رئيسيالافتتاحيه

اقتحام سفينة “حنظلة”: عدوان بحرّي يخترق القانون الدولي ويعمّق سياسة العقاب الجماعي ضد غزة

اقتحام سفينة “حنظلة”: عدوان بحرّي يخترق القانون الدولي ويعمّق سياسة العقاب الجماعي ضد غزة

بقلم: رئيس التحرير 

ضمن سلسلة التحليلات السياسية

في خطوة تعكس نهجًا ممنهجًا لقمع أي محاولة إنسانية أو رمزية لفك الحصار المفروض على غزة، أقدمت القوات البحرية الإسرائيلية على اعتراض واقتحام سفينة “حنظلة” في عرض البحر، واقتيادها قسرًا نحو ميناء أسدود، واحتجاز من كان على متنها من متضامنين وناشطين سلميين. لم تكن هذه العملية مجرد إجراء أمني كما تحاول إسرائيل تسويقه، بل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، ورسالة سياسية تحمل تهديدًا صريحًا لكل مبادرة تحاول كسر عزل غزة، ولو بشكل رمزي.

سفينة “حنظلة”: رمز إنساني في مواجهة الحصار

“حنظلة” لم تكن مجرد قارب صغير محمّل ببعض المساعدات الرمزية، بل كانت صرخة ضمير عالمية ضد صمت المجتمع الدولي تجاه حصار غير مسبوق يُفرض على أكثر من مليوني فلسطيني منذ أكثر من 18 عامًا. لقد أراد منظّمو الرحلة أن يوجّهوا رسالة بسيطة ولكن عميقة: غزة ليست وحدها، وحقها في الحياة والحرية ليس خاضعًا للمساومة أو الابتزاز السياسي.

اختيار اسم “حنظلة” لم يكن عابرًا؛ فهذا الطفل الذي رسمه ناجي العلي بظهره المعكوس أصبح رمزًا للرفض المستمر، للثبات، وللقضية التي لم تنكسر رغم كل المحاولات لطمسها أو تهميشها.

العدوان على “حنظلة”: خرق جسيم للقانون الدولي

عملية الاقتحام التي قامت بها البحرية الإسرائيلية لسفينة “حنظلة” خارج المياه الإقليمية لغزة تُعد وفقًا للقانون الدولي عملًا عدائيًا وجريمة بحرية. ووفقًا لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 (UNCLOS)، فإن المادة (87) تنص على أن أعالي البحار مفتوحة لجميع الدول، ولا يجوز لأي دولة أن تفرض سيطرتها أو أن تمارس اختصاصها على سفينة ترفع علم دولة أخرى إلا في حالات محددة بدقة (القرصنة، الاتجار بالبشر، البث غير المشروع، أو في حال فقدان الجنسية). وسفينة “حنظلة” لم تندرج ضمن أي من هذه الحالات.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية تُدرج “العرف الدولي، كمظهر من مظاهر الممارسة العامة المقبولة كقانون”، ويُعتبر اعتراض السفن المدنية الإنسانية في المياه الدولية أمرًا مخالفًا لهذا العرف المستقر، ومساسًا بحرية الملاحة.

كما أن أحكام اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، وبخاصة المادة 59، تنص على ضرورة السماح بإيصال المواد الضرورية للسكان المدنيين الواقعين تحت الاحتلال، وتحظر تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب. وعليه فإن منع دخول مساعدات إنسانية أو اعتراض سبيلها يُعد جريمة بموجب القانون الإنساني الدولي.

إسرائيل وتمرير سياسة الردع بالقوة

ليست المرة الأولى التي تستخدم فيها إسرائيل قوتها العسكرية البحرية لتأكيد معادلة “الحصار مقابل الردع”. في كل مرة يحاول نشطاء كسر الطوق المفروض على غزة، تُسارع تل أبيب إلى استعراض قوتها العسكرية، لا فقط لمنع السفن، بل لتوجيه رسالة مفادها أن الحصار هو قرار استراتيجي لن يُسمح بالاقتراب منه، حتى ولو كانت المحاولة رمزية.

إسرائيل تدرك جيدًا أن كسر الحصار حتى لو إعلاميًا، يفتح شهية الشعوب الحرة للضغط عليها، ويُحرج الدول الغربية المتواطئة بالصمت، ولذلك فهي تتعامل مع هذه السفن وكأنها قنابل موقوتة سياسية، لا إنسانية، وتسارع إلى وأدها قبل أن تتحول إلى أدوات فضح أخلاقي.

غزة والرهان على ضمير العالم

ما لا تفهمه إسرائيل، أو ترفض الاعتراف به، هو أن كسر الحصار لا يتم فقط عبر المعابر أو البحر، بل يتم حين تتحول غزة إلى ضمير عالمي، حين تُجبر المبادرات الإنسانية الاحتلال على كشف وجهه العنيف. فاقتحام “حنظلة” لم يُسكت صوت من كانوا على متنها، بل ضاعف من حجم قضيتهم، وذكّر العالم مجددًا أن غزة ليست رقمًا منسيًا، بل عنوانًا للمظلومية والصمود.

خاتمة: الحصار جريمة متواصلة والمسؤولية جماعية

الاعتداء على سفينة “حنظلة” ليس مجرد حادث بحري، بل هو مؤشر على إصرار إسرائيل على فرض العقاب الجماعي على غزة، وضرب كل المبادئ التي تقوم عليها المواثيق الدولية، وعلى رأسها الحق في الحياة والكرامة والتنقل. إن صمت المجتمع الدولي عن هذه الانتهاكات يُعد تواطؤًا غير مباشر، ويمثل فشلًا أخلاقيًا في حماية القانون الإنساني الدولي.

لذلك، فإن ما جرى لا بد أن يتحول إلى ملف قانوني أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ومحكمة الجنايات الدولية، مع المطالبة بفتح تحقيق رسمي في انتهاك حرية الملاحة والاعتداء على نشطاء سلميين، تمهيدًا لتجريم سياسة الحصار باعتبارها إحدى أشكال جرائم الحرب بموجب المادة (😎 من نظام روما الأساسي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب