رئيسيفلسطينمقالات

رسالة مفتوحة إلى الرئيس نواف سلام: حب فلسطين وكراهية الفلسطينيين! بقلم الدكتور ساري حنفي

بقلم الدكتور ساري حنفيأستاذ علم الإجتماع في الجامعة الأمريكية في بيروت

نص رسالة الدكتور ساري حنفي أستاذ علم الإجتماع في الجامعة الأمريكية في بيروت إلى رئيس وزراء لبنان الكبير:نواف سلام .
رسالة مفتوحة إلى الرئيس سلام:
حب فلسطين وكراهية الفلسطينيين!
 بقلم الدكتور ساري حنفي
الاثنين 2025/08/11
لماذا لا تُتخذ إجراءات توقف العنصرية ضد فلسطينيي لبنان أو حاملي الوثائق السورية.
دولة الرئيس،
تحية طيبة وبعد،
أتذكر جيدًا أول لقاء جمعنا في مكتبك بالجامعة الأميركية في بيروت في 2005. يومها عرّفتك على نفسي بصفتي من المعجبين بك منذ أن قرأت مقالتك في مجلة الدراسات الفلسطينية عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وعن غياب المقاربة الحقوقية تجاه أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية والمدنية. ومنذ ذلك اليوم، توالت لقاءاتنا بين حين وآخر على فنجان قهوة، إلى أن غادرت الجامعة متوجهًا إلى منصبك الجديد سفيرًا للبنان لدى الأمم المتحدة.
أكتب إليك اليوم، لا بصفتي صديقًا أو معجبًا فحسب، بل بصفتي شاهدًا وغاضبًا، إذ أرى لبنان في عهدكم يواصل إرثًا طويلاً من العنصرية المؤسسية والمجتمعية ضد اللاجئين الفلسطينيين، وضد الفلسطينيين السوريين منذ اندلاع الثورة السورية.
أدرك أن الأمر معقد، وأن للتاريخ جراحه؛ من بينها مشاركة بعض الفلسطينيين في الحرب الأهلية، ضد نصف اللبنانيين مع النصف الآخر. لكن تبقى المفارقة التي صاغها الراحل إلياس خوري بعبارته الشهيرة: “لبنان الذي يحب فلسطين ويكره الفلسطينيين”.
تعرف، دولة الرئيس، أن جزءًا من عائلتي لبناني، وجزءًا آخر فلسطيني هُجّر إلى سوريا. في العقد الماضي، عانيت الأمرّين للحصول على تأشيرات لإخوتي وأقاربي كي يزوروا أهلهم الذين لجأوا إلى لبنان بعد تهجيرهم من سوريا، ولم يكن الأمر يتم إلا عبر وساطات شمالًا وجنوبًا.
كتبت إليك اليوم بعدما بلغ الغضب بي مبلغًا، إثر سماعي قصة إحدى قريباتي اللبنانيات، المتزوجة من فلسطيني سوري والمقيمة معه في الإمارات. الأسبوع الماضي، حاولت إدخال ابنها الصغير عبر حدود المصنع إلى لبنان، لكن الموظف رفض قائلاً: “هو فلسطيني، ولو كانت أمه لبنانية”. أربع ساعات ونصف من الانتظار والمهانة، انتهت حين فهمت الأم أن “الرشوة” هي الحل، فدفعت وانتهى الأمر.
إلى متى، دولة الرئيس، يستمر بلد يدّعي الحداثة وحقوق الإنسان في إنكار مواطنة المرأة، وفي حرمانها من أبسط حقوقها؛ حق توريث جنسيتها لأطفالها وزوجها؟ لماذا صدر في عهدك مرسوم يسمح للسوريين الحاملين إقامات خليجية أو أوروبية بدخول لبنان، ويستثني الفلسطيني السوري؟ جاء الرئيس محمود عباس مؤخرًا إليكم، وأبدى حسن النية بشأن تنظيم السلاح الفلسطيني، فما كان الرد؟ لماذا لا تُتخذ إجراءات توقف الحقد والعنصرية ضد فلسطينيي لبنان أو حاملي الوثائق السورية؟ ولماذا يكاد من المستحيل استقدام فلسطيني من الضفة الغربية وأي مكان آخر كسائح إلى لبنان، بلد يكاد أن يكون منهاراً اقتصادياً وبحاجة لاي دخول من السياحة؟
أعرف أنك رجل قانون، وأقدّر مواقفك منذ كنت رئيسًا لمحكمة العدل الدولية. لكن ألا يستحق الأمر مواجهة صريحة مع هذه العنصرية المؤسسية التي تطال شعبًا يعيش بينكم منذ أربعة أجيال، محرومًا من حق العمل وحق التملك؟ نعم، أدرك أن يدي رئيس الوزراء مكبلتان في نظام طائفي، لكن على الأقل ننتظر كلمة، تصريحًا، تحديدًا للمسؤوليات.
لقد قلت دائمًا إن مشكلة الفلسطينيين في لبنان لا تقتصر على إرث بعض اليمين المسيحي، بل هي أوسع: هناك من السنة والشيعة من يرفضون إعطاء الفلسطيني حقوقه، أو يصمتون، أو يرضون باستغلاله في السوق السوداء. إنها قضية تتجاوز الطائفية إلى البنية الطبقية والاقتصادية.
هذا الخطاب العنصري/الذرائعي/الشوفيني/الطبقي نقيض لما حمله لبنان ذات يوم من روح عروبية، إسلامية، إنسانية، وحقوقية، ونقيض لموقف اليسار الليبرالي والوطنيين اللبنانيين الذين احتضنوا الفلسطيني وثورته بكرم ومحبة.
لماذا يصر لبنان والأردن على إطلاق الرصاص على قدميهما؟ بالنسبة لي، الفرضية الأوضح هي انفصال الجهاز الأمني عن السلطة السياسية المنتخبة وهيمنته عليها، حتى بات السياسي يصدر تشريعات تحاكي حقوق الإنسان، بينما يخلق الأمن حالة استثناء، بالمعنى الذي أشار إليه الفيلسوف الإيطالي جورجيو أغامبن، تستبعد الفئات تعتبرها زوراً أنها “خطرة”، وتقصيها من أي فائدة لتلك التشريعات.
هذه الهيمنة الأمنية ليست جديدة على عالمنا العربي؛ شعرت بها كلما سافرت. كفلسطيني يحمل الوثيقة السورية، كنت أتعرض لأسابيع من الانتظار للحصول على التأشيرات، ولساعات من الإذلال على الحدود العربية (لبنان، الأردن، مصر، تونس، الجزائر وبعض دول الخليج). حتى أهديت كتابي “هنا وهناك: نحو تحليل العلاقة بين الشتات الفلسطيني والمركز” إلى رجال الأمن على الحدود، “بفضل” تلك الساعات لقد تحفز ذهني على الكتابة.
ما زلت أذكر ذهول أخي الأكبر حين زارني في فرنسا ورافقني لعبور الحدود إلى إسبانيا، ولم يجد شرطياً واحدًا يطلب أوراقنا. أصر على العودة إلى الحدود لأخذ ختم خروج كي يتمكن من العودة إلى فرنسا! رجعنا، وختم الشرطي الوثيقة بابتسامة تقول: “هؤلاء جاؤوا من المريخ!”
نعم، يا دولة الرئيس، يبدو أن العالم العربي لا يزال خارج التاريخ والجغرافيا العالمية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب