تحقيقات وتقارير

هل تكفي صفقات بيع شركات الهايتك لحل أزمات الاقتصاد الإسرائيلي؟

هل تكفي صفقات بيع شركات الهايتك لحل أزمات الاقتصاد الإسرائيلي؟

في هذا الواقع، لم يعد التعويل على قطاع الهايتك والصناعات الأمنية كافيًا لضمان استقرار الاقتصاد الإسرائيلي أو تحقيق نمو مستدام…

تم الإعلان خلال الأسبوع الماضي عن صفقة ضخمة في مجال صناعات التكنولوجيا المتقدمة (الهايتك) الإسرائيلية، حيث قامت شركة “بالو ألتو نيتووركس”(Palo Alto Networks) الأميركية العملاقة، المتخصصة في مجال الأمن السيبراني، والتي يُعد أحد مؤسسيها من أصل إسرائيلي، بالاستحواذ على شركة “سايبرآرك”(CyberArk) الإسرائيلية مقابل نحو 25 مليار دولار.

وتُعد هذه الصفقة من أكبر الصفقات في تاريخ صناعة الأمن السيبراني عالميًا، كما أنها ثاني أكبر صفقة في تاريخ قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي، بعد استحواذ شركة غوغل على شركة WIZ الإسرائيلية مقابل 32 مليار دولار في شهر آذار/مارس الماضي.

وتُجسّد الصفقة اندماجًا بين اثنتين من عمالقة السايبر على مستوى العالم، ومن المتوقع أن يتجاوز تأثير هذا الاندماج مجرد مجموع القدرات، ليُتوَّج الكيان الجديد كقوة رائدة ومهيمنة في مجال الأمن السيبراني خلال السنوات المقبلة، بحسب ما ذكرته وسائل الإعلام الإسرائيلية.

تأسست شركة “سايبرآرك”(CyberArk) عام 1999 على يد أودي موكدي (الذي خدم في الوحدة 8200 التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية) وألون كوهين (الذي خدم في الجيش الإسرائيلي كمهندس برمجيات، ومُحاضر وقائد في مدرسة الحواسيب التابعة لوحدة الحوسبة وأنظمة المعلومات، وكذلك في قسم بُنى البرمجيات التحتية وأمن المعلومات). تقوم الشركة بتطوير وتسويق مجموعة من منتجات أمن المعلومات، استنادًا إلى براءة اختراع ابتكرها وطوّرها ألون كوهين، تُعرف باسم “غرفة الخزائن لشبكة الاتصال” (Network Vault). ويقع المقر الرئيسي للشركة في مدينة “بيتح تكفا” وسط إسرائيل، إلى جانب مركز التطوير الرئيسي، بالإضافة إلى مقر إداري آخر في الولايات المتحدة. يعمل في الشركة حاليًا نحو 4,000 موظف، ويُقدّر الدخل السنوي لعام 2025 بحوالي 1.3 مليار دولار.

على مدار السنوات، تخصصت شركة “سايبرآرك” في تطوير أدوات لحماية المعلومات وإدارة الحسابات ضمن أنظمة الحوسبة المؤسسية، لا سيما الحسابات التي يتمتع أصحابها بصلاحيات وصول واسعة، والتي تُعدّ من أكثر النقاط حساسية لهجمات السايبر. في عام 2020، دخلت الشركة مجال إدارة الهويات، الذي أصبح من المجالات المركزية في عالم الأمن السيبراني، وتُعدّ اليوم من الشركات الرائدة في هذا القطاع. أما التحوّل الجوهري الذي تشهده الشركة مؤخرًا، فيكمن في تركيزها المتزايد على تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجال الأمن السيبراني، وبناء قدرات دفاعية متقدمة لمواجهة الهجمات الإلكترونية التي تستند إلى أدوات ووسائل ذكاء اصطناعي يستخدمها المهاجمون.

أرباح موزّعة تتجاوز المؤسسين

لا تقتصر أرباح صفقة بيع شركة “سايبرآرك” على مؤسسي الشركة، والعاملين فيها، وحاملي الأسهم فقط، بل تمتد لتشمل شريحة أوسع بكثير. إذ تستثمر في الشركة العديد من صناديق الاستثمار، وصناديق التقاعد، وشركات التأمين العاملة في الاقتصاد الإسرائيلي، مثل صندوق المعلمين وشركات تأمين كبرى كـشركة “كلال”. من المتوقع أن تنعكس الصفقة إيجابًا على أرباح محافظ الاستثمار الخاصة بهذه الجهات، الأمر الذي قد يُترجم إلى عوائد ملموسة لصناديق التوفير والتقاعد التي تدير مدخرات وصناديق تقاعد آلاف المواطنين.

بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن تكون الحكومة الإسرائيلية من أبرز المستفيدين من الصفقة، من خلال الضرائب والعائدات المالية المترتبة عليها. ووفقًا لتقديرات صحيفة “غلوبس” الاقتصادية، يُرجَّح أن تدرّ صفقة الاستحواذ الضخمة على شركة “سايبرآرك” أرباحًا كبيرة لخزينة الدولة، تُقدَّر بنحو 2 مليار دولار كعوائد ضريبية، أي ما يعادل نحو 6.7 مليار شيكل وفقًا لسعر الصرف الحالي. ويعتمد المبلغ النهائي الذي ستجبيه الدولة على عدد المساهمين الإسرائيليين في الشركة ومكان إقامتهم لأغراض ضريبية. يُضاف إلى ذلك مبلغ ضريبي ضخم آخر بقيمة نحو 15 مليار شيكل كانت قد جنته الدولة من صفقة بيع شركة “ويز” قبل عدّة أشهر.

رسالة دعم للاقتصاد الإسرائيلي!

لا يُمثّل الإعلان عن الصفقة مجرّد نجاح خاص لشركة “سايبرآرك” ولأصحاب الأسهم فيها، بل يحمل أيضًا رسالة قوية ومُطمئنة للاقتصاد الإسرائيلي ككل، لا سيّما في ظلّ الظروف الحالية التي يمر بها، وفي مقدمتها تراجع النمو، وتصاعد العجز المالي، والقلق في أسواق المال جرّاء استمرار حرب الإبادة على غزة. وتكتسب هذه الصفقة أهمية مضاعفة بالنسبة لقطاع الهايتك الإسرائيلي، الذي يشهد في الآونة الأخيرة تباطؤًا ملحوظًا في حجم المبيعات والصادرات وتراجعًا في الاستثمارات الأجنبية، كما أظهرت تقارير رسمية نُشرت مؤخرًا.

كما تعيد هذه الصفقة التأكيد على مركزية قطاع الهايتك وصناعات التكنولوجيا كمحرّك أساسي للنمو والتطور في الاقتصاد الإسرائيلي، وكصاحب الحصة الأكبر من الصادرات، والأسرع نموًا من حيث عدد العاملين، والأعلى في معدلات ارتفاع الأجور. ووفقًا لتقرير “سلطة الابتكار الإسرائيلية” حول “حالة قطاع الهايتك عام 2024″، ترسّخ قطاع الهايتك بين الأعوام 2018 و2024 كمحرّك رئيسي لنمو الاقتصاد الإسرائيلي، إذ يفسّر في المتوسط نحو 40% من الزيادة في الناتج المحلي الإجمالي منذ عام 2018، كما يُعدّ عنصرًا محوريًا في امتصاص الصدمات الاقتصادية. بالإضافة إلى ذلك، ساهم هذا القطاع في دفع عجلة النمو الاقتصادي حتى في سنوات الأزمات التي شهدت تباطؤًا في الأداء العام للاقتصاد.

وتعود المساهمة الجوهرية للهايتك في الاقتصاد إلى التوسّع في فرص العمل التي يوفّرها، لا سيما أنه قطاع يتميّز بمستوى أجور مرتفع، الأمر الذي ينعكس إيجابًا على إيرادات الضرائب، وعلى نمو الناتج المحلي، وعلى تحسين ميزان المدفوعات الوطني من خلال زيادة الصادرات وغيرها من القنوات. وفقًا لتقرير سلطة الابتكار، تعمل في إسرائيل نحو 9,000 شركة هايتك، من بينها 500 مركز تابع لشراكات وشركات عالمية. ويعمل في هذا القطاع قرابة 400 ألف موظف، ويشكّل قطاع الهايتك نحو 53% من إجمالي الصادرات الإسرائيلية، كما يُسهم بحوالي خمس الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.

صفقة في توقيت حساس

جاء الإعلان عن صفقة بيع شركة “سايبرآرك” في توقيت حساس بالنسبة للاقتصاد الإسرائيلي. فقد أُعلن الأسبوع الماضي عن تراجع ما في الوضع الاقتصادي الكلي، وعن بدء تطبيق الرسوم الجمركية الجديدة على الصادرات الإسرائيلية إلى الولايات المتحدة، وفقًا لقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وحذّر موقع “واينت” في نهاية الأسبوع الماضي من أن التقليصات في ميزانية الحكومة المتوقعة لعام 2026، باتت حتمية، في ظل التكاليف الباهظة للحرب وارتفاع العجز في ميزانية الحكومة، والذي قدّر في ميزانية عام 2025 بنحو 6.9% من الناتج المحلي– وهو المعدل الأعلى منذ أزمة كورونا. وبحسب التقديرات، فإن الحكومة الإسرائيلية تتجه نحو رفع الضرائب وفرض ضرائب جديدة، من بينها إلغاء الإعفاء الضريبي المعمول به حاليًا على إيجار الشقق حتى مبلغ 5,500 شيكل، وإلغاء الإعفاء من ضريبة القيمة المضافة على المشتريات من مواقع التجارة الإلكترونية من خارج البلاد حتى مبلغ 75 دولارًا.

كما تشمل المقترحات خصم يوم عطلة إضافي من رصيد الإجازة السنوية المدفوعة للعاملين، وتشديد الرقابة على المتهرّبين من دفع الضرائب، ومحاولة إلغاء بعض الإعفاءات على ضريبة القيمة المضافة، وذلك في إطار التحضيرات لصياغة ميزانية عام 2026. ويُضاف إلى ذلك فشل الحكومة في التعامل مع ارتفاع الأسعار المستمر، والتضخم المالي، ومستوى الفائدة البنكية المرتفع.

إلى جانب هذه التطورات، دخل في الأيام الأخيرة قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب حيّز التنفيذ، بفرض رسوم جمركية على البضائع المستوردة من إسرائيل إلى الأسواق الأميركية، بنسبة 15%. ويُعدّ هذا تخفيضًا طفيفًا بنسبة 2% فقط من النسبة الأصلية التي أُعلن عنها في نيسان/أبريل الماضي. جاء هذا القرار على الرغم من التوقعات والآمال الإسرائيلية السابقة، بإمكانية إلغائه عقب زيارة نتنياهو إلى البيت الأبيض. وتُقدَّر قيمة الصادرات الإسرائيلية إلى الولايات المتحدة بنحو 20 مليار دولار سنويًا، مقابل واردات تبلغ نحو 13 مليار دولار.

ورغم أن التقديرات تُشير إلى أن القرار قد يؤدي فقط إلى تراجع طفيف في حجم الصادرات الإسرائيلية إلى السوق الأميركية، إلا أنه لا يمكن تجاهل تداعياته في ظل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة التي تمر بها إسرائيل حاليًا. كما أن القرار يأتي في وقت تتصاعد فيه الدعوات لفرض عقوبات اقتصادية على إسرائيل في العديد من الدول الأوروبية، إلى جانب تنامي المبادرات لمقاطعة السلع والمنتجات الإسرائيلية.

هل ينقذ قطاع الهايتك الاقتصاد الإسرائيلي؟

صحيح أن لمخرجات قطاع الهايتك الإسرائيلي والصفقات الكبرى لبيع شركات إسرائيلية، أهمية مركزية في الاقتصاد الإسرائيلي، سواء على المستوى الكلي أو الفردي، إلى جانب قطاع الصناعات العسكرية والأمنية بمختلف أشكالها. ومع ذلك، لا يكفي هذا وحده وفقا لتقديرات الخبراء في إسرائيل لإخراج الاقتصاد الإسرائيلي -الذي لا يزال قويًّا ومتماسكًا نسبيًا رغم تسجيله بعض التراجع-، من أزماته البنيوية المتراكمة، وخاصة ما يتعلق بالاقتصاد الكلي، كاتساع العجز في الميزانية وارتفاع الدين الخارجي. خاصة في ظل تراجع مكانة إسرائيل الدولية، وتزايد الضغوط السياسية والاقتصادية عليها. في هذا الواقع، لم يعد التعويل على قطاع الهايتك والصناعات الأمنية كافيًا لضمان استقرار الاقتصاد الإسرائيلي أو تحقيق نمو مستدام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب