مقالات

عندما يحكم البلطجية العالم بقلم صلاح الدين الجورشي

بقلم صلاح الدين الجورشي

عندما يحكم البلطجية العالم
بقلم صلاح الدين الجورشي
20 يوليو 2025
تكاد الساحة الدولية تخلو من قادة دول يتمتعون بقدر من الحكمة والمسؤولية الأخلاقية، سواء في إدارة شؤون بلدانهم، أو بالأخص في الحد من الفوضى التي تكاد تسود العالم. هناك انهيارٌ متسارعٌ في مستوى السياسيين. إذ كلما صعد جيل من القادة، كشفت الأحداث عن كونهم أسوأ من سابقيهم، ما أدى إلى تكاثر الرؤساء المصابين بمختلف الأمراض والعقد النفسية، فالتنافس قائم بينهم من أجل التغوّل والسيطرة على كل ما من شأنه أن يزيدهم بطشاً وتهديداً للسلم والأمن الدوليين.
هناك شخصان أفرزتهما الأوضاع الراهنة ليصبحا الأكثر خطورة من البقية، وكلاهما يتصرف على نقيض ما تقتضيه فلسفة القانون الدولي. الأول بلا منازع نتنياهو. بلطجي يقود كياناً متمرّداً على الجميع، لا يعترف بوجود ضوابط، ولا يتقيد بتشريعات، ولا يلتزم عهوداً. مهمّته إشعال الحروب، والكذب على الجميع، وفعل كل ما هو محرّم من أجل البقاء في السلطة بأي ثمن. الثاني دونالد ترامب، الذي مكّنه العجز والخواء السياسي من أن يعود إلى الإمساك بمقود أقوى دولة. وبما أنه مصابٌ بداء العظمة، فإن قيادته يغلب عليها سلوك جنوني، ما أحدث حالة من الفوضى، وأربك الجميع في كل مكان. حتى حلفاء أميركا التاريخيون أصابهم الذعر والارتباك، فترامب لا يشكل فقط خطراً على أميركا، بل أيضاً على الجميع مهما كانت أحجامهم. هو يعتمد أسلوب القوة لفرض سياساته، ويتعامل بفوقيةٍ رهيبةٍ ومقيتةٍ، مثلما حصل مع خمسة رؤساء أفارقة دُعوا بسرعة لإهانتهم في دقائق، حيث أُشرِكوا في مسرحية تنكّرية ركيكة ومقزّزة.
لم ينجح ترامب في معالجة أي مشكل، وهو الذي يرى في نفسه “منقذ العالم”، إذ خلافاً لشعاراتٍ روّجها، شارك بوعي في حرب الإبادة التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني، وتعامل مع قضيته المقدّسة بطريقة فظيعة وغير مسؤولة. حتى الملف السوري عجز عن معالجته بجدّية. وبدل أن يدرك أهمية الشام ومكانة سورية وتعقّد وضعها الداخلي، سلّم الملف السوري للثعبان نتنياهو، الذي ناور الجميع، واستغل الفرصة المتاحة ليعمل على تقسيم البلد، ومنعه من استعادة دولته ووحدته الترابية والسياسية من خلال التدخل في شؤونه، واستثمار تناقضاته الداخلية، وهو يعمل حالياً على تفكيك البلد بفضل تفوقه الجوي.
وكلما اختلفت واحدةٌ من دول الطوق مع الماسكين بالسلطة في تل أبيب، حرّكوا جيشهم لفرض الوصاية على البقية. وبعد أن كان نتنياهو حريصاً على كسب ود السعودية باعتبارها الدولة الأكثر وزناً في الخليج، غيّر أسلوبه معها بعد أن تضاعف لديه الشعور بالقوة والتحدّي والغرور، من دون أن يلقى اعتراضاً جدّياً من الرئيس الأميركي الذي شعر بالسعادة وهو يتسلم ورقة ترشيحه لجائزة نوبل للسلام من مجرم حرب متهم بالإبادة الجماعية. … ما يجري من مهازل التاريخ.
نعيش مرحلة تجفيف الإنسانية من كل نوازع الخير فيها. هذا ليس خطاباً بلاغياً يساق في حالة ضعف وعجز. إنه محاولة غوص لفهم طبيعة ما يجري حولنا من سعي حثيث لتركيع الأمة وتغيير خرائط الجغرافيا. وهو ما يحيلنا على كتاب “صناعة الوحوش… كيف يجرّد البشر من إنسانيتهم” للأميركي ديفيد ل. سميث، وصدر أخيراً بالعربية بترجمة سلمى الحافي. يقول المؤلف: “مفهومي عن التجريد من الإنسانية بسيط. نجرّد الآخرين من إنسانيتهم عندما ننظر إليهم باعتبارهم مخلوقاتٍ دون بشرية”. وهذا لا يفسر فقط ظاهرة القتل العشوائي بدم بارد للأطفال والنساء في غزّة على سبيل المثال، لكنه يعرّي أيضاً الطريقة التي تدار بها شؤون الدول والشعوب في غياب القيم والأخلاق، فإن لم تكن قوياً تُدَس، وإن لم تكن غنياً تُستغل وتُسحق في عالم يسوده المفترسون الذين يحيلونه إلى غابة بلا قانون ولا حدود، فالليبرالية المتوحشة لا تكتفي هذه المرّة باستغلال البؤساء، بل تحاول أن تجرف في طريقها كل شيء جميل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب