خوفا من اتهامها بالتضليل ومعاداة السامية: “الغارديان” تبرر نشرها صورة الطفل الفلسطيني محمد المعتوق

خوفا من اتهامها بالتضليل ومعاداة السامية: “الغارديان” تبرر نشرها صورة الطفل الفلسطيني محمد المعتوق
نشرت صحيفة “الغارديان” مقالا لمحررة صفحة القراء الدولية، إليزابيث ريبانز، أوضحت فيه ملابسات نشر صورة الطفل الفلسطيني محمد زكريا أيوب المعتوق، مؤكدة أن الصحيفة لم تكن تعلم في البداية أن الطفل يعاني من احتياجات صحية قائمة. لكنها شددت على أن حالته الطبية لا تنتقص من معاناته، ولا من معاناة آلاف الأطفال في غزة.
وأشارت إلى أنه ما بين نيسان/أبريل ومنتصف تموز/يوليو من هذا العام، نُقل أكثر من 20,000 طفل في غزة إلى المستشفيات للعلاج من سوء التغذية الحاد، بينهم 3,000 طفل في مرحلة سوء تغذية حاد، بحسب التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، وهو مبادرة تضم وكالات أممية مثل منظمة الصحة العالمية، وبرنامج الأغذية العالمي، واليونيسيف، إلى جانب منظمات غير حكومية ومعاهد بحثية.
وخلال هذه الفترة، ومع الأسابيع التي تلتها، نشرت الصحيفة عدة صور لأطفال يعانون من الجوع، بينهم ما لا يقل عن 20 طفلا في حالة هزال واضحة. وأكدت “الغارديان” أنها تلتزم بإرشادات تحريرية تمنح الأطفال حماية خاصة، ولا تنشر صورا قد تمس رفاهيتهم إلا عندما تكون هناك مصلحة عامة قوية.
ريبانز: الظروف المعقدة للحرب لا تسمح دائما بتقديم رواية كاملة. فمنع إسرائيل للصحافيين الأجانب من دخول غزة، يجبر وسائل الإعلام على الاعتماد على الصحافيين المحليين، الذين يعملون في بيئة شديدة الخطورة
لكن صورة واحدة، نُشرت على الصفحة الرئيسية لموقع الصحيفة في 23 تموز/يوليو، وعلى غلاف النسخة المطبوعة في اليوم التالي، أثارت جدلا واسعا. أظهرت الصورة طفلا يبلغ من العمر 18 شهرا، محمد المعتوق، بين ذراعي والدته، بجسد هزيل وظهر عارٍ، وهو يرتدي حفاضة بديلة مصنوعة من كيس بلاستيكي أسود. وقد نشرت الصورة، إلى جانب صور أخرى للطفل، على نطاق واسع من قبل وسائل إعلام عالمية.
واتهم الصحافي المستقل والناشط في قضايا معاداة السامية، ديفيد كولير، وسائل الإعلام التي نشرت الصور بأنها “تروّج لكذبة حول المجاعة”. وأشار إلى تقرير طبي اطلع عليه، صدر في أيار/مايو 2025، يفيد بأن الطفل مصاب بالشلل الدماغي. وكتب في مدونته بتاريخ 27 تموز/يوليو أن هذا ليس “وجه المجاعة”، بل “وجه طفل يحتاج إلى مكملات طبية متخصصة منذ ولادته”، معتبرا أن والدته وشقيقه الأكبر يظهران بصحة جيدة، ولا يعانيان من الجوع الذي يفسر نحول جسده.
كما تلقّت الصحفية انتقادات مباشرة من بعض القراء، إذ وصف أحدهم الصورة بأنها “مزيفة”، وقال آخر: “الطفل يعاني بلا شك، لكن هل الجوع هو السبب؟ إنه يعاني من عدة أمراض خلقية… على الصحيفة أن تشرح السبب الحقيقي لشكله”.
وأكدت ريبانز أن رغبة القراء في معرفة الحقيقة وراء كل صورة أمر مفهوم، لكنها شددت على أن الظروف المعقدة للحرب لا تسمح دائمًا بتقديم رواية كاملة. فمنع إسرائيل للصحافيين الأجانب من دخول غزة، يجبر وسائل الإعلام على الاعتماد على الصحافيين المحليين، الذين يعملون في بيئة شديدة الخطورة. وأوضحت أن “الغارديان” تستقبل نحو ألف صورة يوميا من غزة عبر وكالات دولية. أما صور محمد المعتوق، فجاءت من “وكالة الأناضول” التركية عبر “غيتي إيمجز”.
وفي أعقاب الاتهامات، نشرت “الأناضول” تقريرا نقلا عن الطبيبة سوزان معروف، التي تعالج الطفل في مستشفى أصدقاء المريض في غزة، أكدت فيه أن محمد يعاني من سوء تغذية متوسط، إلى جانب مشاكل خلقية في الدماغ وضمور في العضلات، لكن هذه المشاكل “لم تؤثر على وزنه” بشكل كبير إلى أن نفدت المكملات الغذائية في المستشفى، ما تسبب بتدهور حالته. كما نشرت صورة للطفل من سريره تُظهر شكله قبل فقدانه للوزن، وقالت والدته إنه انخفض من 9 كغم إلى 6 كغم خلال أسابيع.
الأطفال، وخصوصا من يعانون من أمراض قائمة، هم الأكثر هشاشة في أزمات الجوع
واعترفت الصحيفة أنها لم تكن على علم بحالته الطبية حين نشرت الصورة الأولى في معرض الصور يوم 22 تموز/يوليو، لكن المحررين أكدوا أنهم اعتادوا رؤية مثل هذه الصور من غزة، ولم تكن حالة محمد “غير عادية”. وأوضحوا أن الأطفال، وخصوصا من يعانون من أمراض قائمة، هم الأكثر هشاشة في أزمات الجوع. وأشارت منظمة الصحة العالمية إلى أن من بين 63 حالة وفاة مرتبطة بسوء التغذية في تموز/يوليو، كان 24 منهم أطفالا دون الخامسة، أي ما نسبته 38%، مع أن هذه الفئة لا تمثل سوى 15% من سكان غزة.
وأكد طبيب أطفال تحدث إلى الصحيفة أن التشخيص في بيئة تعاني من نقص أدوات الفحص المبكر صعب للغاية، ولا يتم أحيانا إلا بعد عامين، كما في حالة الشلل الدماغي. وأوضح المحررون أنه كان بالإمكان الإشارة إلى مشاكل محمد الصحية لو كانت معروفة وقت النشر، وقد تم تحديث وصف الصور لاحقا. ومع ذلك، اعتبروا أن الصورة ما تزال تحمل أهمية، وقالوا إن الطفل المريض الذي يتضور جوعا “لا يقل استحقاقا لاهتمامنا من أي طفل آخر”، كما أثبتت تقارير سابقة تناولت أطفالا يعانون من سوء تغذية بالإضافة إلى مشاكل طبية.
ريبانز: إذا أدركنا أن الأكثر ضعفا هم الأكثر تأثرا بنقص الغذاء والخدمات، فإن نشر صورة الطفل محمد المعتوق لم يكن تضليلا، بل توثيقا لمعاناة حقيقية
وشددت ريبانز على أن المعلومات المفقودة كانت مهمة لرؤية الصورة بشكل أوسع، لكنها نفت أن “الغارديان” اعتمدت على صورة محمد وحدها لتوصيف المجاعة. وذكرت أن المركز الدولي للتخطيط اعتبر ما يحدث في غزة “مجاعة متكشفة”، رغم رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لهذا التوصيف. وقالت إنه إذا أدركنا أن الأكثر ضعفا هم الأكثر تأثرا بنقص الغذاء والخدمات، فإن نشر صورة الطفل محمد المعتوق لم يكن تضليلا، بل توثيقًا لمعاناة حقيقية.
– “القدس العربي”: