المليار شيكل السعودي-الفرنسي: إنقاذ مالي للسلطة أم تكريس لفصل غزة عن الضفة؟

المليار شيكل السعودي-الفرنسي: إنقاذ مالي للسلطة أم تكريس لفصل غزة عن الضفة؟
بقلم: المحامي علي أبو حبلة
ضمن سلسلة التحليلات السياسية
في خطوة تحمل دلالات سياسية واقتصادية متعددة، تعهدت كل من المملكة العربية السعودية وفرنسا بتوفير مليار شيكل (ما يعادل نحو 270 مليون دولار أمريكي) لدعم السلطة الفلسطينية، من خلال آلية البنك الدولي. هذه الخطوة التي وُصفت بأنها دعم للسلطة في ظل أزمتها المالية، تثير تساؤلات عميقة حول أهداف التمويل، توقيته، وشروطه، خاصة في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتفاقم سياسات التجويع والإبادة الجماعية بحق أكثر من مليوني فلسطيني محاصرين منذ أكثر من تسعة أشهر.
إنقاذ مؤقت لأزمة متجذّرة
لا شك أن السلطة الفلسطينية تمر بأزمة مالية خانقة، جراء:
استمرار القرصنة الإسرائيلية لأموال المقاصة.
انخفاض المساعدات الخارجية.
توسع العجز في الموازنة نتيجة ارتفاع الإنفاق وضعف الإيرادات.
وفي هذا السياق، فإن المليار شيكل الموعود لا يمثل سوى حل إسعافي مؤقت، قد يساهم في دفع جزء من الرواتب وتحريك عجلة الاقتصاد جزئياً، لكنه لا يضع حلاً جذرياً لأزمة اقتصادية بنيوية، ولا يعالج فقدان الثقة الشعبية في الأداء المالي والمؤسساتي للسلطة.
البنك الدولي: اشتراطات تهدد السيادة الاقتصادية
من المهم التنبه إلى أن هذه المساعدات تُمرر عبر البنك الدولي، بما يحمله من اشتراطات مالية وإدارية قد تبدو “إصلاحية” من حيث الشكل، لكنها تحمل أبعاداً سياسية واقتصادية خطيرة، خاصة عندما تُفرض على شعب تحت الاحتلال:
تقليص فاتورة الرواتب والتقاعد تحت عنوان “كفاءة الإنفاق”.
إجراءات تقشفية قد تمس الخدمات الأساسية للمواطن.
تعزيز الشفافية والرقابة بشكل يخضع أحياناً لأهواء الجهات المانحة أكثر من احتياجات الفلسطينيين.
وفي حال رضخت السلطة لهذه الشروط دون نقاش وطني، فإنها تكون قد قبلت عملياً بأن تكون التنمية مشروطة بالولاء السياسي وليس باستحقاق الحقوق الوطنية.
توقيت الدعم: رسالة مزدوجة أم تناقض في المواقف؟
ما يثير القلق أكثر أن هذا التمويل يأتي في ذروة الحرب الممنهجة على قطاع غزة، والتي تحوّلت من عدوان عسكري إلى حرب تجويع جماعي وتطهير عرقي، حيث يُستخدم الغذاء والماء والدواء كسلاح لفرض الاستسلام، وسط تواطؤ دولي وصمت عربي رسمي مريب.
وهنا تُطرح التساؤلات:
هل هذه الأموال مخصصة فقط لتمكين السلطة في الضفة الغربية؟
لماذا لا يُشترط أن تشمل التزامات التمويل دعم صمود سكان قطاع غزة، وإعادة الإعمار، وإنقاذ مئات الآلاف من الموت البطيء؟
وهل يشكل هذا التمويل مقدمة لتكريس واقع الانفصال الجغرافي والسياسي بين الضفة وغزة، بما يتناقض مع التصريحات المعلنة للسعودية وفرنسا بدعم دولة فلسطينية موحدة ومستقلة؟
تناقض الخطاب السعودي-الفرنسي
اللافت أن هذه الخطوة التمويلية تتناقض مع التصريحات الرسمية الصادرة عن الرياض وباريس:
المملكة العربية السعودية تشترط دعمها للتطبيع مع إسرائيل بإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وهو موقف معلن منذ مبادرة السلام العربية عام 2002.
فرنسا أعلنت مراراً أنها على استعداد للاعتراف بدولة فلسطين في “الوقت المناسب”، بما يعزز حل الدولتين وفق قرارات الشرعية الدولية.
لكن الواقع على الأرض يُظهر أن هذا التمويل قد يُستخدم لضبط الأوضاع في الضفة، وتهميش غزة، وتحييد السلطة عن المطالبة الجادة بإنهاء الاحتلال، ما يخلق فجوة خطيرة بين الخطاب السياسي والدعم المالي المشروط.
نحو رؤية وطنية لا تقبل الارتباط المشروط
إن مواجهة هذا الواقع تتطلب موقفاً فلسطينياً موحداً، يقوم على:
1. رفض أي اشتراطات تمسّ جوهر الحقوق الوطنية والسيادية.
2. الربط الصريح بين أي تمويل دولي ورفع الحصار عن غزة وإنهاء العدوان.
3. المطالبة بأن تكون آليات الدعم شفافة وتحت إشراف وطني جامع، لا تمر عبر قنوات مشروطة أو مسيّسة.
4. إعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني، القائم على وحدة الجغرافيا والسيادة، لا على إدارة الانقسام وتكريس الانفصال.
ونخلص للقول أنه في زمن تُذبح فيه غزة بالجوع والقنابل، ويُحاصر فيها الإنسان حتى في قبره، لا يكفي أن تتحدث العواصم عن “دعم الدولة الفلسطينية”، بينما تُضخ الأموال ضمن آليات مشروطة قد تعمّق الانقسام وتُبقي الفلسطينيين رهينة للابتزاز المالي والسياسي.
إن المليار شيكل، رغم أهميته النسبية، يجب أن يُقرأ في سياقه الكامل: هل هو تمويل للصمود؟ أم مساهمة في ترسيخ واقع الاحتلال والانقسام؟
والمطلوب اليوم أن لا يُفصل المال عن الموقف، ولا التمويل عن الكرامة، ولا الدعم عن الحق.