تداعيات قرار حكومة نتنياهو باحتلال غزة

تداعيات قرار حكومة نتنياهو باحتلال غزة
بقلم: رئيس التحرير
يُمثل قرار حكومة بنيامين نتنياهو باحتلال قطاع غزة – إن تمّ تنفيذه – تحولًا استراتيجيًا خطيرًا في مسار الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي. فالانتقال من سياسة “الحصار والضربات المحدودة” إلى احتلال عسكري مباشر، يعني إعادة إنتاج نموذج سيطرة عسكرية كاملة على نحو مليوني فلسطيني يعيشون في واحدة من أكثر مناطق العالم كثافة سكانية.
من منظور القانون الدولي الإنساني، فإن الاحتلال الفعلي يفرض على القوة المحتلة التزامات صارمة بموجب اتفاقيات جنيف لعام 1949، وخاصة الاتفاقية الرابعة التي تنظم حماية المدنيين وقت الحرب
أولًا: التداعيات الميدانية والأمنية
- استنزاف القدرات العسكرية الإسرائيلية
إدارة الاحتلال لقطاع محاصر ومساحته محدودة (365 كم²) لكنه مكتظ بالسكان، سيستلزم انتشارًا عسكريًا واسعًا، ما يرفع تكلفة العمليات ويزيد من الخسائر البشرية.
التجربة الإسرائيلية في جنوب لبنان (1982–2000) تبرهن أن الاحتلال في بيئة مقاومة نشطة يتحول إلى حرب استنزاف طويلة الأمد
- تصاعد المقاومة المسلحة
أي انهيار مؤقت للبنية العسكرية للفصائل الفلسطينية لن يعني نهاية المقاومة، بل انتقالها إلى حرب عصابات داخل الأحياء السكنية، على غرار تجربة الفلوجة في العراق (2004)، مما يزيد من المخاطر الأمنية.
- احتمال توسع الصراع إقليميًا
احتلال غزة قد يُستغل من قبل حزب الله أو إيران لتوسيع المواجهة إلى جبهات أخرى، خاصة إذا ارتفعت الخسائر المدنية، ما ينذر بحرب متعددة الجبهات.
ثانيًا: التداعيات السياسية والدبلوماسية
- انكشاف إسرائيل أمام القانون الدولي
الاحتلال المباشر دون تفويض أممي يُعد انتهاكًا للمادة 2(4) من ميثاق الأمم المتحدة التي تحظر الاستيلاء على الأراضي بالقوة[^3]، إضافة إلى مخالفته لاتفاقيات جنيف.
قد يدفع ذلك المحكمة الجنائية الدولية لتسريع إجراءاتها ضد قادة إسرائيليين بتهم جرائم الحرب.
- إضعاف مسار التطبيع العربي
دول مثل السعودية قد تجد نفسها مضطرة لتجميد أو تأجيل أي خطوات تطبيع علنية، خشية ردود الفعل الشعبية والرسمية العربية.
- شرخ داخل التحالفات الغربية
الولايات المتحدة قد تستمر في الدعم، لكن الدول الأوروبية، تحت ضغط شعبي وبرلماني، قد تفرض قيودًا على تصدير السلاح أو تعلّق التعاون العسكري.
ثالثًا: التداعيات على القضية الفلسطينية
- إعادة تعريف الصراع
سيعيد الاحتلال القضية الفلسطينية إلى صيغة “شعب تحت احتلال مباشر”، بدلًا من الإطار التفاوضي القائم على حل الدولتين، ما قد يوحّد الموقف الفلسطيني داخليًا.
- تحييد السلطة الفلسطينية
إدارة الاحتلال لكل مناحي الحياة في غزة ستهمش السلطة الفلسطينية وتفقدها أي شرعية تفاوضية.
- تصاعد المقاومة الشعبية
غياب الأفق السياسي سيزيد من احتمالية اندلاع انتفاضة شعبية شاملة في الضفة الغربية والداخل الفلسطيني.
رابعًا: التداعيات الإنسانية والاقتصادية
- كارثة إنسانية مضاعفة
وفق تقارير الأمم المتحدة، أكثر من 80% من سكان غزة يعتمدون على المساعدات[^4]، والاحتلال المباشر مع استمرار الحصار سيؤدي إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي، وقد يدفع إلى مجاعة جماعية.
- احتمال التهجير القسري
أي محاولة لدفع السكان نحو سيناء تُعد خرقًا للمادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة، التي تحظر النقل القسري الجماعي للسكان[^5].
خامسًا: التداعيات الداخلية في إسرائيل
- تآكل الجبهة الداخلية
ارتفاع الخسائر والتكاليف المالية (قد تصل إلى 200 مليون دولار يوميًا كما في تقديرات حرب 2014[^6]) قد يسرع في انهيار الائتلاف الحاكم أو إسقاط الحكومة.
- تأثير اقتصادي سلبي
زيادة الإنفاق العسكري وتراجع الاستثمار قد يخفض التصنيف الائتماني ويزيد من معدلات التضخم والبطالة.
احتلال غزة لن يكون نهاية الصراع، بل بداية مرحلة أكثر تعقيدًا، قانونيًا وسياسيًا وأمنيًا. ومن منظور القانون الدولي، فإن أي احتلال يفرض التزامات وليس حقوقًا للقوة المحتلة، ويعرضها للمساءلة أمام المحاكم الدولية إذا ارتكبت انتهاكات. كما أن التجارب التاريخية، من فيتنام إلى لبنان والعراق، تؤكد أن الاحتلال في بيئة معادية هو وصفة مؤكدة للاستنزاف والفشل الاستراتيجي.