250 نائبا أمريكيا يزورون إسرائيل في رحلة ممولة بينما ترتكب المجازر في غزة

250 نائبا أمريكيا يزورون إسرائيل في رحلة ممولة بينما ترتكب المجازر في غزة
رائد صالحة
واشنطن ـ في مشهد يثير الصدمة والغضب، شارك 250 نائبًا أمريكيًا، خمسة من كل ولاية، في رحلة مموّلة بالكامل من الحكومة الإسرائيلية، في الوقت الذي تشنّ فيه القوات الإسرائيلية حملة عسكرية على قطاع غزة أسفرت عن استشهاد أكثر من 65 ألف فلسطيني، وفق وزارة الصحة الفلسطينية، معظمهم من النساء والأطفال. وأكدت لجنة مستقلة تابعة للأمم المتحدة أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية، لكن النواب الأمريكيين اختاروا التوجّه إلى إسرائيل كجزء ممّا وصفته الحكومة الإسرائيلية بـ«أكبر وفد برلماني يزور إسرائيل على الإطلاق».
الوفد، الذي ضمّ أعضاء من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، حضر مؤتمر وزارة الخارجية الإسرائيلية تحت عنوان «50 ولاية، إسرائيل واحدة»، بين 15 و18 أيلول/سبتمبر الجاري، وشملت فعالياته لقاءات مع كبار المسؤولين الإسرائيليين، من بينهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الخارجية جدعون ساعر ورئيس الدولة إسحاق هرتسوغ.
كما جال النواب في الكيبوتسات المحيطة بقطاع غزة، وزاروا الحائط الغربي في القدس والمنطقة الحدودية القريبة من غزة، وشاركوا في «زراعة 50 شجرة» في مستعمرة أوفاكيم في الجنوب، بمعدل شجرة لكل ولاية، في خطوة رمزية لتبييض صورة الاحتلال.
وتكفّلت الحكومة الإسرائيلية بجميع النفقات، بما في ذلك تذاكر الطيران والإقامة والطعام والتنقل، في محاولة واضحة لشراء الولاء السياسي للنواب الأمريكيين وتشجيعهم على دعم تشريعات مناهضة لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات «BDS»، رغم الجرائم المستمرة بحق المدنيين الفلسطينيين.
ورغم أن القائمة الكاملة بأسماء المشرّعين لم تُنشر رسميًا، فإن تقارير إعلامية أشارت إلى مشاركة شخصيات بارزة من بينها وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، الذي تزامنت زيارته مع الجولة، إضافة إلى غريغ كاسار، رئيس «التجمّع التقدّمي» في الكونغرس، الذي كان قد أعلن عن دعمه لمشروع قانون يهدف إلى تعليق نقل الأسلحة إلى إسرائيل.
فضيحة عائلية: ابنة المشرّع تنتقد والدها
لم تمرّ الجولة بدون جدل حتى داخل العائلات. فقد انتقدت مادي بلوك، ابنة السيناتور الجمهوري جاي بلوك من ولاية نيو مكسيكو، زيارة والدها، واصفة إياها بأنها «رحلة دعاية إسرائيلية لتبييض المجازر». وفي مقطع فيديو نشرته على تيك توك، قالت مادي: «لا يمكن التظاهر بأن هذه مجرد زيارة تعليمية. ما يحدث في غزة إبادة جماعية، ووالدي يشارك في تبييض هذه الجرائم». وأضافت: «بيع الروح لن يساعد أحدًا سوى الاحتلال.»
السيناتور بلوك دافع عن نفسه، مؤكدًا أن الرحلة كانت «امتيازًا وفرصة للتعلم»، وتجاهل المجازر المستمرة في غزة، ما أثار ردود فعل غاضبة بين المواطنين والناشطين الحقوقيين، معتبرين أن النواب المشاركين أصبحوا أدوات ضمنية في حملة ترويج للرواية الإسرائيلية، بينما تستمر الدماء في غزة.
وأثارت الرحلة انتقادات واسعة، ليس فقط من مؤيدي حقوق الفلسطينيين، بل من منظمات حقوقية وسياسية محلية ودولية، والتي اعتبرت التمويل المباشر من الحكومة الإسرائيلية وسيلة لتوجيه النواب الأمريكيين لصالح أجندة الاحتلال. وشددت هذه الأصوات على أن الجولة لا علاقة لها بالتعرّف على التاريخ أو النزاع، بل هي حملة دعاية سياسية لتأمين دعم أمريكي غير مشروط للإبادة الجماعية الجارية.
ووصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الوفد بأنه «أكبر وفد للنواب يزور إسرائيل على الإطلاق»، مؤكدًا على استمرار الدعم الأمريكي رغم «المحاولات لتقويضه». وفي الوقت ذاته، تجاهل جميع المشاركين الجرائم المستمرة بحق المدنيين، مكتفين بتأكيد أنهم حضروا لتمثيل وجهات نظر مناطقهم أو التعرف على النزاع، بدون أي موقف أخلاقي واضح من المجازر التي ترتكب بحق الفلسطينيين.
تواطؤ سياسي وأخلاقي مع المجازر
تمثّل زيارة 250 نائبًا أمريكيًا لإسرائيل في ظل المجازر المستمرة في غزة تواطؤًا سياسيًا وأخلاقيًا مع الاحتلال، وتسليط الضوء على الدور الأمريكي في استمرار الأزمة الإنسانية. وتكشف الجولة الوجه الحقيقي للنفوذ الإسرائيلي في الولايات المتحدة، حيث تتحول الديمقراطية إلى منصة لتبرير الجرائم، بينما يدفع المدنيون الأبرياء في غزة ثمن الصمت الأمريكي والجولات الدعائية.
ولم تكن هذه الجولة مجرد زيارة رسمية؛ بل كانت رحلة تبييض دماء الأطفال والنساء في غزة، وتطبيعا لإبادة جماعية تحت رعاية السياسة الأمريكية والإسرائيلية المشتركة.
آلية التمويل والجولات
تشمل هذه الرحلات عادة تذاكر طيران وإقامة فاخرة، وجولات ميدانية مصحوبة بمواعيد رسمية مع كبار المسؤولين الإسرائيليين. إلى جانب ذلك، تُقدَّم ورش عمل وندوات خاصة تركز على إبراز التهديدات الأمنية لإسرائيل، مع تجاهل أو تقليل ذكر المعاناة الفلسطينية، ما يجعل المشرّعين يطلعون على جانب واحد من الصورة. ويتمّ أحيانًا استقبال المشاركين شخصيًا من قبل السفراء أو قادة جماعات الضغط، ما يعزز الانطباع الإيجابي تجاه السياسات الإسرائيلية.
وتشير دراسات عدة إلى أن المشرّعين المشاركين في هذه الجولات يميلون لدعم مشاريع قوانين تمنح إسرائيل مساعدات عسكرية أكبر، أو تحميها دبلوماسيًا في المحافل الدولية، حتى لو تعارض ذلك مع مصالح ناخبيهم المحليين أو مع المبادئ القانونية والأخلاقية. كما تعمل هذه الجولات بالتوازي مع نشاط جماعات الضغط الأمريكية، مثل «AIPAC»، لتشكيل قاعدة دعم قوية داخل الكونغرس وتوجيه النقاش السياسي لصالح إسرائيل.
الانتقادات لهذه الجولات واسعة، فالنشطاء والصحافيون يعتبرونها وسيلة غير مباشرة لشراء ولاءات أعضاء الكونغرس، ما يطرح تساؤلات حول تأثير التمويل الخارجي على الديمقراطية الأمريكية. وبينما تصوّرها إسرائيل على أنها «رحلات تثقيفية»، يرى منتقدوها أنها تقلل من وعي المشرّعين بالمعاناة الإنسانية للفلسطينيين، وتثير نقاشات حول أخلاقيات التمويل الخارجي وتأثيره على السياسة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة.
«القدس العربي»: