مقالات

نظرية العقد الاجتماعي / السياسي في الإسلام بقلم الدكتور ضرغام الدباغ / برلين

بقلم الدكتور ضرغام الدباغ / برلين

نظرية العقد الاجتماعي / السياسي في الإسلام
بقلم الدكتور ضرغام الدباغ / برلين
وفق نظرية الحكم في الإسلام المنبثقة من أحكام الشريعة، فإن التزام الحاكم ليس تجاه الله (مانح التفويض الإلهي) والقرآن (بوصفه المصدر الدستوري ) فحسب، بل وهناك التزامات تعاهدية حيال الشعب، وأن الإخلال بتلك الالتزامات تسقط صراحة حق الخلافة (الحكم).
إذن فنحن أمام حكم لا يمكن وصفه بالثيوقراطي، لكن ممارسة نظرية العقد الاجتماعي متلازمة مع احكام الشريعة الأخرى، باعتبار أن استمرار تبوء الحاكم لموقع الرئاسة هو مرهون بموافقة الشعب(الرعية) وبتحقيق عدة شروط أولها إقامة نظام العدل الاجتماعي، ونظام الشورى (القيادة الجماعية)، وسائر المبادئ السياسية الإسلامية. ” والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم، ومما رزقناهم ينفقون “38 ـ الشورى) وكذلك: ” فأعف عنهم واستغفر لـهم وشـاورهم في الأمـر” 159 ـ آل عمران). وفي حديث للرسول ” ما من عبد يستدعيه الله يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة ” حديث) والغش هنا هو اخلال الحاكم بشروط الحكم الشرعية وفي رعايته لرعيته فيما تقلد من مهام وواجبات.
وعن هذا الانتخاب الحر الشرطي (البيعة)، يعبر الخليفة الراشدي الأول أبو بكر الصديق أصدق تعبير إذ يقول في أول خطاب له ” اطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيت الله فلا طاعة لي عليكم “. فالحاكم في الإسلام إذن هو رجل ينتخب من الشـعب انتخاباً حراً وليست له ميزة خاصة للحكم متحرراً من كل قيد إلا قيد الرشد والعدل والإحسان.
والحاكم بصرف النظر عن عنوانه (أمير مؤمنين ـ خليفة ـ إمام ـ رئيس ـ ملك ) ، عليه التزام أحكام الشريعة التي تمثل أحكام العدل الإلهي للتطبيق :”اتبعوا ما انزل أليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكرون” 2 ـ الأعراف).
وتذهب الشريعة إلى تنظيم أساس جوهري للعلاقة بين الحاكم والمحكوم بموجب أساس قانوني ينظمه النص : ” إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعماً يعظكم به إن الله كان سميعاً بصيراً. يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول عن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً ” 59-58 ـ النساء).
فهاتان الآيتان تمثلان بدقة تامة مصدراً مهماً لمباحث سياسية وقانونية عميقة. وفيما تتجه الأولى (الآية 58) إلى الحكام فتأمرهم بأداء الأمانات إلى أهلها، وما الأمانات هنا سوى أعطاء كل ذي حق حقه سواء كانت أموالاً أم حقوق معنوية، تتجه الثانية(الآية 59) إلى الرعية فتطلب منهم طاعة الله والرسول وأولي الأمر الذين يطبقون التعاليم الإلهية (الشريعة) والطاعة مشروطة بكون الأوامر إلهية. ولكنها واجبة شرعاً لأولي الأمر وهم بحسب رأي أهل الحل والعقد وهم : أغلبية العلماء: الأمير(الحاكم)، القضاة، قادة الجيوش، ومفاصل الدولة، العلماء، الزعامات النافذة المؤثرين في المجتمع وهم إذا اتفقوا على أمر وجبت طاعتهم وطاعة السلطات، لأن تلك السلطات لا تهدف إلا خدمة البلاد والأمة تنفيذاً لأوامر الخالق حسب أحكام شريعته، إلا إذا قام الحاكم، أو أمر بما يخالف شريعة الخالق فهنا لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
ولا تغفل الآية 59 النساء افتراض قيام خلاف بين الحاكم والمحكوم: “فإذا تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً”.
ويشرح المفكر الإسلامي سيد قطب الآية 59 ـ النساء : الله هو المشرع الأوحد، وهو الذي اختص بالتشريع، وإلى النصوص الواردة في القرآن يرجع الحكام، والنص يجعل من طاعة الله أصلاً وكذلك طاعة الرسول وأولي الأمر. والسنة تقرر حدود الطاعة، فالحديث يقول ” إنما الطاعة في المعروف ” حديث) وفي حديث آخر ” السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب أو كره، ما لم يؤمر بمعصية. وإذا أومر بمعصية فلا سمع له ولا طاعة” حديث)، ولا يستبعد حدوث خلاف في شؤون الحكم والسياسة، وإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول، أي الاحتكام إلى الشريعة نفسها في حال حدوث خلاف.
ولكن الشريعة رغم صراحة الصيغة التعاقدية التعاهدية، جاءت خلواً من نصوص حول خلع الإمام أو الرئيس الذي يستحق الخلع لأي سبب من الأسباب، سواء تحول هذا الحاكم إلى الطغيان والظلم، أو مال إلى الفسق والفجور، أو فيما إذا لحقت به عاهة بدنية / صحية تمنعه من أداء واجباته الشرعية، وكذلك فأن الشريعة جاءت خلواً من نصوص تنظم أساليب انتقال السلطة. ولكن الشريعة لم تكن خالية تماماً من نصوص حول الحاكم الصالح، وهو ما يتيح لرجال الامة من الاتفاق على نظام أنتقال السلطة، : ” اتبعوا ما انزل أليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكرون” 2 ـ الأعراف). وكذلك في ” فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول عن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً ” 59-58 ـ النساء).
وفي الاستناد إلى الخليفة الراشدي الأول أبو بكر الصديق الذي أصدق التعبير حين أعلن في أول خطاب له ” اطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيت الله فلا طاعة لي عليكم “. فالحاكم في الإسلام إذن هو رجل ينتخب من الشـعب انتخاباً حراً وليست له ميزة خاصة للحكم متحرراً من كل قيد إلا قيد الرشد والعدل والإحسان. بشرط أن لا يخرج عن طاعة الله.
والحاكم بصرف النظر عن عنوانه (أمير مؤمنين ـ خليفة ـ إمام ـ رئيس ـ ملك ) ، عليه التزام أحكام الشريعة التي تمثل أحكام العدل الإلهي للتطبيق. وفي فصل وجوب اتخاذ الإمارة يطرح الفكر السياسي الإسلامي مباحث ومبادئ شتى، ومن أبرز تلك :
* أداء الامانات :
” إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل، إن الله نعماً يعظكم به إن الله كان سميعاً بصيراً، يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ذلك خير وأحسن تأويلاً ” 59-58ـ النساء).
هاتان الآيتان تمثلان العنوان والمصدر الرئيسي لمباحث سياسية متعدد الجوانب، تسندهما وتعززهما أحاديث كثيرة للرسول منها : ” إن الله يرضى لكم ثلاثة: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وان تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاة الله أمركم ” حديث).
فالحاكم إذن بحسب النظرية الإسلامية مخول بالحكم من الله طالما هو منفذ وماض وفق نظام الشريعة وأحكامها فرض على الرعايا ومخالفته تعني مخالفة أوامر الشريعة، فإذا توصلت السياسة الإسلامية إلى تحقيق الأمانة والنزاهة والعدالة، فتلك هي فحوى السياسة العادلة ومبتغاها وكذلك الحاكم الصالح.
وإذ تتوجه هذه السياسة بصفة مبدئية إلى الحكام فتأمرهم الحكم بالعدل ورد الأمانات إلى أهلها، وما الأمانات سوى أعطاء كل ذي حق حقه، سواء كانت تلك حقوق مادية أو حقوق معنوية وغيرها. فالآيتان 59-58 من سورة النساء قد وردتا في سياق تعليمات سياسية ومما له علاقة بالحكم، وجدير بالعلم أيضاً أن سورة النساء قد نزلت في المدينة (بعد الهجرة) وبعد فتح مكة، فهي إذن من آيات الحكم والسياسة، وبالتحديد في أعطاء كل ذي حق حقه، فالأمانة هي أمانة الرعية في عنق الحاكم.
ثم تتوجه الآيتان إلى الأفراد بوجوب طاعة السلطة الشرعية، لأن تلك السلطة لا تهدف إلا إلى خدمة البلاد والأمة تنفيذاً لأوامر الخالق(الله) وحسب أحكام شريعته، إلا إذا أمر الحاكم بما يخالف شريعة الخالق، فهنا لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
والأمانة التي تضعها الرعية في عنق الحاكم هي ما تنص عليه الدساتير، القرآن والسنة(الشريعة) بالإضافة إلى الدساتير التي يضعها المجتمع لتسيير الدولة على هديها وأولى تلك المهمات هي أداء الأمانات وفي أطار تلك : إداء الأمانات، الشورى (القيادة الجماعية)، المسؤولية، العمل.
علماء السياسة والقانون العرب المسلمون، مدعوون إلى البحث في العلوم السياسية الاسلامية وأستنباط المفيد مما يسهل تطبيقاتها المعاصرة، فحركة البحث الكثيفة ستفرز من بين ما تفرز، نصوص وبحوث ودراسات تزيد ثراء الفكر السياسي والقانوني، لتكون خير معين للمشرعين العرب المسلمين في صياغة آفاق جديدة للدولة العربية الاسلامية.

العدد : 472
التاريخ : تموز ــ يوليه / 2025

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب