منوعات

سعيه دائم لمخاطبة جيل الشباب من خلال الموسيقى التي تجذبهم ومحتفظاً بالهوية المايسترو ليث ميشيل: علّمني والدي كيف أصغي وأتعلّم وأشكره على هديته

سعيه دائم لمخاطبة جيل الشباب من خلال الموسيقى التي تجذبهم ومحتفظاً بالهوية المايسترو ليث ميشيل: علّمني والدي كيف أصغي وأتعلّم وأشكره على هديته

زهرة مرعي

بيروت ـ  ينشغل المايسترو العراقي ليث ميشيل بأفكار ومشاريع فنية متعددة. من بينها كيفية تقديم بعض موسيقانا الشرقية من ضمن قوالب الموسيقى الكلاسيكية التي درسها واتقنها، بحيث يُقبل عليها جيل الشباب. وبالطبع من دون أن تفقد روحها وهويتها. وهو متأكد بأنه ومهما أبحر الفنان بدراسة ومعرفة الموسيقى الكلاسيكية، سيبقى النغم والإحساس الموسيقي الشرقي مقيماً في حنايا روحه. يتميز المايسترو ليث ميشيل بالصلات الإنسانية التي يقيمها مع عدد من الفنانين العراقيين والعرب. صلات تتفاوت بين الوثيقة والمعرفة. ويكنّ لجميعهم التقدير، ويحترم مسيرتهم الفنية.
يعبّر المايسترو ليث ميشيل عن أمنيته الدائمة بالاستثمار في التعليم الفني في عالمنا العربي، بحيث يطال نسبة واسعة من الراغبين بدارسة الموسيقى بشكل خاص.
يُذكر أن المايسترو موريس ميشيل غادر الحياة بعد أيام من هذا الحوار، ولتلميذه المجتهد وولده المايسترو ليث تعازينا الحارة. هنا تفاصيل الحوار:
○ بالإطلاع على سيرتك توقفت عند تعريفك بأمريكي من أصل عراقي. لماذا برأيك يسبق الإنتماء الجديد الأصل ويكاد يلغيه لدى كثيرين؟
• بحكم الواقع القانوني أو المجتمعي، وكذلك مايتعلّق بأوراق رسمية أو إعلامية أن يسبق الانتماء الجديد، أو الهوية المكتسبة الأصل. وأي جديد لن يلغي الأصل والهوية. كعراقي الأصل يحمل الجنسية الأمريكية في داخلي ثقافيتين. والأصل هو العراق الذي افتخر به، وفيه ولدت ونشأت ودرست. وأصلي العراقي هو الأصل، ودائما أعرّف عن نفسي بعراقي الجنسية.
○ بعد اهتمام والدك بك منذ الطفولة درست الموسيقى الكلاسيكية على يد أساتذة من روسيا في مدرسة البالية العراقية. حالياً وأنت تؤلف الموسيقى هل يتسلل نغم شرقي إلى نصك الكلاسيكي؟
• بالتأكيد. حتى وإن كتبت عملاً أوركسرالياً تقليدياً لا بد ستجدين فيه إيقاعات شرقية، وإحساس نغمي مختلف. الشرق في داخلي بدون جدال، وشرقيتي تسري في نسيجي الإنساني والفني. أعبّر عنها في الموسيقى التي أكتبها بشكل طبيعي جداً، بدون الحاجة لقرار. دراستي كلاسيكية نعم، إنما وبالتأكيد النغم الشرقي يسري في دمي.
○ ماذا أخذت من والدك موريس ميشيل وهو من مشاهير الموسيقى الكلاسيكية في بغداد؟
• أخذت من والدي الشغف والانضباط في التعليم والتدريب. كان والدي صارماً جداً موسيقياً. فقد علّمي كيف اُصغي وأتعلّم، وليس فقط كيف أعزف. أنا ممتن مدى الحياة لفضل والدي عليَ، منها احترام الموسيقى، بمنأى عن النظرة إليها كمهنة. أشكره مجدداً على الهدية الجميلة التي أعطاني إياها والتي أجبرني عليها، وهذا ما أكرر فعله مع أبنائي.
○ حدّثنا عن إدارتك ورعايتك لمعاهد بروكلن. أين تنتشر؟ ومن هم طلابها؟ وماذا عن برامجها؟
