رئيسيالافتتاحيه

غزة… وصمة عار في جبين الإنسانية المفقودة

غزة… وصمة عار في جبين الإنسانية المفقودة

بقلم:رئيس التحرير

منذ أكثر من عشرين عامًا، يعيش أكثر من مليوني إنسان في قطاع غزة تحت حصار خانق، حُرموا فيه من أبسط مقومات الحياة. المياه ملوثة أو مقطوعة، الدواء شحيح، الغذاء ممنوع أو مقنن بقرارات تعسفية، والكهرباء لا تكاد تصل ساعات محدودة في اليوم. أطفال غزة يتضورون جوعًا، ومرضى السرطان والفشل الكلوي يموتون بصمت، فيما آلة الحرب الإسرائيلية تواصل جرائمها اليومية بلا رادع، تحت مرأى ومسمع عالم يدّعي التحضر والإنسانية.

أرقام تكشف عمق المأساة

في الأشهر الأخيرة، تحولت غزة إلى محرقة بشرية معاصرة:

61,200 شهيدًا فلسطينيًا منذ بداية الحرب، بينهم نحو 59,220 في غزة وحدها، ويشكل الأطفال والنساء ما يقرب من 80% من الضحايا.

وفاة أكثر من 70 طفلًا بسبب الجوع وسوء التغذية الحاد، فيما يواجه نحو 60,000 طفل خطر المجاعة الفعلية.

ارتفع معدل سوء التغذية الحاد لدى الأطفال دون الخامسة من 5.5 % في مارس إلى 10.2 % في يونيو، ما ينذر بكارثة إنسانية ممتدة الأثر.

تقول التقارير إن 5,800 حالة سوء تغذية سجلت لدى الأطفال في يونيو وحده، بينهم أكثر من 1,000 حالة شديدة. حتى الأمهات الحوامل لم يسلمْن من الجوع، إذ توفي بعضهن نتيجة الهزال وسوء التغذية، وبلغ وزن الواحدة منهن أقل من 40 كجم في الشهر السادس من الحمل.

وفيما توقفت 90 % من محطات تحلية المياه وشبكات الصرف الصحي، تفشّت أمراض قاتلة مثل الإسهال المائي الحاد الذي يشكل الآن 44 % من الأمراض المسجلة، مع تسجيل 484 حالة التهاب سحايا في يونيو وحده.

قوانين انتقائية وعالم متواطئ

في الوقت الذي يُحرم فيه أهل غزة من حقهم في الحياة الكريمة، تتجرأ عصابات النهب الدولية على المطالبة بـ”الحماية” وتعلن استعدادها لإدارة معبر رفح وكأنها وصية على دماء الغزيين. هذا السلوك يمثل استخفافًا بالقانون الدولي الإنساني وابتزازًا سياسيًا وأخلاقيًا لشعب أعزل يُذبح ببطء.

للأسف، هناك من القيادات الفلسطينية من يبدو منفصلًا عن الواقع، عاجزًا عن إدراك حجم الكارثة الإنسانية التي تتكشف في غزة. وبينما تتعرض غزة لإبادة جماعية موصوفة، يكتفي كثيرون بالبيانات والتصريحات، وكأنها تغطي عجزهم بدلًا من أن تعبّر عن إرادة سياسية حقيقية لوقف المجزرة.

المجتمع الدولي الذي يتفنن في استخدام قوانين مثل “معاداة السامية” لحماية إسرائيل من النقد، يقف عاجزًا – أو متواطئًا – أمام جريمة القرن الحادي والعشرين. أليس ما يجري في غزة هو معاداة للسلمية والإنسانية؟ لماذا لا يُطبق قانون “معاداة السامية” على هذه الجريمة النكراء بحق أطفال ونساء وشيوخ غزة؟

أين الفزعة العربية؟ أين النخوة الإسلامية؟

لقد سقطت كل الأقنعة، فلا الفزعة العربية تحركت، ولا النخوة الإسلامية انتفضت، ولا الضمير العالمي استيقظ من سباته العميق. غزة اليوم تختصر مأساة إنسانية وسياسية وأخلاقية تعكس انهيار المنظومة الدولية التي انحازت بالكامل إلى جانب الجلاد ضد الضحية.

جريمة مكتملة الأركان

إن ما يحدث في غزة ليس مجرد عدوان عسكري، بل جريمة حرب وإبادة جماعية مكتملة الأركان وفقًا لاتفاقية منع الإبادة الجماعية لعام 1948، واتفاقيات جنيف التي تكفل حماية المدنيين وقت الحرب. السكوت الدولي يمثل مشاركة ضمنية في هذه الجريمة، ويضع الحكومات والدول أمام مسؤوليات قانونية وأخلاقية، لن يسقطها تقادم الزمن.

نداء إلى الضمير العالمي

غزة لا تحتاج اليوم إلى بيانات الشجب والإدانة، بل إلى تحرك عاجل يوقف شلال الدم، ويكسر الحصار، ويعيد للإنسانية بعضًا من اعتبارها المفقود. إن التاريخ لن يرحم، وسيبقى يسجل أن القرن الحادي والعشرين شهد جريمة كبرى في غزة، بينما وقف العالم متفرجًا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب