رئيسيالافتتاحيه

تصريحات وزيرة الخارجية الفلسطينية بين ثوابت الموقف الوطني   ووهم منح نوبل وذاكرة الفلسطينيين  وتعقيدات التعامل مع واشنطن

تصريحات وزيرة الخارجية الفلسطينية بين ثوابت الموقف الوطني

  ووهم منح نوبل وذاكرة الفلسطينيين  وتعقيدات التعامل مع واشنطن

بقلم: المحامي علي أبو حبله – رئيس تحرير صحيفة صوت العروبة

أثارت تصريحات وزيرة الخارجية الفلسطينية حول ضرورة أن تكون غزة جزءًا لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية، وأن تحكمها حكومة واحدة وسلاح واحد، اهتمامًا واسعًا في الأوساط السياسية والشعبية. هذه الرؤية، في جوهرها، تمثل أساسًا وطنيًا لا يختلف عليه الفلسطينيون، فهي تعكس مطلبًا ملحًا لتوحيد السلطة والمؤسسات ضمن إطار الدولة الواحدة، بما يعزز القدرة على مواجهة التحديات.

غير أن ما أثار الجدل هو ما نُسب إلى وزيرة الخارجية من تمني منح الرئيس الأمريكي الحالي، دونالد ترمب، جائزة نوبل للسلام، في وقت تُمارس فيه إدارته دورًا مباشرًا في مجريات الحرب على غزة، وتوفر الغطاء السياسي والعسكري لحكومة نتنياهو، وتتحكم بمسار وقف إطلاق النار والمساعدات الإنسانية.

الولايات المتحدة بين الدور المعلن والممارسة الفعلية

السياسة الأمريكية، منذ عقود، تنطلق من رؤية استراتيجية ثابتة منحازة لإسرائيل، وهي في عهد ترمب أكثر وضوحًا وجرأة. فقد شهدت ولايته الأولى قرارات مفصلية أضرت بالقضية الفلسطينية، أبرزها:

  1. الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها، في انتهاك لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، مثل القرارين 478 و2334.
  2. طرح خطة “صفقة القرن” التي فتحت الباب أمام ضم مساحات واسعة من الضفة الغربية وشرعنة الاستيطان.
  3. إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، ووقف المساعدات عن السلطة الفلسطينية، وفرض شروط سياسية تمس الحقوق الوطنية الثابتة.

أما في المرحلة الراهنة، فقد أظهرت إدارة ترمب استمرار الانحياز عبر:

استخدام حق النقض (الفيتو) ضد مشاريع قرارات دولية تدعو لوقف فوري ودائم لإطلاق النار في غزة.

استمرار الدعم العسكري والسياسي لإسرائيل، وتوفير الغطاء لسياسات التهجير والتجويع التي يتعرض لها سكان القطاع.ودعم الإجراءات الإسرائيلية في الضفة الغربية والتوسع الاستيطاني وسياسية الضم لأجزاء من الضفة الغربية

التحكم في تدفق المساعدات الإنسانية، وربطها بشروط وإجراءات أعاقت وصولها إلى مستحقيها، ما فاقم الكارثة الإنسانية.

فرض إجراءات عقابية على السلطة الفلسطينية كعقاب على ملاحقة اسرائيل في المحافل الدولية وأمام محكمة الجنائية الدولية

الرؤية الفلسطينية المستقلة

التعامل مع الولايات المتحدة –مهما كان توجه إدارتها– يجب أن يقوم على أسس تحافظ على استقلالية القرار الفلسطيني، وتستند إلى استراتيجية وطنية شاملة، تتلخص في:

  1. التمسك بالثوابت الوطنية: القدس عاصمة الدولة الفلسطينية، وحق العودة، ورفض أي مساس بالسيادة على الأرض والموارد.
  2. توحيد الجبهة الداخلية: إنهاء الانقسام، وتشكيل حكومة وحدة وطنية أو حكومة تكنوقراط ببرنامج سياسي متفق عليه، تتولى إدارة الضفة والقطاع، وتوحيد السلاح في إطار الشرعية الوطنية.
  3. إعادة تعريف العلاقة مع واشنطن: الانفتاح على الحوار المشروط الذي يربط أي تعاون بوقف العدوان ورفع الحصار، ووقف سياسات الضم والاستيطان، والالتزام بقرارات الشرعية الدولية.
  4. توسيع التحالفات الدولية: استثمار موجة الاعترافات بالدولة الفلسطينية، وبناء شراكات مع دول وقوى إقليمية ودولية قادرة على ممارسة ضغط موازن على الإدارة الأمريكية.
  5. تعزيز المسار القانوني والدبلوماسي: تفعيل قرارات الأمم المتحدة، والعمل عبر محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية لمحاسبة إسرائيل على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.

الخلاصة

إن الموقف الفلسطيني الرسمي يجب أن يظل منسجمًا مع تضحيات الشعب الفلسطيني، وأن يترجم إلى سياسات واضحة ومحددة تجاه جميع الأطراف الدولية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة. إن أي إشارات إيجابية أو مجاملات سياسية يجب أن تكون مشروطة بتحقيق تقدم ملموس نحو إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.

فالسياسة الناجحة ليست في المجاملة على حساب الذاكرة والحقوق، بل في الجمع بين الواقعية السياسية وصلابة الموقف الوطني، بما يحفظ الكرامة ويحقق الأهداف الاستراتيجية للشعب الفلسطيني.

وعليه فإن تصريحات وزيرة الخارجية تفتح الباب لنقاش أعمق حول طبيعة الخطاب الدبلوماسي الفلسطيني: هل يجب أن يكون خطابًا مبدئيًا يتمسك بالثوابت، أم خطابًا سياسيًا مرنًا يسعى لتوظيف جميع الأوراق، حتى لو كانت مشوبة بتاريخ من الانحياز الفاضح ضد الحقوق الفلسطينية؟

في ظل ما تعرض له الشعب الفلسطيني من قرارات ترمب، فإن الحديث عن منحه جائزة نوبل للسلام يبدو وكأنه إغفال للتاريخ القريب، أو ربما رهان على سياسة “تطبيع الذاكرة” التي لم ينجح الاحتلال نفسه في فرضها منذ أكثر من سبعة عقود.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب