«اللامركزية» مطلب الأقليات في سوريا ومظلوم عبدي يتمسك بها

«اللامركزية» مطلب الأقليات في سوريا ومظلوم عبدي يتمسك بها
جانبلات شكاي
دمشق ـ انقضى أسبوع حافل آخر من تاريخ سوريا الحديث، بدت خلاله ملامح الدولة الجديدة تتضح أكثر فأكثر، فالمؤشرات باتجاه اعتماد اللامركزية الإدارية التي ما زالت مرفوضة بوضوح من الحكومة الجديدة في دمشق، صارت أقوى، وتجلت في كلمات تردد صداها داخل مدرج المركز الثقافي في مدينة الحسكة، الجمعة، مع استضافة كونفرانس «وحدة الموقف لمكونات شمال وشرق سوريا»، أو «مؤتمر الأقليات» كما فضل البعض تسميته، وقبلها كانت «اللامركزية» من أبرز العناوين والمواقف التي أطلقها قائد «قوات سوريا الديمقراطية- قسد» مظلوم عبدي في أكثر من لقاء له، ومنها تلك التي خصها لصحيفة «يني شفق» المحافظة والمقربة من حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا.
ومنذ التوقيع على اتفاق العاشر من آذار بين رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع، ومظلوم عبدي، ظلت الجبهات محافظة على استقرارها، ولكن ومع بداية الأسبوع ظهرت خطوط التماس وكأنها غير مستقرة وبدأت حرارتها بالارتفاع عبر رسائل بالنار، سرعان ما تبادل الطرفان خلالها الاتهامات تجاه المسؤولية عن قصف طال بعض المناطق في ريف حلب، تاركة الباب مفتوحا أمام أسئلة عن مصير اتفاق دمج «قسد» في صفوف الجيش السوري.
وتحدثت بداية «الوكالة العربية السورية للأنباء- سانا» عن إصابة 4 عناصر من الجيش السوري و3 مدنيين بجروح جراء قصف نفذته «قسد» براجمات الصواريخ وقذائف المدفعية على قرية الكيارية بريف منبج، شمال شرق حلب، ونقلت الوكالة عن «إدارة الإعلام والاتصال بوزارة الدفاع» أن الجيش العربي السوري تمكن من صد عملية تسلل قامت بها «قسد» على إحدى نقاط انتشار الجيش بعد أن نفذت «قسد» صليات صاروخية استهدفت منازل الأهالي بقرية الكيارية ومحيطها لأسباب مجهولة.
وفي اليوم نفسه رفضت «قسد» ما ورد على لسان «إدارة الإعلام والاتصال في وزارة الدفاع في الحكومة السورية» وقالت عبر بيان من مركزها الإعلامي إنه على العكس تماماً فإن «فصائل غير منضبطة» عاملة في صفوف قوات الحكومة السورية هي من تواصل استفزازاتها واعتداءاتها المتكررة على مناطق التماس في منطقة دير حافر».
تركيا تدخل على الخط
الحليف القوي للإدارة السورية الجديدة لم يتأخر في تحميل «قسد» مسؤولية الرفع من حدة التوتر وتهديد اتفاق الهدنة، ونقلت وكالة «رويترز» عن وزارة الدفاع التركية التأكيد بأن «قسد» لا تلتزم بالاتفاق مع الحكومة السورية وتستفيد من الاشتباكات في جنوبي سوريا، في إشارة إلى أحداث محافظة السويداء، معتبرة أن الاشتباكات الأخيرة بين «قسد» والقوات الحكومية تضر بوحدة سوريا، ومشددة على أن أنقرة مستمرة في دعم دمشق بالتدريب والاستشارات في حربها ضد المنظمات الإرهابية.
ونقل موقع «المونيتور» عن مسؤولين إقليميين، لم يسمهم، أن التنافس بين تركيا وفرنسا يُع.يق جهود الوساطة التي تقودها الولايات المتحدة بين دمشق و«قسد»، وبحسب مصادر دبلوماسية فإن تركيا ترى في أي تقارب بين باريس والأكراد تهديدا مباشرا لمصالحها الأمنية في شمال سوريا
وتأتي هذه التطورات في وقت تسعى فيه واشنطن إلى دفع الطرفين نحو تسوية سياسية تُنهي التوتر المستمر وتُجنب المنطقة مزيدًا من التصعيد، واعتبرت «المونيتور» إن زيارة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى دمشق الخميس كانت تهدف إلى إقناع المسؤولين السوريين بالانسحاب من اجتماع باريس.
مظلوم عبدي واللا مركزية
الإشارات التي أطلقتها «المونيتور» تجاه السياسات التركية، سبقتها مواقف بدت أكثر وضوحا تجاه مستقبل العلاقة بين «قسد» ودمشق، وأطلقها مظلوم عبدي في أكثر من لقاء له خلال الأيام الأخيرة.
وقائد «قسد» الذي كان قد اعتبر، الأسبوع قبل الماضي أن السعودية يمكنها لعب دور إيجابي إن دخلت كوسيط بين الإدارة الذاتية ودمشق مؤكدا على اتفاقه مع الشرع على وحدة سوريا بجيش واحد وعلم واحد، وفق تعبيره، قال في لقاء له الإثنين الماضي، مع صحيفة «يني شفق» التركية، إن سوريا أصبحت بحاجة إلى تغيير داخلي جوهري نحو نظام لا مركزي، يتيح لكل مكونات الشعب القيام بدورها السياسي والإداري.
واعتبر عبدي في لقائه مع الصحيفة المقربة من حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، أن النظام المركزي الشمولي لم يعد قابلاً للاستمرار بعد حرب دامت 14 عاماً، مشيراً إلى أن البلاد أصبحت بحاجة إلى تغيير داخلي عميق يقود إلى نظام لا مركزي يسمح لكافة مكونات الشعب بممارسة دورها السياسي والإداري.
وتحدث عبدي عن وجود قنوات تواصل مباشرة مع تركيا، واصفاً الأمر بالإيجابي، وموضحاً أن الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة لا تزال تشارك في المحادثات مع الحكومة السورية، ما يعكس وجود اهتمام دولي جدي بالتوصل إلى تسوية سياسية شاملة.
والثلاثاء عاد عبدي ليؤكد خلال لقاء آخر له مع وكالة أنباء «هاوار» أن إرادة جميع الأحزاب والشخصيات الكردية، ستُطرح للنقاش مع الحكومة الانتقالية السورية في الاجتماعات القادمة، لا سيما الاجتماع المرتقب في باريس، الذي تم تأجيله مؤقتًا.
وأوضح عبدي أن اللقاء المرتقب سيبحث قضايا حيوية تشمل القضايا الإدارية المرتبطة بشمال وشرق سوريا، الحدود والمعابر، النفط، اندماج قوات سوريا الديمقراطية، والمشاركة السياسية في الحكومة والبرلمان وإعداد الدستور، إضافة إلى مواضيع اجتماعية مثل التعليم والاعتراف الرسمي بالشهادات.
وحول العلاقة مع تركيا، نوّه مظلوم عبدي إلى وجود هدنة هادئة منذ أربعة أشهر، بفضل تدخل قوى دولية ومفاوضات مستمرة، مع تأكيده على ضرورة إنهاء الاحتلال في مناطق مثل عفرين ورأس العين وعودة سكانها، من أجل تحقيق السلام الدائم.
وقال عبدي إن الاندماج يعني الشراكة بين جميع السوريين، وبين مكونات سوريا، وبين جميع الإدارات الموجودة حالياً، ويجب أن تُبنى سوريا جديدة على أساس شراكة جديدة وهذا أمر لا يمكن فرضه بالقوة، ويجب أن يتحقق من خلال التفاهم.
براك والـ14 مليار دولار
وتلقت دمشق جرعة دعم اقتصادية قادها هذه المرة المبعوث الأمريكي إلى سوريا توماس براك وتمثل في التوقيع على مذكرات تفاهم استثمارية بقيمة وصلت إلى 14 مليار دولار تشمل مطار دمشق بتمويل قطري ومترو العاصمة بتمويل إماراتي.
وخلال حفل تبادل مذكرات التفاهم، الأربعاء الماضي، ظهر الرئيس الشرع يتوسط الصف الأول من الحضور وجلس على يساره المبعوث الأمريكي وعلى يمينه وزير خارجيته أسعد الشيباني.
وفي كلمته المقتضبة ذكر براك أنه عندما ننظر إلى مدينة دمشق فإننا ننظر إلى تاريخ عريق لمدينة تمتد لآلاف السنوات، ظلت فيه مركزا للتجارة والنقل في المنطقة، موضحاً أن الأرض السورية لطالما قدمت قادة عظماء، وباتت اليوم تشكل المركز بين تركيا وقطر.
في اليوم التالي كان وزير الخارجية التركي هاكان فيدان يحط في مطار دمشق لينتقل منها إلى قصر الشعب حيث عقد لقاء مع الشرع بحضور الشيباني، وفي تغريدة له عبر منصة «اكس» تحدث المسؤول التركي عن زيارته الثالثة لدمشق منذ الإطاحة بنظام الأسد، مشدداً على عزم حكومته على تعميق التعاون بين البلدين في جميع المجالات، وموضحاً أن محادثاته ركزت على التجارة والاستثمار والنقل والطاقة وإعادة إعمار سوريا وعلى القضايا الأمنية بشكل خاص إضافة إلى التهديدات الداخلية والخارجية لسيادة سوريا ووحدتها السياسية.
وقال فيدان: في تركيا سنواصل دعم سوريا في حربها ضد التنظيمات الإرهابية، من دون أن يسميها، وإن لطالما استخدمت أنقرة هذا التسمية في الإشارة إلى قوات «قسد» باعتبارها امتدادا لحزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا.
كونفرس مكونات الحسكة
يوم الجمعة، كان زاخراً بالأحداث السياسية، والتحول الأبرز جاء في استضافة المركز الثقافي في مدينة الحسكة لما أطلق عليه منظموه «كونفرانس وحدة الموقف لمكونات شمال وشرق سوريا»، والذي التأم بمشاركة أكثر من 400 شخصية تمثّل المؤسسات الرسمية المدنية والعسكرية، إلى جانب ممثلين عن مختلف ألوان الطيف المقيم في منطقة الجزيرة السورية بمحافظاتها الثلاث دير الزور والرقة والحسكة.
وفي افتتاح الاجتماع شددت الرئيسة المشتركة لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية، إلهام أحمد، على أن المؤتمر ينعقد في مرحلة مفصلية من تاريخ سوريا.
وتناوب على إلقاء الكلمات كل من الرئيس المشترك للمجلس التنفيذي للإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا، حسين عثمان، وعن مجلس المرأة السورية في شمال وشرق سوريا، أمينة عمر، ومطران أبرشية الجزيرة والفرات، مار موريس عمسيح، وهدية شمو عن المكون الإيزيدي، وسهام قريو عن المكون السرياني الآشوري، وأنتراني سايكسنيان عن المكون الأرمني، وذياب الجيلات من عشيرة البكارة في دير الزور باسم المكون العربي، ومحمد الحمدان عن المكون التركماني، والشيخ مرشد مشوق الخزنوي عن المكون الكردي.
وكان لافتاً أنه وخلال الفعاليات، وجّه كلٌّ من رئيس المجلس الديني في المجلس الإسلامي العلوي الأعلى في سوريا والمهجر الشيخ غزال غزال، وشيخ العقل في طائفة الموحدين الدروز في سوريا الشيخ حكمت الهجري، رسالتين مصورتين إلى الاجتماع عبّرا فيهما عن دعمهما لأهدافه وأهمية توحيد الصفوف لمواجهة التحديات الوطنية الراهنة.
وفي نهاية الاجتماع صدر بيان ختامي دعا إلى صياغة دستور ديمقراطي يضمن اللامركزية والمشاركة الحقيقية والتمثيل العادل لكل المكونات، بما يعزز المواطنة المتساوية، ويحمي حرية المُعتقَد والعدالة الاجتماعية، وأكد على أن الإعلان الدستوري الحالي لا يلبي تطلعات السوريين، ما يستدعي تعديله لضمان مشاركة أوسع في المرحلة الانتقالية.
وشدد البيان الختامي على ضرورة إطلاق عملية عدالة انتقالية قائمة على كشف الحقيقة والمساءلة وجبر الضرر، وتهيئة بيئة آمنة لعودة المهجّرين، ورفض أي تغيير ديمغرافي، كما دعا إلى إعادة النظر في التقسيمات الإدارية لتلائم الواقع الديمغرافي والتنموي، والالتزام بمخرجات اتفاقية 10 آذار/ مارس وكونفرانس «وحدة الموقف الكردي» كخطوات نحو توافق وطني شامل.
ودعا البيان إلى عقد مؤتمر وطني سوري جامع تشارك فيه كل القوى الوطنية والديمقراطية لصياغة هوية وطنية جامعة، وبناء دولة حرة، ديمقراطية، لا مركزية، يسودها القانون، وتُصان فيها الكرامة الإنسانية، ويعيش فيها الجميع أحراراً ومتساوين.
الحكومة ترفض
نتائج اجتماع الحسكة
ومنذ ساعة بدء انعقاده، شنت وسائل الإعلام المقربة من الإدارة الجديدة، والناشطون المحسوبون عليها، حملة شديدة على اجتماع الحسكة، وصلت إلى التلويح بأن الأمور تسير باتجاه التصعيد ومقاطعة دمشق لجولة المحادثات المرتقبة في باريس. ووحدها نقلت وكالة «الأناضول» التركية عن مصدر حكومي سوري، لم تسمه قوله إن «الحكومة السورية بدأت تدرس إلغاء جولة المفاوضات المقررة مع قوات قسد ردا على مؤتمر الحسكة»، وقالت «الأناضول» إن المصدر اعتبر «المؤتمر تصعيدا خطيرا وسيؤثر على مسار التفاوض الحالي ويظهر عدم جدية قوات قسد حيال المفاوضات مع دمشق».
وصباح السبت أعلنت دمشق رسميا رفضها نتائج اجتماع الحسكة ومقاطعتها للقاء المنتظر في باريس عبر تصريح لمصدر مسؤول في الحكومة نشرته وكالة الأنباء السورية «سانا».
وقال المصدر إن الحكومة السورية تؤكد على أن حق المواطنين في التجمع السلمي والحوار البناء سواء على مستوى مناطقهم أو على المستوى الوطني هو حق مصون تضمنه الدولة وتشجع عليه شريطة أن يكون في إطار المشروع الوطني الجامع الذي يلتف حول وحدة سوريا أرضا وشعبا وسيادة.
وأضاف «إن الحكومة تؤكد أن للمجموعات الدينية أو القومية كامل الحق في التعبير عن رؤاها السياسية وعقد اجتماعاتها وتأسيس أحزابها ضمن الأطر القانونية الوطنية، شريطة أن يكون نشاطها سلميا، وألا تحمل السلاح في مواجهة الدولة، وألا تفرض رؤيتها على شكل الدولة السورية».
وأكد أن «شكل الدولة لا يحسم عبر تفاهمات فئوية، بل عبر دستور دائم يقر عبر الاستفتاء الشعبي، بما يضمن مشاركة جميع المواطنين على قدم المساواة، ويحق لأي مواطن طرح رؤاه حول الدولة، لكن ذلك يتم عبر الحوار العام وصناديق الاقتراع، لا عبر التهديد أو القوة المسلحة».
ولفت المصدر إلى أن هذا المؤتمر شكل محاولة لعرض طروحات تتعارض مع اتفاق 10 آذار/مارس الماضي، سواء بالدعوة إلى تشكيل «نواة جيش وطني جديد»، أو إعادة النظر في الإعلان الدستوري، أو تعديل التقسيمات الإدارية، رغم أن الاتفاق نص بوضوح على دمج جميع المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن مؤسسات الدولة، وضمان الحقوق على أساس الكفاءة لا الانتماء.
وأكد على أن «هذا المؤتمر خرق للاستحقاقات التي باشرت الحكومة السورية في تنفيذها، بما في ذلك تشكيل هيئة العدالة الانتقالية وبدء أعمالها، ومسار الحوار الوطني الذي أطلقته الحكومة السورية في شباط/فبراير الماضي والمستمر حتى إيصال البلاد إلى بر الأمان»، منوها إلى أن «هذا المؤتمر يمثل تهربا من تنفيذ استحقاقات وقف إطلاق النار ودمج المؤسسات، واستمرارا في خرق الاتفاق، وهو في الوقت ذاته غطاء لسياسات التغيير الديمغرافي الممنهج ضد العرب السوريين، تنفذها تيارات كردية متطرفة تتلقى تعليماتها من قنديل».
وأضاف المصدر «أن الحكومة تدعو قسد للانخراط الجاد في تنفيذ اتفاق 10 آذار/مارس الماضي، كما تدعو الوسطاء الدوليين لنقل جميع المفاوضات إلى دمشق باعتبارها العنوان الشرعي والوطني للحوار بين السوريين».
وغردت الرئيسة المشتركة لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية، إلهام أحمد، عبر صفحتها على إكس مؤكدة «استمرار تمسّكنا بسوريا الموحَّدة وسلامة أراضيها، ورفضنا القاطع لكل مشاريع التقسيم، في كل مناسبة وموقف»، وقالت: «اليوم نؤكد التزامنا باتفاقية 10 آذار/مارس بين الرئيس أحمد الشرع والجنرال مظلوم عبدي، وبناءً على ذلك نحن منخرطون في مباحثات بنَّاءة لتنفيذ بنود الاتفاقية بالاندماج الحقيقي على أساس الشراكة في إطار الدولة السورية، الوطن المشترك للجميع».
«القدس العربي»: