيين الشيخ موفق طريف الداعي للتدخل العسكري الإسرائيلي، يحذر أسعد الأسعد من مغبة ذلك متطابقا مع موقف جنبلاط رافضا لدخول شباب دروز من الجليل والكرمل للأراضي السورية بعدما سمح الجيش الإسرائيلي لهم باجتياز الحدود بسهولة بشكل مريب قبل أيام. ويتساءل دروز فلسطينيون أيضا عن تلكؤ إسرائيل وتأخرها ساعات طويلة في القصف حتى وصل «الجهاديون» للجبل وارتكبوا جرائم بحق الدروز، ويعتقد صالح طريف أنه كان بمقدور إسرائيل أن تمنع المذبحة بمكالمة تهديد هاتفية واحدة، كما جاء في تصريحاته الإعلامية في الأيام الأخيرة، ويأخذ بعض المعارضين له تصريحه هذا للتأكيد على أن إسرائيل كانت معنية بهذه الفوضى للتدخل لاحقا، فتصرف بذلك الأنظار عنها وعما تفعله في غزة وتظهر بصورة الدولة الإنسانية التي تقدّم المساعدة لضحايا «الجهاديين البرابرة». وذهب المحلل العسكري في صحيفة «هآرتس» للقول الجمعة إن نتنياهو رغب باصطياد عدة عصافير من خلال هذه الفوضى في سوريا منها نسج أجواء عامة بأن المخاطر والتهديدات ما زالت محيطة بإسرائيل ضمن محاولة لتبرير مواصلة الحرب على عدة جبهات، كسب ود الدروز الغاضبين والطمع باستعادتهم للتصويت لحزبه في الانتخابات العامة الوشيكة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب