
أشرعةٌ تُطوى وأخرى تُنشر
بقلم مصطفى كامل -العراق –
على مدى سنوات سمعنا وقرأنا آلاف المقالات التي تتحدث عن “تجزئة المجزّأ وتقسيم المقسّم” في إشارة إلى خرائط جديدة تُرسَم للمشرق العربي؛ خرائط تُقسّم فيها البلدان المشرقية العربية الرئيسية (العراق، سوريا، السعودية) إلى أجزاءٍ تُقام عليها كياناتٌ سياسيةٌ على أسسٍ عرقيةٍ وطائفية.
يبدو لي الآن أن كل تلك الأحاديث كانت أوهامًا عشّشت في عقول بعض المعنيين في تلك الدول، ومحض أفكارٍ خدّاعة ضخّتها وضخّمتها قوى إقليمية ودولية في مرحلةٍ زمنيةٍ دامت نحو 25 سنة وانتهت الآن أو أوشكت على الانتهاء.
لا أجزم أن مخططات تفتيت أعمدة المشرق العربي سقطت إلى الأبد، لكنني أشير إلى أن تجارب ربع قرنٍ من الفوضى والتأزيم وتخريب نسيج المجتمعات العربية، وإثارة النعرات الطائفية، وتغذية النزعات العنصرية، وتحطيم الهويات الوطنية ثبت فشلها الذريع في تحقيق الاستقرار النسبي المطلوب في المنطقة، لذا فإن الاستمرار في تلك السياسات لم يعد مُجديًا حتى لأصحابها الذين اكتشفوا بعد مرّ التجارب أن هذه المناخات الشاذة؛ التي خلقها اليمين الصهيوني المتطرف في الولايات المتحدة وأوجدها على الأرض من خلال غزو واحتلال العراق؛ ولّدت ميليشيات الإرهاب الإيراني وصنعت التنظيمات المتطرفة أمثال تنظيم “داعش”، كما نشرت الفساد الشامل الذي يحول دون نشوء الفرص الاقتصادية الحقيقية المرجوّة.
نعم إنها مرحلة في طور الإنهاء كما أن مرحلة الميليشيات المسلحة والأذرع الإرهابية والوكلاء المحليين لنظام ولاية الفقيه الإيراني في طور الاضمحلال.
المرحلة المقبلة تركّز على معايير التنمية الاقتصادية والأسواق المفتوحة والفضاءات التجارية الواسعة، وهذه تحتاج إلى استقرارٍ أمني وهدوءٍ سياسي وسكونٍ اجتماعي، وإلى طرقٍ مفتوحة برّا وبحرًا وجوًا، وهو ما لا يمكن تحقيقه في ظل فوضى غوندليزا رايس التي لم تخلق إلا الخراب، أو تقسيمات برنارد لويس التي أشعلت النيران في المجتمعات.
