
كيف ترى سورية المستقبل؟
بقلم الدكتور رياض العيسمي
هذا سؤال أتلقاه يوميا عدة مرات، ومن العديد من الإشخاص، ومن أماكن مختلفة في داخل سورية وخارجها. ومن ضمن السائلين كانت ابني لينا، ابنة الستة والعشرين ربيعا. والتي هي أمريكية المولد والتي لم تطأ قدمها سورية سوى مرة واحدة قبل خمس عشرة عاما، ولفترة وجيزة. كانت في حينها صغيرة ولم تتذكر من سورية سوى اهلي الذين لم تكن تعرفهم إلا بالأسماء وعبر الصور المعلقة على جدران البيت. وأكثر ما لفت انتباهها في سورية سوق الحميدية وجبل قاسيون، وحيوية التاس، وأصوات الباعة المتحولين. وكذلك جمعة الأهل والأصدقاء في مسقط رأسي في قرية امتان من محافظة السويداء.
لينا سألتني هذا السؤال عن مستقبل سورية بينما كانت تستعد للمشاركة في مسابقة فنية تحت عنوان: كيف نرى سورية المستقبل؟ ومن ضمن ما سألتني لينا لتجهز نفسها لرسم لوحة سورية المستقبل: صف لي يا أبي سورية؟ وما هي أهم الأشجار فيها، ما هو شكل علمها، وكيف تبدو خارطتها؟ اسئلة كثيرة وأجوبتها متشعبة. لكنني توخيت البساطة لأعرض لها الصورة المخزونة في عقلي الباطني. بأن سورية دولة جذورها ضاربة في عمق التاريخ. وهي موطن الحضارات ورمز التآخي والمحبة بين البشر على اختلاف أديانهم وأعراقهم على مر الزمن. ودمشق عاصمتها هي اقدم مدينة مأهولة في التاريخ. يفوح منها عبق الياسمين المتواجد في كل مكان. والمتعرش على كل باب بيت وعلى شرفة كل عمارة. وغوطتها الغناء المكتظة بشجر المشمش والزيتون الذي تصل جذورة إلى اعمق اعماق الارض. هذه هي سورية بلد الجمال والتنوع والأناقة. وبلد الفصول الأربعة. بكل تفاصيلها. هذه هي سورية التي عاشت في خيالي. على مدى سبعين عاما. وهذه هي سورية التي اتمنى ان أراها ويراها أبنائي وأحفادي في المستقبل.
رسمت ليتا اللوحة تماما كما صورتها لها. عاشتها بكل احاسيسها على مدى أكثر من أسبوعين. وكان من المفترض ان تشحن اللوحة إلى سورية قبل يومين، ويبدأ المعرض في مدينة السويداء في الاول من أب. لكنه مع الأسف لوحة لينا لم تشحن إلى سورية. وبقيت لوحة منسية في زاوية مرسمها. تذكرنا كل يوم بالحلم الذي عشناه على مدى الحياة، وبالأمل الذي مازلنا ننتظره، على أن يأتي يوما،