• معاهد بروكلن تنتشر حالياً في دبي. بعد إدارتي لها على مدى 17 عاماً باتت الآن بإدارة شركة خاصة، الطلاّب من مختلف الجنسيات والأعمار، وهي تقدّم برنامج أكاديمية بريطانية صلبة جداً على الصعيد العالمي. برامج تجمع بين التقنية والمعرفة النظرية، وهي تساعد على الإبداع والتعبير الشخصي للطفل. لا شك بأهمية الموهبة في تعلّم الموسيقى، وكذلك للتعليم الصارم دوره، خاصة مع إشراف إداري قوي ومثقّف من كافة النواحي الموسيقية.
○ وهل يشكّل مشروعك الموسيقي في دبي امتداداً لمعاهد بروكلن؟
• لا. بل مشروعي الموسيقي شرقي غربي أوركسترالي. مشروع يطمح إلى جمع فنانين وتقديم عروض على مسارح عربية وأجنبية، وطرح موسيقى جديدة من تأليفي، أو إعادة توزيع مقطوعات موسيقية لفنانين لهم شهرتهم. دائماً «أتونس» بإعادة توزيع مقطوعة موسيقية على طريقتي الخاصة، وهذا ما يشكّل شغفاً بالنسبة لي، ولي توزيع موسيقى لأغنيات كثيرة لمطربين معروفين أو غير معروفين.
○ الاهتمام بمعاهد التدريس هل يترك أثراً على التأليف الموسيقي لديك؟
• أكيد يترك أثراً، لكنه بالمقابل أبقاني على اتصال بجيل جديد من العازفين. وهم لديهم أسئلتهم ورؤيتهم وفضولهم الخاص. وهذا ما يؤثر عليّ كمؤلف ويجعلني أعيد التفكير في الكثير من المفاهيم، والبحث في كيفية توزيع الموسيقى لجيل جديد. ومن جهتي أحب التوجه لكافة الأعمار لدى إعادة توزيع مقطوعة موسيقية، أو توزيع مقطوعة جديدة. هدفي وقدر المستطاع أن «تتونّس» كافة الأعمار بالتوزيع الموسيقي الذي أقدمه.
○ إذاً كموسيقي بلغْتَ شهرة كبيرة كيف تُقدم موسيقانا الشرقية للجيل الجديد؟
• بالنسبة لي أقدمها بلغة يفهمها هذا الجيل من دون أن تفقد أصالتها. هو دمج بين الآلات الشرقية والغربية مع الاحتفاظ بالأساس وبهوية تلك الموسيقى. وهذا ليس تعقيداً للموسيقى، بل تقديمها بدون تشويهها. الأهم بالنسبة لي إضافة الهارموني المتناسق في التوزيع الموسيقي، فاللحن بدون الهارموني الجيد لن يكون مهماً.
○ كيف تقرأ في الاتجاهات الحالية التي تسلكلها الموسيقى العربية في المشهد العام؟
• تشهد الموسيقى العربية الحالية تغيراً يفرضه الانتشار التجاري، وخاصة من خلال النشر عبر الديجيتال أو الرقمي. وهذا ما يتسبب بضغط على الفنان. بالنظر إلى الفنانين الشباب والذين يتمكنون من إيجاد توازن بين الحداثة والهوية. فهم بمواجهة تحدي الحفاظ على هويتهم العربية.
○ كيف تتغذّى الموسيقى العربية من الموروث الموسيقي الشرق -عربي لتنهل من الماضي بهدف تكوين هويتها المستقبلية؟
• الموروث الموسيقي العربي غني جداً سواء لجهة الزخارف اللحنية أو الموشحات. وهذا ما يلجأ إليه الفنانون الجدد لتقديمه في اطر فنية معاصرة كمثل حداثة التوزيع والتسجيل الموسيقي، اختيار هذه المقامات والعمل عليها مجدداً، يضفي عليها حداثة على إذن المستمع.
○ تجمعك صداقات ببعض نجوم الفن العربي. من هم المقربون؟ وما رأيك بمسار هؤلاء النجوم ـ الأصدقاء؟
• ثمة معرفة تجمعني بعدد كبير من الفنانين، وصداقات مع عدد آخر. المعرفة المتبادلة تجمعني بكاظم الساهر وماجد المهندس، وهي معرفة تشرّفني. وهناك أصدقاء من بين الفنانين أتبادل معهم الزيارات واللقاءات كما حُسام رسّام، وعلي صابر، وبسّام مهدي، وسيمون جلال. وأصدقاء من الموسيقيين والموزعين كما ميشيل فاضل، علي الأمير وحسام كامل وعثمان عبّود، وغيرهم الكثير من الموزعين حيث القائمة تطول. على سبيل المثال تجمعني معرفة متبادلة وثيقة وجيدة مع صابر الرباعي، وجميعهم ما شاء الله يتمتعون بمسيرة فنية جميلة، وهم مجتهدون إلى حينه. ومن ذكرتهم موهوبون ويعملون لتطوير ذاتهم بشكل صحيح. وأنظر إلى مستقبلهم بمزيد من النجاح، ويُشرفني أن يكون هؤلاء بالطبع من المقربين لي.
○ بعد كاظم الساهر من خرج من العراق إلى رحاب الشهرة العربية الواسعة؟ وكيف ترى إلى خصوصيته كملحن وصانع موسيقى؟
• استطاع كاظم الساهر مزج الشعر العربي باللحن الشرقي. ومقاربة هذا الأمر في الموسيقى يحتاج لإحتراف وعاطفة، وليس بمتناول أي فنان، وهذا ما يميز البنية الدرامية في نتاجات كاظم الساهر. لاحظت مدى تأثر كاظم الساهر بالجمهور، نحن كعراقيين فخورين بكاظم الساهر وحضوره على الساحة الفنية العالمية.
○ إلى كاظم الساهر من يلفتك في غناء قصائد الفصحى العربية؟
• من المبدعين الذين أتابعهم في غناء القصيدة عبد الله رويشد، فهو يؤدي القصيدة بطريقة محترمة وجادة.
○ كمؤلف موسيقى كلاسيكية هل يمكن يوماً أن يؤدي أحدهم أو إحداهنّ مقطوعة من تأليفك؟ ومن تختار كصوت؟
• هم كثر، لكني دائماً أشعر بأن صوت ماجد المهندس قادر على إيصال الموسيقى. ويعجبني جداً أسلوب غناء هبة طوجي. أحب في ماجد أداءه الخليجي على الشرقي، وأحب في هبة أسلوبها الغربي.
○ نعيش جدلاً حول الذكاء الاصطناعي. ماذا تقول في استخداماته الموسيقية؟ وهل يحق للجيل الحاضر استخدامه لاإستعادة أصوات رحلت كما أم كلثوم؟
• الذكاء الاصطناعي أداة إنما ليس له أن يكون بديلاً للإبداع البشري. قد يُستخدم لتحسين المهام الفنية التقنية، لكنه يستحيل أن يمتلك الروح الفنية. أما إعادة إحياء أصوات الراحلين فأعتقد انها منطقة حسّاسة جداً وذات مسؤولية أخلاقية. لا يجوز استحضار أصوات هؤلاء العمالقة عبر الذكاء الاصطناعي.
○ ظاهرة تجديد أغنيات العمالقة من الفنانين العرب كم تقع في خانة إحياء الغناء الجميل؟ وكم تقع في خانة تشويهه؟
• يتوقف الأمر على كيفية التجديد. التجديد الذي يتم باحترام واحتراف وفهم عميق لأصل الأغنية فيمكن إعادتها وتجديدها، بحيث تصل للأجيال الحالية. أما التجديد مع فقر في الذوق والتقنيات، فهذا بالتأكيد سيتحوّل إلى تشويه. تقديم القديم يكون ليس بصوت جديد، بل برؤية تضيف ولا تُفسد.
○ كيف تنظر إلى مستقبل الموسيقى العربية؟ وهل من أمل تتمسكون به؟
• انها مرهونة بمدى قدرتنا على الاستثمار في التعليم الفني الذي نفتقده في عدد من الدول العربية، ونحتاج لدعم المواهب الحقيقية وليس فقط التجارية. انه العمق الموسيقي الذي أراه للمستقبل من خلال المغنين الجدد أو الفنانين.

«القدس العربي»:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب