إلى حكومة نتنياهو وائتلاف اليمين المتطرف: عودوا إلى التاريخ قبل أن يعيد نفسه

إلى حكومة نتنياهو وائتلاف اليمين المتطرف: عودوا إلى التاريخ قبل أن يعيد نفسه
بقلم: المحامي علي أبو حبلة –
إلى كل من يتولى زمام السلطة في حكومة بنيامين نتنياهو وائتلاف اليمين المتطرف، وإلى كل من يسير على خطى غلاة المتطرفين أمثال إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، نقول: إن صفحات التاريخ ليست للتزيين في الكتب، بل للعبرة والاتعاظ.
لقد ذاق اليهود في أوروبا ويلات الاضطهاد والتهجير والإبادة الجماعية في الحرب العالمية الثانية، ودُوّنت المحرقة النازية في ذاكرة الإنسانية كجريمة لا تُمحى. غير أن ما يتعرض له الفلسطينيون اليوم، من حصار وتجويع وإبادة بطيئة في غزة، وتهجير ممنهج واستيطان في الضفة الغربية، يجعل الصورة التاريخية أكثر مأساوية، إذ تتحول الضحية بالأمس إلى جلاد اليوم.
تشير بيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) إلى أن أكثر من 80% من سكان غزة يعتمدون بشكل شبه كامل على المساعدات الإنسانية، وأن 65% من الأسر تعاني من انعدام الأمن الغذائي الحاد[1]. أما في الضفة الغربية، فتؤكد تقارير البنك الدولي أن عدد المستوطنين الإسرائيليين تجاوز 750 ألفاً يعيشون في أكثر من 150 مستوطنة وبؤرة استيطانية، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني[2].
كما سجلت المفوضية السامية لحقوق الإنسان أن السياسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة تمثل خرقاً لاتفاقية جنيف الرابعة، لاسيما المواد (33) و(49) التي تحظر العقاب الجماعي ونقل السكان[3]. وفي تقريرها لعام 2024، أكدت منظمة العفو الدولية أن ممارسات الحصار والهدم والتهجير القسري ترقى إلى جرائم فصل عنصري[4].
وحتى في التاريخ السياسي الإسرائيلي الحديث، نجد أن التطرف كان عائقاً أمام السلام، ليس للفلسطينيين وحدهم بل للإسرائيليين أيضاً. فقد اغتيل رئيس الوزراء الأسبق إسحق رابين، الذي حاول مد الجسور وبناء سلام عبر اتفاق أوسلو، على يد متطرف يهودي في عام 1995، لأنه تجرأ على اتخاذ خطوات نحو الاعتراف بالحقوق الفلسطينية[5]. إن هذا الاغتيال كان رسالة واضحة بأن التطرف اليهودي لا يتردد في إسكات أي صوت يسعى للتعايش العادل.والاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وحق تقرير المصير
إن خطابنا موجه أيضاً إلى اليهود المعتدلين، أولئك الذين يؤمنون بإنسانية العيش المشترك، ويدركون أن الأمن لا يتحقق بالقوة العمياء، وأن مستقبل إسرائيل لن يُبنى على أنقاض الشعب الفلسطيني. تاريخ اليهود في الوطن العربي يشهد أن العيش المشترك كان ممكناً، بل ومزدهراً، قبل أن تعبث به مشاريع الاستعمار والحركة الصهيونية المتطرفة.
إلى هؤلاء المعتدلين نقول: إن مواجهة فكر بن غفير وسموتريتش وأشباههما ليست فقط مسؤولية الفلسطينيين والعرب، بل هي مسؤوليتكم الأخلاقية والسياسية أيضاً. فالتطرف الذي يستهدف الفلسطيني اليوم قد يستهدف كل من يرفض أجندة الإقصاء غداً.
لقد قال الفيلسوف اليهودي مارتن بوبر: “السلام لا يُبنى إلا على الشراكة والعدالة، لا على الهيمنة والإخضاع”[6]، وهذه الحقيقة تظل صالحة اليوم أكثر من أي وقت مضى.
وفي الختام، فإننا ندعو إلى نبذ العنف والتطرف من أي جهة كانت، وإلى أن تكون اليد الفلسطينية ممدودة لكل محبي السلام من اليهود، أما من يتجرأ على القتل، فإنما يقتل السلام نفسه بتطرفه وإلغائه للآخر. إن العدل والاعتراف بالحقوق هو السبيل الوحيد لضمان مستقبل آمن وعادل للشعبين، وإلا فإن دوامة الدم لن تتوقف، وسيسجل التاريخ من كان سبب استمرارها.
الهوامش والمراجع الدولية:
- OCHA, Occupied Palestinian Territory: Humanitarian Needs Overview 2024, United Nations Office for the Coordination of Humanitarian Affairs, 2024.
- The World Bank, Economic Monitoring Report to the Ad Hoc Liaison Committee, Washington D.C., April 2024.
- United Nations, Geneva Convention relative to the Protection of Civilian Persons in Time of War (Fourth Geneva Convention), 1949, Articles 33 & 49.
- Amnesty International, Israel’s Apartheid Against Palestinians: Cruel System of Domination and Crime Against Humanity, 2024 Report.
- New York Times, Assassination of Yitzhak Rabin: A Turning Point in the Israeli-Palestinian Peace Process, Nov. 5, 1995.
- Martin Buber, Paths in Utopia, Routledge, 1949.