رئيسيالافتتاحيه

اغتيال طاقم الجزيرة في غزة: جريمة حرب مكتملة الأركان وتحدٍ صارخ للقانون الدولي

اغتيال طاقم الجزيرة في غزة: جريمة حرب مكتملة الأركان وتحدٍ صارخ للقانون الدولي

بقلم:رئيس التحرير 

في واحدة من أبشع الجرائم ضد الصحافة وحرية التعبير، ارتكب الاحتلال الإسرائيلي مجزرة بحق طاقم قناة الجزيرة في مدينة غزة، ليرتقي خمسة من فرسان الكلمة والصورة وهم يؤدون واجبهم المهني في تغطية الأحداث: المراسلان أنس الشريف ومحمد قريقع، المصوّران إبراهيم ظاهر ومؤمن عليوة، وسائق الطاقم محمد نوفل.

هذه الجريمة تأتي في سياق تصاعدي لاستهداف الإعلاميين منذ اندلاع العدوان، حيث تؤكد منظمات دولية أن عدد الصحفيين الذين استشهدوا في غزة تجاوز أي حصيلة مسجلة في النزاعات المعاصرة، ما يجعل هذا الصراع الأكثر فتكاً بالصحفيين في التاريخ الحديث.

القانون الدولي الإنساني، وبخاصة اتفاقيات جنيف والبروتوكولات الإضافية، يمنح الصحفيين العاملين في مناطق النزاع صفة مدنيين محميين، ما لم يشاركوا مباشرة في الأعمال القتالية.

استهدافهم عمداً، أو شن هجمات غير مميزة ضد أماكن وجودهم، يرقى إلى جريمة حرب، كما نصّ على ذلك نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. وقد شدّد قرار مجلس الأمن رقم 1738 على ضرورة حماية الصحفيين وضمان سلامتهم.

وفي حالة طاقم الجزيرة، لا يوجد ما يبرر قانونياً زوال هذه الحماية، ما يعني أن ما جرى يدخل مباشرة في نطاق الجرائم الدولية التي تستوجب المساءلة.

البعد السياسي والاستراتيجي

الاعتداء على الإعلاميين ليس مجرد تجاوز قانوني، بل خطوة مدروسة ذات أبعاد استراتيجية:

طمس الرواية: إخفاء الحقائق ومنع نقل الصورة من الميدان.

إرهاب مهني: بث الخوف في نفوس الصحفيين ودفعهم للتراجع عن التغطية الميدانية.

توظيف أمني للسردية: إلصاق تهم القتال أو التعاون مع جماعات مسلحة لتبرير استهدافهم، في محاولة لتقويض مصداقية تقاريرهم.

إن هذا النمط المتكرر يهدف إلى إخراج الشهود من مسرح الجريمة، وتحويل الحرب إلى ساحة بلا شهود

هذا وتشير تشير بيانات منظمات حقوقية، بينها لجنة حماية الصحفيين (CPJ)، إلى أن حصيلة الصحفيين الشهداء في غزة منذ بدء العدوان غير مسبوقة، وتفوق مجموع ما سُجّل في أي نزاع آخر خلال العقود الماضية. هذه الخسارة الفادحة لا تقتصر على الجانب الإنساني، بل تعني أيضاً إضعاف قدرة المجتمع الدولي على التحقق من الوقائع.

وتتطلب المساءلة الدولية ومن ضمن الخيارات المتاحة عدة مسارات قانونية متعددة للمحاسبة :-

  1. المحكمة الجنائية الدولية: التحقيق في استهداف المدنيين، بما فيهم الصحفيون، كجرائم حرب.
  2. لجان تقصي الحقائق الأممية: توثيق رسمي يفتح الباب أمام الملاحقة الدولية.
  3. القضاء الوطني في دول أخرى: عبر مبدأ الولاية القضائية العالمية.

تفعيل هذه المسارات يتطلب ضغطاً سياسياً وإرادة دولية جادة، إضافة إلى جهود توثيق مهنية صارمة

ونخلص للقول إن اغتيال طاقم الجزيرة في غزة ليس حادثة عرضية، بل حلقة في سلسلة ممنهجة لإسكات الصوت الحر وتعميم الرواية الرسمية للعدوان. إن الصمت على مثل هذه الجرائم يعني القبول الضمني بإلغاء حق العالم في معرفة الحقيقة.

المطلوب اليوم ليس فقط الإدانة، بل تحرك فوري على المستويين القانوني والسياسي لوقف نزيف الحقيقة، وضمان ألا تمر جريمة اغتيال فرسان الكلمة والصورة بلا عقاب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب