اليمين ينقضّ على زامير لمعارضته “احتلال القطاع”.. ونتنياهو بعد “أهدروا دمي”: ليقدم استقالته

اليمين ينقضّ على زامير لمعارضته “احتلال القطاع”.. ونتنياهو بعد “أهدروا دمي”: ليقدم استقالته
عاموس هرئيل
يضاعف نتنياهو مبلغ الرهان في قطاع غزة. ورغم معارضة هيئة الأركان، وتعب الجيش، وتحفظ يتعاظم في أوساط الجمهور الإسرائيلي، أعلن نتنياهو أمس عن توسيع الحرب. فقد أعلن رئيس الحكومة في الفيلم الذي نشره، إصراره على استمرار الحرب وتصفية حماس و”تحرير الأبناء المخطوفين”. أمس، خضعت صفحة الرسائل لتطرف آخر. نتنياهو، بواسطة شخصية رفيعة في مكتبه، أعلن: “اتخذنا القرار، وإسرائيل ذاهبة إلى الاحتلال الكامل للقطاع. وإذا لم يكن هذا مناسباً لرئيس الأركان زامير فليقدم استقالته”، أضاف بما ظهر كاستفزاز متعمد.
ولكنه كالعادة، لا يبلغ نتنياهو المواطنين كيف ينوي الانتصار: لماذا سيؤدي الضغط العسكري الآن الى تحرير المخطوفين وهو الذي لم يثمر خلال أشهر؟ كيف سينقذهم من الأنفاق بسلام؟ ما الذي يجعله واثقاً من أن إلقاء المهمة على وحدات الجيش البري المتعبة والمستنزفة سينتهي بنجاح هذه المرة؟ من الذي سيستبدل بزامير إذا طُرد، هل هو الجنرال دافيد زينيه أو الجنرال رومان غوفمان؟ ليست هذه أفكاراً تبعث على الأمل في أوساط الجمهور. ولكن النغمة الوحشية التي يبثها محيط نتنياهو بذريعة مضللة، وهي القلق على سلامة المخطوفين، تندمج مع تسريع خطوات الانقلاب النظامي، بدءاً بمحاولة عزل المستشارة القانونية للحكومة، وانتهاء بجهود تبذل لإجازة قانون إعفاء الحريديم من الخدم.
أقوال نتنياهو خُطط لها كإعداد لنقاشات الكابنت، وقد أُسمعت في ظل خلافات كبيرة لدى الرأي العام. عائلات المخطوفين خائفة من نية احتلال مناطق أخرى في القطاع، التي يتم فيها احتجاز المخطوفين الأحياء؛ ومعظم رؤساء أجهزة الاستخبارات السابقين متوحدون في الدعوة لإنهاء الحرب؛ وفنانون اسرائيليون يتنافسون فيما بينهم حول مسألة المطالبة بإنهاء الحرب وتخفيف الكارثة الإنسانية في غزة.
أول أمس، زار زامير قيادة المنطقة الجنوبية، حيث تناقش مع الضباط بخصوص المصادقة على خطط عملياتية. الخيارات التي وافق عليها زامير غير قريبة مما يعد به نتنياهو علناً. زامير يدعم صفقة الرهائن كخيار أفضل، رغم ضعف فرصتها. في حالة عدم تحقيقها، سيوصي القيادة السياسية بتقسيم آخر للقطاع على عرضه ومحاصرة الجيوب الثلاثة التي يتركز فيها مسلحو حماس والسكان الفلسطينيون والرهائن الإسرائيليون: مدينة غزة شمالاً، ومخيمات اللاجئين في وسط القطاع، ومنطقة المواصي جنوباً.
ولكن الجيش لم يخطط لزيادة قواته في القطاع، بل تخفيفها. وبهذه الصورة، تعمل في القطاع الآن أربع قيادات فرق بدلاً من خمس. وبتشكيلة قوات ناقصة جداً. إزاء العبء على الجيش النظامي وعلى الاحتياط، يخطط الجيش الاسرائيلي لتقليص حجم قواته في القطاع، والتركيز على محاصرة دائمة للمناطق التي لم يدخل إليها حتى الآن. لكن ليس هذا ما أعلن عنه نتنياهو. فمن أجل هزيمة حماس، كما وعد، يجب دخول هذه المناطق والمخاطرة بمزيد من المصابين، في أوساط الجنود والمخطوفين والسكان الفلسطينيين.
رئيس الحكومة يبرر خطواته بسببين: الأول، جمود المفاوضات حول الصفقة. والثاني، الوحشية والنازية، حسب قوله، التي تظهرها حماس تجاه المخطوفين. ولكن هذه التطورات ليست صدفية. يجب أن نذكر بأن وقف إطلاق النار أعلن عنه في كانون الثاني الماضي بوساطة أمريكية، وإسرائيل هي التي خرقته في بداية شباط عندما رفضت إجراء المفاوضات حول الدفعة الثانية من الصفقة، كما تم الاتفاق على ذلك. وفي منتصف آذار، استأنف الجيش الاسرائيلي القتال بتوجيهات من الحكومة مع تفجير الاتفاق. في العملية الأولى، قصف جوي استهدف أشخاصاً كباراً مجهولين في ذراع حماس السياسي، وقتل حوالي 400 مواطن فلسطيني.
بعد شهرين من ذلك، وسع الجيش الاسرائيلي عملياته، وسيطر على مناطق أخرى واسعة، فقتل آلاف الفلسطينيين، معظمهم من المدنيين، في خطة فاشلة للسيطرة على نقل المساعدات الإنسانية بواسطة “الصندوق الأمريكي”. ما وفره الصندوق لم يلبّ الحد الأدنى المطلوب لإطعام السكان، وقتل مئات الفلسطينيين بإطلاق نار هستيري (يبدو أن معظم هذه النيران كانت نيران الجيش الاسرائيلي)، أثناء محاولة يائسة للحصول على الطعام. في الوقت نفسه، قتل في القطاع 47 جندياً منذ آذار. هذه أحداث يشاهدها الجمهور الاسرائيلي المتعب واليائس، ولكنه في معظمه لا يخرج إلى الشوارع. تعبنا، ويبدو أننا تعودنا.
هل عرف نتنياهو مسبقاً أن الأمور ستتطور بهذا الشكل؟ يصعب معرفة ذلك. ولكن النتيجة النهائية للعملية المهمة هي أن فرصة التوصل إلى الصفقة تضاءلت جداً. حماس تستغل غضب العالم من إسرائيل إزاء مشاهد الجوع في القطاع، ولا تسارع إلى التوقيع على الاتفاق. ورداً على ذلك، غير نتنياهو موقفه، وهو الآن لا يسعى إلى صفقة جزئية، بل إلى صفقة شاملة.
عندما سمعت بعض المراسلين وهم يكررون تغيير السياسة بدون سؤال ما يقف وراء ذلك، تذكرت حيواناً في حديقة حيوانات جورج أورويل، يردد: أربعة أرجل جيدة، اثنتان سيئة، والعكس صحيح. الحقيقة أن هذين الخيارين هما الشيء نفسه لدى نتنياهو. عملياً، احتمالية الصفقة بدون تدخل قوي من الولايات المتحدة تبدو ضعيفة الآن. المهم هو الوقت. ويبدو أن نتنياهو يظن أنه الوقت يعمل لصالحه الآن. فكسب الوقت يخدم أغراضه. فكل عملية جديدة ووعد جديد بالحسم سيساعده في تمرير المزيد من الأشهر، بدل المخاطرة بتنازلات في إطار الصفقة، التي ستورطه مع الجناح المسيحاني في الائتلاف. ليتني أكون مخطئاً.
يذرفون الوزراء الآن دموع التماسيح على مصير المخطوفين. لقد مر يومان منذ نشر الفيلم يوم السبت، الذي ظهر فيه أفيتار دافيد نحيفاً كهيكل عظمي، متوسلاً لإنقاذ حياته في النفق. مع ذلك، لم يكن من الملح لأحد منهم المطالبة بعقد جلسة طارئة للحكومة أو الكابنت لمناقشة احتمالية عقد الصفقة خلال 9 آب (العبري).
المخطوفون، كما اتضح من وضع روم بارسلفسكي، لا وقت أمامهم، ولكن مصيرهم متروك لقيادة سياسية غليظة القلب. إذا ما زال لدى أحد شك في ذلك، فقد جاء نقاش الحكومة المستعجل حول الترتيبات الأمنية لعائلة نتنياهو أمس. “دمي مهدور”، قال نتنياهو في الجلسة. أخيراً، جاءت لرئيس الحكومة والوزراء قضية تثير فيهم مشاعر حقيقية للقلق والتوتر.
هآرتس 5/8/2025