مقالات

خطأ قد يتحوّل إلى خطيئة!

خطأ قد يتحوّل إلى خطيئة!

سعد الله مزرعاني

مرّت زيارة رئيس الجمهورية إلى الجزائر، قبل حوالى عشرة أيام، «مرّ السحابة لا ريثٌ ولا عجل»، كما «هريرة» الأعشى في مطالع «معلقته» الشهيرة. معروف أن الجزائر دولة غير منضوية في حملة الوصاية الأميركية السعودية، المجنّدة لتنفيذ المطلب الإسرائيلي في لبنان، وهو نزع سلاح حزب الله، ثم مطاردة وحداته المقاتلة والنيل من مجمل حضوره السياسي بمقدار ما تسمح الإمكانات والمؤامرات! هي مرّت على هذا النحو الهادئ، ليس لأن نتائجها السياسية والمادية، كانت إيجابية عموماً، بل من أجل طمس تلك النتائج التي جاءت في عكس الحملة التي تجري باسم «المجتمع الدولي» (أي الأميركي، أي الإسرائيلي!)، والتي تربط أي مساعدة للبنان بنزع سلاح المقاومة بكل الوسائل وخصوصاً بالقوة كما يرغب قائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع.

جعجع هذا لم يتردّد في إبداء الاستعداد للمشاركة في هذه العملية التي تتناول السلاحين اللبناني والفلسطيني… بسلاحه هو، غير المرشح للنزع، لأنه سلاح «صديق» تاريخياً للعدو، وغير موجَّه ضد إسرائيل، كما يقول ممثلو الوصاية الأميركية المتنكرون زوراً بقناع الوسطاء المحايدين (وحتى «النزيهين») كما تصنفهم السلطات اللبنانية المتعاقبة!

الهدوء، والتجاهل الإعلامي (رغم جيش الإعلاميين المرافقين الذين حظيوا باهتمام رسمي جزائري على أعلى المستويات)، كانا من النوع الذي يسبق العاصفة. وهي جاءت على شكل ردود الفعل، حملت، أحياناً، نبرة العتب على الرئيس وفريقه والتأنيب الحاد للمستشارين! هذا ما نقلته بعض وسائل التواصل، وما سوف يطالعك في «غوغل» إذا ما سعيت إلى استعادة شريط الرحلة والمواقف والخطابات الرسمية التي أعلنت خلالها.

أمّا التأنيب، فأبرزه، وأكثره حدّة، ما جاء على لسان العميد العسكري المتقاعد خ. حمادة. وهو صوت عال في جوقة الداعين إلى اعتبار نزع السلاح شرط كل شرط، وأنه لا علاقة أو مساعدة أو أولوية ينبغي أن تتقدّم عليه أو أن تعيق ذلك… يقرّر الرجل أن الجزائر بلد «معزول» وأن علاقاته سيئة بالمغرب وفرنسا و… وأن مجرد التفكير في زيارة الجزائر كان «خطأ» يستحق «المستشارون» الذين أوصوا بالزيارة أو كتبوا النصوص، أشد العقاب على فعلتهم «المشينة»!

في مناخ سيادة ربط المساعدات للبنان بنزع السلاح، وربط بقاء الاحتلال الإسرائيلي للنقاط الخمس، مقرونة بالاغتيالات والقصف والتدمير (حوالى 250 شهيداً) ومنع عودة الأهالي وإعادة الإعمار… بتنفيذ هذا الشرط، جاءت زيارة الجزائر، وبصفاء نية ورغبة في الإنجاز (حيث تعذر في زيارات سابقة) من قبل الرئيس وبعض مساعديه، لتذهب تماماً في عكس الموجة الأميركية للسعودية وملحقاتها في المنطقة وفي لبنان. الرئيس عون، بشكل «طبيعي»، أشاد بمساهمات الجزائر في جهود وساطة مشهودة في أزمات لبنان، وبالتسهيلات التي قدمتها في حقل الطاقة خصوصاً.

طالب الرئيس بالحصول على مساعدة لبنان لمواجهة آثار العدوان الإسرائيلي… الرد الجزائري كان «طبيعياً» هو الآخر: إشادة بصمود الشعب اللبناني ومقاومته. شجب العدوان الصهيوني وأهدافه واستمراره. إعلان تقديم مساعدة مباشرة: باخرتا نفط، ومساعدة مالية بقيمة 200 مليون دولار غير مشروطة بحرب أهلية وبتصفية المقاومة وبقاء الاحتلال الإسرائيلي!
هذه كانت الزيارة التي قرّر العميد المقدام أنها «خطيرة» و«تخبيص»: لأن «العالم تديره أميركا، والمنطقة تديرها السعودية، فما الداعي لاستفزازهما بزيارة الجزائر»؟

في السياق، يجدر التذكير بأن العراق قد عومل بالطريقة نفسها التي عوملت بها الجزائر، رغم أنه الوحيد الذي قدّم مساعدة ثمينة مكّنت من توفير استمرار التغذية الكهربائية جزئياً. لكن الأخطر أنه أبدى استعداداً سخياً بتحويل حساب الدولة العراقية في المصرف المركزي اللبناني (حوالى مليار وربع مليار دولار) للمساهمة في خطة، تقرّرها الحكومة اللبنانية، لإعادة إعمار ما دمّره العدو! أمّا عن إيران، فحدّث ولا حرج: لقد جوبه عرضها بالمساعدة في عملية إعادة الإعمار، بإشراف الحكومة اللبنانية وضمن خطتها، بعدائية مفرطة تقارب قطع العلاقات من طرف واحد!

بالمقابل، بلغت الحملة على المقاومة ولبنان ذروتها بالإنذارات الأميركية المتصاعدة، وبإعلان الانحياز الكامل للعدو: موفدةٌ، هاويةُ استفزاز و«قلة هيبة»، تجاهر بصهيونيتها. موفد لبناني الأصل يرفض ممارسة أي ضغط على إسرائيل لتنفيذ اتفاق رعته الإدارة السابقة… التهديد بتلزيم لبنان إلى أبو محمد الجولاني برعاية سعودية «حاضنة» ومباشرة. محاولات لنقل فتنة السويداء إلى لبنان… كل ذلك فيما يصر القادة الفعليون للحكومة الفاشية الإسرائيلية على المجاهرة بعدم الانسحاب، وبمنع الإعمار، وبقمع عودة المواطنين إلى قراهم…

لم يطل الوقت بالرئيس جوزيف عون، الذي كان يتصرف وفق منطق أن الوضع معقّد وأن لا بديل من الحوار، خصوصاً في ظل تمادي العدوان الإسرائيلي، حتى تراجع وعاد إلى «الصراط المستقيم» الذي يرسمه الموفدون الأميركيون، ويسلكه، بالدرجة الأولى، «السياديون التقليديون» وآخرون جدد ممن دخلوا إلى الحلبة ببركة «الربيع» اللبناني و«ثورة» 17 تشرين لعام 2019 التي صادرتها السفارة الأميركية وأحالت مسؤولية كل أزمة النهب والفساد والإفلاس إلى السلاح الموجّه ضد العدو الصهيوني!

ذلك الصراط هو عبارة عن سلسلة خطوات تهدف إلى إلحاق لبنان، بعد تغيير التوازنات فيه، بـ«السلام الإبراهيمي»، الذي تبدّل مع نتنياهو وفريقه من أحزاب الصهيونية الدينية الفاشية، إلى «إسرائيل الكبرى»، تجسيداً لهدف «إعادة رسم خرائط المنطقة» الذي بكَّر نتنياهو في المجاهرة به ردّاً على «طوفان الأقصى».

أوّل الغيث في المسار الأميركي – الإسرائيلي الذي تنخرط الرياض، بنشاط كبير، في الترويج له والضغط من أجل إنجاحه، هو قرار مجلس الوزراء بمطالبة الجيش اللبناني بتقديم خطة لإقرارها في مجلس الوزراء لنزع سلاح المقاومة قبل نهاية السنة الجارية.
القرار خطأ وتنفيذه، وفق شروط طرفي الوصاية والعدو الإسرائيلي (وهم جهة واحدة!)، سيتحول إلى خطيئة ضد لبنان وشعبه وإنجازاته ووجوده جميعاً!
* كاتب وسياسي لبناني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب