مقالات

أميركا تشجّع إسرائيل: سيروا إلى «الهاوية»

أميركا تشجّع إسرائيل: سيروا إلى «الهاوية»

ريم هاني

توفّر واشنطن غطاءً كاملاً لخطط الاحتلال والتهجير في غزة، متجاهلة المجاعة وتصاعد الإبادة، فيما تمضي إسرائيل نحو حرب بلا أفق سياسي ولا حلّ للفلسطينيين.

في خضمّ التقارير التي تفيد بأنّ مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي سيعقد اجتماعاً، اليوم، لتمرير خطة تهدف إلى احتلال قطاع غزة بالكامل، يتّضح، أكثر فأكثر، مدى زيف التصريحات الأميركية حول رغبة الولايات المتحدة في الحدّ من الوضع الإنساني المتردّي في القطاع، لا سيّما وأنّ مواقف واشنطن تكشف عن دعم كامل لخطط تل أبيب، وعلى رأسها تهجير الفلسطينيين، والقضاء على أي فرصة لإنشاء دولة فلسطينية مستقلّة، يرى فيها معظم المراقبين الغربيّين، الحلّ الأوحد لإخراج إسرائيل من «مأزقها» الإستراتيجي.

وردّاً على سؤال من الصحافيين حول قرار إسرائيل «احتلال» القطاع، رفض دونالد ترامب، الثلاثاء، الإعلان عمّا إذا كان يؤيّد استيلاء إسرائيل العسكري المحتمل على غزة أو يعارضه، مؤكّداً أنّ «الأمر متروك لإسرائيل إلى حدّ كبير»، وأنّ «تركيز إدارته ينصبّ على زيادة فرص إدخال الغذاء إلى القطاع». وبالتزامن مع بحث المبعوث الخاص ستيف ويتكوف وترامب «خططاً لزيادة دور واشنطن بشكل كبير في تقديم المساعدات الإنسانية لغزة»، في اجتماع مساء الإثنين في البيت الأبيض، أكّد مسؤول إسرائيلي لموقع «أكسيوس» أنّ رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، أثار مع ويتكوف، الأسبوع الماضي، وفي وقت لاحق مع البيت الأبيض، احتمال توسيع نطاق الحرب في القطاع. ورغم أنّ مثل تلك الخطوة ستفاقم الكارثة الإنسانية في غزة، فقد قال مسؤولون إسرائيليون إنّ خططهم متّسقة تماماً مع ما تتطلّع إليه واشنطن.

وفي إشارة إلى الاستمرار في معارضة أي حلّ للقضية الفلسطينية، هاجم ترامب، في منشور على منصّته «تروث سوشال» الخميس الماضي، كندا على خلفية اعترافها بدولة فلسطينية، مسخّراً سياسات بلاده الاقتصادية لدعم إسرائيل. وممّا جاء في المنشور: «أعلنت كندا للتوّ أنها تدعم إقامة دولة للفلسطينيّين. وهذا سيجعل من الصعب جدّاً علينا عقد صفقة تجارية معهم. أوه، كندا!!!». كذلك، أرسل ترامب مبعوثه ويتكوف إلى إسرائيل للتغطية على ما ترتكبه الأخيرة من تجويع بحق الفلسطينيين، وأعدّ جولة جديدة من العقوبات على السلطة الفلسطينية، معلناً أنّ الاعتراف بدولة فلسطينية يعادل «منح (حماس) النصر».

وتضرب المواقف الأميركية – الإسرائيلية عرض الحائط بالتحذيرات الغربية والإسرائيلية على حدّ سواء، من المضي قدماً في خطط السيطرة على غزة. ومن بين تلك التحذيرات، ما كتبه نحو ستمائة مسؤول أمني إسرائيلي سابق، بما في ذلك مديرون سابقون للجيش و«الموساد»، من رسالة مفتوحة إلى الولايات المتحدة، يدعون فيها ترامب إلى توجيه نتنياهو بإنهاء الحرب و«إعادة الرهائن إلى الوطن». وكانت ناشدت حكومات أجنبية إسرائيل إنهاء الحرب، مشيرة إلى تزايد المجاعة في غزة، فيما قامت ستّ دول بإسقاط المواد الغذائية جوّاً على القطاع.

وعلى وقع استمرار الإبادة في غزة، أصبح بعض المحلّلين الغربيّين يتحدّثون عن «أساسات» واقعية لعملية «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر. وفي هذا السياق، نشرت مجلة «فورين أفيرز» الأميركية تقريراً جاء فيه أنّه بعد مرور أكثر من 22 شهراً على إطلاق الجيش الإسرائيلي حملة لتدمير «حماس»، لا تزال إسرائيل تفتقر إلى أي نهاية سياسية محدّدة؛ إذ تعثّرت المفاوضات في شأن وقف إطلاق النار في غزة، وأدّى فشل إسرائيل في تصور «اليوم التالي» للحرب إلى تعميق الكارثة الإنسانية في القطاع، والتي تشمل حالياً تفاقم المجاعة. ومع تحوّل الصراع على نحو متزايد إلى مشكلة «إقليمية ودولية مميتة»، أصبحت جهات فاعلة من خارج إسرائيل تتدخّل لمحاولة التوصل إلى حلّ.

كشفت «طوفان الأقصى» عن هشاشة منطقة متماسكة عبر البراغماتية الدبلوماسية، ولكنّها تعاني من المظالم التي لم يتمّ حلّها

وأردفت المجلة: «يبدو أنّ الحكومة الإسرائيلية الحالية غير قادرة على تغيير نهجها، رغم أنّ هدفها العسكري الرئيس، أي تفكيك البنية التحتية الإرهابية لـ(حماس)، قد تحقّق إلى حدّ كبير. إنّ غياب أي رؤية إسرائيلية طويلة الأمد قد ترك إسرائيل وغزة والمنطقة ككل في حالة فوضى طويلة الأمد. لا يمكن كسب الحروب التي هي من دون هدف سياسي واضح، ولا يمكن إنهاؤها». وطبقاً للمصدر نفسه، فإنّ الحرب التي أعقبت «مذبحة (حماس) في السابع من أكتوبر، كانت عادلة. إلا أنّها اليوم غير عادلة وغير أخلاقية وتؤدّي إلى نتائج عكسية، إذ تحوّلت المسؤولية عن الكارثة الإنسانية في غزة من (حماس) إلى إسرائيل».

واللافت، أنّ أصحاب الرأي المتقدّم يجادلون بأنّ «مذبحة السابع من أكتوبر لم تكن مجرّد عمل إرهابي همجي»، بل بعثت برسالة سياسية متعمّدة، تتحدّى بشكل مباشر مبدأ «إدارة الصراع» الذي حدّد سياسة إسرائيل في عهد بنيامين نتنياهو لأكثر من عقد من الزمن. وهي كانت، كذلك، بمثابة «توبيخ» لافتراضات الولايات المتحدة بأنّ الدول العربية ستمضي قدماً في تطبيع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل من دون بذل أي جهود جادّة لحلّ «الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني»، قبل أن يتحطّم هذا الوهم في خريف عام 2023، ويكشف عن «هشاشة منطقة متماسكة بفضل البراغماتية الدبلوماسية، ولكنها تعاني، في الوقت عينه، من المظالم التي لم يتم حلّها».

وطبقاً للمصدر نفسه، فقد ارتكزت «اتفاقيات أبراهام» مع عدد من الدول العربية على اعتقاد خطير ومضلّل بأنّ القضية الفلسطينية لم تعد ذات أهمية في المنطقة، وأنه من الممكن التوصّل إلى المزيد من اتفاقيات التطبيع مع تجاوز التطلّعات الفلسطينية حول تقرير المصير. وقد شجّع هذا الخطأ الإستراتيجي إسرائيل على تعميق سيطرتها على الضفّة الغربية، عبر التوسّع الاستيطاني وتجريد المجتمعات الفلسطينية من ممتلكاتها، وإضعاف السلطة الفلسطينية، ممّا أتاح لـ«حماس» ملء الفراغ السياسي في غزة بشكل أكبر وتهميش السلطة الفلسطينية المتعثّرة، وتصوير نفسها على أنها المدافع الوحيد عن الحقوق الفلسطينية.

ويُضاف إلى ذلك، أنّه في أيلول عام 2023، كشف الرئيس السابق، جو بايدن، النقاب عن ممرّ الهند – الشرق الأوسط، وهو خطة اقتصادية طموحة لربط الهند بأوروبا عبر إسرائيل والأردن والسعودية والإمارات، كان من المفترض أن تُطبق كثقل إستراتيجي موازن لمبادرة «الحزام والطريق الصينية»، من شأنه تهميش الفلسطينيين بوضوح. وبالنسبة إلى «حماس»، وخاصة زعيمها الراحل يحيى السنوار، فإنّ الممرّ المقترح مثّل خيانة من جانب الزعماء العرب والجهات الفاعلة الدولية، فيما بات من الواضح حالياً أنّ الخطة التي تقودها الولايات المتحدة والسعودية كانت عاملاً محورياً في قرار السنوار شنّ هجوم السابع من أكتوبر.

كذلك، استذكرت «فورين أفيرز»، حديث الشيخ أحمد ياسين، مؤسّس «حماس»، في مقابلة أجريت معه عام 1997، عندما سؤل عمّا قد يمنع إنشاء دولة إسلامية موحّدة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسّط، ليجيب: «الشيء الوحيد الذي أخشاه هو الواقع الذي يعتقد فيه الفلسطينيون أنّ اليهود سيسمحون بوجود دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل»، في اعتراف يكشف عن حقيقة جوهرية، وهي أنّ قوة «حماس» تعتمد على «اليأس، وتزدهر في ظلّ غياب البدائل».

بالنتيجة، وبعد «نجاحاتها العسكرية»، تقف إسرائيل الآن عند تقاطع تاريخي، ذي مسارين؛ أحدهما، وهو الذي تسلكه حالياً، من شأنه أن يقودها نحو تآكل معاهدات السلام الحالية مع مصر والأردن، وتعميق الاستقطاب الداخلي، والعزلة الدولية، جنباً إلى جنب «تشجيع المزيد من التطرّف في جميع أنحاء المنطقة، والمزيد من العنف الديني القومي من جانب المنظّمات الجهادية العالمية التي تتغذّى على الفوضى»، وتعزيز انخفاض الدعم بين صنّاع السياسات في الولايات المتحدة والمواطنين الأميركيين، وزيادة معاداة السامية في جميع أنحاء العالم.

أمّا في حال أرادت أن تسلك المسار الآخر، «والذي يعزّز الأمن للإسرائيليين والفلسطينيين على حدّ سواء ويعزّز الاستقرار والازدهار في مختلف أنحاء الشرق الأوسط»، فيتعيّن على إسرائيل أن تتّجه نحو اتفاق إقليمي يتضمّن حلّاً قابلاً للتطبيق على أساس وجود دولتين، نظراً إلى أنّ «القوة وحدها لا تستطيع تفكيك شبكة وكلاء إيران وتحقيق السلام والأمن الدائمين لإسرائيل لأجيالها المقبلة».

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب